رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أسرار تحركات وتحالفات «شرق المتوسط» للسيطرة على غاز المنطقة

جريدة الدستور

مثّل اكتشاف الغاز بكميات ضخمة فى منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، أحد أهم محركات السياسة الدولية فى المنطقة بعد دخول عدة دول إقليمية ودولية على خط الصراع بحثًا عن الهيمنة على مكمن الثروة الجديد، المنتظر أن يصبح أحد أهم روافد الطاقة للقارة الأوروبية فى المستقبل القريب. وفى إطار البحث عن تحقيق أقصى استفادة ممكنة، انخرطت دول «شرق المتوسط»، خاصة قبرص واليونان وإسرائيل فى تحالفات بينية من أجل تحقيق مصلحة الجميع، فيما سعت الدول المطرودة من جنة التحالفات، على رأسها تركيا، إلى العمل بشكل منفرد واستعراض القوة من أجل نيل حصة من المكاسب بأى وسيلة. كما جذبت المنطقة الواعدة فى مجال الغاز الطبيعى، إيران عملاق الغاز العالمى، والصين الباحثة عن دور دولى يليق بمكانتها الاقتصادية، ودفعتهما إلى مد نفوذهما نحو سواحل «شرق المتوسط» من أجل عرقلة المنافسة فى حالة الأولى، والمشاركة بنصيب من الكعكة فى الحالة الثانية، ما حوّل المنطقة إلى بؤرة صراع دولى متعدد الأقطاب، وهو ما نتناول أسراره وتفاصيله فى السطور التالية.



إسرائيل تحالف مع قبرص واليونان والهدف مد خط إلى أوروبا



مع اكتشاف الغاز الطبيعى فى «شرق المتوسط»، بدأت تل أبيب تنفيذ خطة موسعة من أجل تحقيق أقصى استفادة من الكنز الجديد، الذى توالت اكتشافاته فى المنطقة التى يمر بها أكثر من ٩٠٪ من التجارة الإسرائيلية. وتسعى «تل أبيب» من خلال هذه الخطة إلى الاعتماد على غاز «المتوسط» فى تنويع مصادر الطاقة بما يدعم الاقتصاد فى الداخل، مع الاستفادة من الفوائض فى توسيع هامش التصدير، وهو ما دفعها إلى تعزيز تعاونها مع دول «شرق المتوسط»، خاصة قبرص واليونان، من أجل تقليل تكلفة مد أنابيب التصدير إلى السوق الأوروبية القريبة.
وقال إفرايم عنبر، رئيس معهد «القدس للدراسات الاستراتيجية»، فى مقال بصحيفة «إسرائيل اليوم»، إن الخطة الإسرائيلية اصطدمت بتهديدات إقليمية كثيرة تمثلت فى إطلاق حركة «حماس» المسيطرة على قطاع غزة عددًا من الصواريخ على الحفّارات الإسرائيلية، بالإضافة إلى التهديد المستمر من «حزب الله» اللبنانى.
وأضاف أن: «تل أبيب عانت أيضًا بعض المخاوف نتيجة تصرفات تركيا فى شرق المتوسط، ومحاولات إيران النفاذ إلى المنطقة عبر سوريا وحزب الله، ما أكد عجزها على فرض هيمنتها على المنطقة بالقوة، ودفعها نحو عقد تحالفات مع قبرص واليونان فى مواجهة التهديدات التركية والإيرانية».
وكشف عن أن هذه التحالفات تصدت بشكل غير مباشر لمحاولات الهيمنة من أنقرة وطهران، كما أن واشنطن لم تكن بعيدة عنها، ودعمتها بشكل غير مباشر، عبر دعم المناورات العسكرية المشتركة بين إسرائيل واليونان. وتابع: «هذا الجهد أسفر عن توثيق العلاقات بين إسرائيل وقبرص واليونان، كما ظهر فى القمم الثلاثية الخمس التى ضمت رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، والرئيس القبرصى نيكوس أناستاسياديس، ورئيس الوزراء اليونانى أليكسس تسيبراس».
وأوضح أن «القمة الأخيرة عقدت فى بئر سبع، وناقشت إمكانية مد أنابيب غاز من إسرائيل تجاه أوروبا، مرورًا بقبرص واليونان، وتستأنف المباحثات حولها فى قمة سادسة من المقرر عقدها فى فبراير المقبل بجزيرة كريت، ومن المتوقع أن يتعاقد الأطراف الثلاثة على تنفيذ المشروع خلال أقل من شهر».
وكشفت دراسة خاصة، نشرها مركز «بيجن- السادات» للدراسات، عن أن جميع الخطط الإسرائيلية لتصدير الغاز اصطدمت بمصر، التى أصبحت تلعب دورًا كبيرًا فى «شرق المتوسط»، فى ظل توجه قبرص واليونان إلى الاعتماد على محطات إسالتها من أجل تصدير الغاز إلى الأسواق العالمية. وأضافت أن إسرائيل وقبرص لا يستطيعان وحدهما تحمل تكلفة مد أنابيب الغاز إلى أوروبا لأسباب اقتصادية واضحة تتعلق بتكاليف النقل والإسالة ورسوم العبور الدولى، ما جعلهما بحاجة إلى التنسيق مع مصر فى هذا الملف بشكل كامل. ونوهت الدراسة بأن مصر تعمل وفق خطة منظمة تهدف لتحويلها إلى مركز إقليمى لتداول الغاز الطبيعى وتجارته فى شرق المتوسط، ويعزز من نجاحها اكتشاف حقل «ظُهر» الضخم الذى أصبح بمثابة «عملاق» الغاز فى المنطقة، لكونه الأكبر على الإطلاق من حيث حجم احتياطياته البالغ نحو ٣٠ تريليون قدم مكعب. وختمت بأن «إسرائيل أصبحت مضطرة للتعاون فى هذا الملف مع مصر وقبرص من أجل نقل غازها عبر أراضى كل منهما، والاستفادة من قدرات الإسالة المصرية قبل التوجه للسوق الأوروبية من أجل التصدير».



تركيا فشل مع دول الجوار.. و«بلطجة» على المياه القبرصية



فى إطار سياستها الباحثة عن استعادة الهيمنة على المنطقة، بدأت تركيا فى السنوات الماضية تنفيذ مخطط للتمدد خارج حدودها، مثّلت فيه منطقة «شرق المتوسط» محورًا مهمًا، خاصة بعد بلورة تحالف قبرص واليونان ومصر، وبعد الاكتشافات المتتالية للغاز المصرى فى البحر المتوسط.
فى البداية، حاولت تركيا عقد شراكة خاصة مع إسرائيل استثمارًا للعلاقات الاقتصادية والعسكرية بين البلدين، لكن الأخيرة فضلت التحالف مع قبرص واليونان، ما أثار حفيظة الرئيس التركى رجب أردوغان، وظهر فى المناوشات الإعلامية مع تل أبيب تحت دعاوى أخرى.
وقال إفرايم عنبر، رئيس «معهد القدس للدراسات الاستراتيجية»، فى مقاله المنشور بجريدة «إسرائيل اليوم»، إن تركيا تستكمل نزاعًا قديمًا فى البحر المتوسط مع اليونان، بدأ منذ عام ١٩٧٤ وقت سيطرتها على شمال قبرص، كما أن تحركاتها كانت بالتنسيق مع الجهات المؤيدة لها فى المنطقة، ما سمح لها بتطوير علاقات جيدة مع «جهات إرهابية» فى سوريا وليبيا، اللتين تقعان على شواطئ «المتوسط»، بالإضافة إلى تعزيز سلاحها البحرى فى المنطقة إلى حد جعلها تهدد بإرسال سفن حربية لتنفيذ مخططاتها فيها.
وأوضح المقال أن «تركيا بدأت فى نوفمبر الماضى تفهم (المعركة فى البحر المتوسط)، وبدأت من جانبها محاولة التدخل فى الصراع على طريقتها، وأعلنت بدء التنقيب عن النفط والغاز فى مياه شرقى المتوسط، ليس هذا فقط، بل أصبحت تهدد باستخدام القوة ضد قبرص واليونان، وقالت إنها لن تسمح للأولى بالسيطرة على احتياطيات الغاز فى المياه التركية أو فى شمال قبرص».
وأضاف أن «هذه التهديدات أغضبت عدة جهات دولية، أهمها الاتحاد الأوروبى، كما صرح رئيس مجلس الاتحاد الأوروبى دونالد توسك، فى حينه، بأن قادة الاتحاد أكدوا حق قبرص فى التنقيب عن الموارد الطبيعية واستغلالها وفقًا للوائح الاتحاد الأوروبى والقانون الدولى».
وحسب تقديرات المراقبين، فإن تركيا ليست بعيدة عن إثارة التوتر فى البحر المتوسط، فكانت لها سابقة فى فبراير الماضى، حين أوقفت البحرية التركية الحفار «سايبم ١٢٠٠٠» التابع لشركة «إينى» الإيطالية، وهو فى طريقه للتنقيب عن الغاز قبالة قبرص.
وحسب دراسة نشرها مركز «بيجن- السادات»، فإنه فى الوقت الذى حاولت إسرائيل فيه دعم قبرص ضد التهديد التركى، فإن واشنطن يبدو أنها وقفت على مسافة متساوية من نيقوسيا وأنقرة.



إيران عرقلة إنتاج المنطقة خوفًا من المنافسة عبر «الهلال الشيعى»


فى إطار بحثها عن الهيمنة على المنطقة، ومع الوضع فى الاعتبار حقيقة كونها أحد عمالقة الغاز الطبيعى فى العالم، بدأت إيران منذ سنوات محاولات الوصول إلى «شرق المتوسط» من أجل عرقلة إنتاج المنطقة الواعدة التى يمكنها الدخول كمنافس فى سوق الغاز العالمية.
وبعد القرار الأمريكى بالانسحاب من سوريا مؤخرًا، وتعاظم الوجود الإيرانى فى سوريا والعراق ولبنان فى السنوات الماضية، زادت المطامع الإيرانية فى فرض خطة الهيمنة عبر «الهلال الشيعى» من أجل الوصول إلى موطئ قدم على البحر.
وتطمح إيران وفق خططها الحالية إلى إنشاء «ممر شيعى» يمتد من الخليج الفارسى حتى البحر المتوسط، بالإضافة إلى رغبتها فى إقامة قواعد جوية وبحرية على شواطئ «المتوسط»، تسمح لها بالمرور إلى شواطئ دول البلقان ودول ألبانيا والبوسنة وكوسوفو التى شهدت تكثيف الوجود الإيرانى مؤخرًا، بحثًا عن التأثير فى الجاليات الإسلامية فى باقى الدول الأوروبية.
ووفقًا للتقديرات الإسرائيلية، فإن المشروع النووى الإيرانى يعد الخطر الاستراتيجى الأساسى الذى يهدد تل أبيب، بالإضافة إلى أن إقامة الممر البرى الإيرانى ووصول نفوذ طهران إلى البحر سيتسبب فى صراع طويل الأمد فى منطقة شرق المتوسط.
ويرى الباحث الإسرائيلى يوسى منشاروف، فى مقاله بمجلة «إسرئيل ديفينس»، أن التخطيط الإيرانى لهذا الممر هو حجر الزاوية بالنسبة للسياسة الإيرانية فى المنطقة، وهو الأمر الذى يجب أن تعتبره إسرائيل خطرًا حقيقيًا عليها، خاصة أنه يمنح إيران القدرة على فرض سيطرتها على المنطقة بأسرها، ويفوق تهديدات «داعش» ضد تل أبيب.
وحسب «منشاروف»، فإن هدف الممر البرى الإيرانى، هو تأمين طرق معبدة مباشرة ومستقلة إلى «حزب الله» فى لبنان وعلى الحدود السورية- الإسرائيلية، ما يجعل الحدود منطقة استعداد وجاهزة لشن أى هجمات مستقبلية ضد إسرائيل، فى الوقت الذى يواصل فيه «حزب الله» تلقى المساعدات العسكرية والدعم اللوجستى من إيران.
وفضلًا عن ذلك، كما يرى الباحث، فإن الممر الإيرانى يوسع من رقعة الجبهات التى تستهدف إسرائيل على حدودها الشمالية بالذات، بما فيها لبنان وهضبة الجولان السورية، نظرًا لتحول الحدود السورية- الإسرائيلية عمليًا إلى «حزام إيرانى»، يشمل قاعدة عسكرية متقدمة يمكن منها شن هجمات صاروخية ضد إسرائيل مع تنفيذ عمليات تسلل واجتياح برى.
ووفقًا لتقارير عبرية، فإن الجهات التى تحاول منع إيران من إقامة هذا الممر البرى، هى إسرائيل والولايات المتحدة والأكراد، وهو الأمر الذى سيتغير كثيرًا فور تنفيذ الانسحاب الأمريكى من سوريا، لأنه سيُضعف من وضع الأكراد فى غرب سوريا، ويقوّض قدرتهم على التصدى للمشروع.


الصين سيطرة اقتصادية على ميناءى حيفا وطرابلس.. وواشنطن توبّخ تل أبيب على توسع بكين

نظرًا لبحثها عن دور عالمى رائد ورغبتها فى تأسيس نظام عالمى جيد لا يتمركز حول الولايات المتحدة الأمريكية، لم تعد الصين بعيدة عن ملف «شرق المتوسط» بأى حال من الأحوال، فمن بين الملفات التى تشغل الأمريكيين هذه الأيام، حقيقة النشاط الاقتصادى المرتقب للصين على شواطئ إسرائيل وسوريا ولبنان، وهو ما كان محور مناقشات مستشار الأمن القومى الأمريكى، جون بولتون، مع الحكومة الإسرائيلية، فى زيارته الأخيرة.
وحسب مسئول إسرائيلى كبير، فإن الولايات المتحدة هددت تل أبيب بضغوط مختلفة، بسبب سماحها بتوغل الصين على سواحلها وتنامى نشاطها فى المنطقة. وقبل أسابيع، أجرى المجلس الوزارى الإسرائيلى المصغر للشئون الأمنية والسياسية «الكابينت»، جلسة خاصة ناقش فيها قضية سيطرة الصين على ميناء حيفا الإسرائيلى، بعد فوز شركات صينية بعطاءات مهمة جديدة فى منطقة الموانئ. وأشارت صحيفة «هآرتس» إلى وجود مخاوف لدى الجهات الأمنية الإسرائيلية من اطلاع الشركات الصينية على التحركات العسكرية فى المنطقة، وحسب الصحيفة، فإن مسئولين إسرائيليين كشفوا عن أن نظراءهم الأمريكيين «انفجروا فى وجههم» بسبب السماح بتنامى النشاط الصينى فى شرق المتوسط بهذه الطريقة.
كما دشن العملاق الصينى وجودًا جديدًا فى ميناء طرابلس اللبنانى الذى سيكون مستقبلًا محوريًا رئيسيًا للاستثمارات الصينية، خاصة فى مجال إعادة إعمار سوريا.
ووفقًا لتقارير إعلامية، فإن سفينة شحن تابعة لشركة «كوسكو» للشحن البحرى المملوكة للحكومة الصينية، رست مؤخرًا فى ميناء طرابلس اللبنانى، مُدشنة بذلك أول رحلة فى مسار بحرى جديد يربط الصين بشرق المتوسط.