رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"مجنون دبي" ترصد عالم "الأوف شور" روائيا

الكاتب ياسر أحمد
الكاتب ياسر أحمد

يعرف الكاتب الصحفي البريطاني٬ نيكولاس شاكسون٬ مصطلح "الملاذ الضريبي" بأنه يوفر السرية والهروب من القواعد المالية والتنظيمية٬ وفرصة لتجاهل السلطات القضائية الأخري٬ أي البلاد التي يعيش فيها غالبية سكان العالم. وبأنه: مكان يسعي إلي اجتذاب البيزنس من خلال عرضه مرافق وتسهيلات مستقرة سياسيا لمساعدة الأفراد أو الكيانات علي الإلتفاف علي القواعد والقوانين والأحكام التنظيمية للسلطات القضائية في الأماكن الأخري.

أما عالم "الأوف شور" فيشير إلى أنه: "بإمكان بنوك الولايات المتحدة أن تقبل٬ بشكل قانوني عائدات لبعض الجرائم٬ مثل التعامل في الأملاك المسروقة٬ طالما أن هذه الجرائم ترتكب بالخارج، ويتم إجراء ترتيبات خاصة مع البنوك للتأكد من عدم إفشائها هويات الأجانب الذين يتركون أموالهم في الولايات المتحدة حتى أنها لا تمانع في قبول أموال أشخاص وتنظيمات إرهابية من جميع أنحاء العالم.

يشير الروائي اللبناني "إلياس خوري" إلى أن الرواية رغم حملها للعلوم والمدارك الإنسانية خلال تاريخها الطويل، لم تتحول إلى بناء موسوعى ومرجع معلوماتى بسبب بعدها التخيلى، فالنسيج الروائى يتمدد لاحتشاد مادته من فضاءات الحياة المعرفية، ثم يضيق لينظمها فى بناء تخيلى متماسك يبتعد عن التماثل التوثيقى عبر رحلة طويلة متشابكة الخيوط بشخوصها وأماكنها.

وفي روايته الأحدث "مجنون دبي" والصادرة عن دار العين يتحرى مؤلفها الشاب ياسر أحمد عالم الأوف شور والملاذات الضريبية عبر أربعة مدن هي: دبي٬ بانكوك٬ سنغافورة٬ القاهرة.

الرواية التي نقلت عالم الأوف شور القذر القبيح وآلية عمله ودهاليزه المظلمة٬ ترصد كيف تحتال الكائنات المالية العالمية في تحقيق أرباحها٬ من خلال إنشاء شركات وهمية في دول أخري بعيدا عن مقراتها الرئيسية التي تأسست فيها، فبطل الرواية "يحيى" دخل عالم المال من خلال مصادفة بحتة٬ وتحول من مجرد مبرمج في إحدى الشركات المالية العابرة للجنسية في دبي٬ إلى متورط مباشر في عمليات غسيل أموال وإخفائها عبر شركة وهمية أسسها في جزر الكيمان٬ باسم مكتب محاماة يملكه يونانيين.

بعد أن اكتشف يحيى اللعبة القذرة التي نسجها مديراه الخليجي واللبناني٬ يدخل عالم الأوف شور ويصبح من أهم لاعبيه٬ إلا أنه سرعان ما يفيق بعد لقائه بـ"كاميليا" ويقرر أن يقلب الطاولة على الجميع، تتلبسه روح "إدوارد سنودن" فيسعي مع صديقه وزميله الأسكتلندي في نفس الشركة٬ لفضح الاحتيال والنصب الذي تمارسه الشركات المالية العالمية٬ بمساعدة الدكتور "مايو" تلك الشخصية الأسطورية التي خلقها المؤلف بحرفية عالية٬ حتى أن قارئ العمل سيرى قبعته القش ويلمسها٬ ويحسده على تلك الأريحية والسلام الذي وصل إليه في التعامل مع العالم وكائناته.

كما ترصد الرواية بوادر ومقدمات الأزمة المالية العالمية٬ والتي شهدها العالم عام 2008، متتبعا الفقاعة العقارية والتي كانت من أهم أسباب تلك الأزمة، كما لم يغفل الكاتب عن تناوله للفساد المالي والسياسي والذي وصل للمقامرة بمصائر دول وشعوب بأكملها: "عزيزي العالم٬ كم تملك من درجات الفساد اللانهائية؟ لقد كنت أشعر عند كل مرة بأني رأيت قاع الفساد ولكنك كنت دائما تدهشني بالمزيد، أسطورة لا نهائية لا تكف عن إنتاج نفسها، من المافيا المنظمة إلي رجال البيزنيس والنفط والإعلام فقلت٬ هذا كل شيء، لكن المفاجأت كانت تتوالي بظهور الساسة ورجال الدولة ثم رأيت أقارب الساسة وحواشيهم وشياطينهم، ساعتها قلت هذا هو الفساد الكبير ولكن الفساد لم ينته عند هؤلاء، لقد قابلت سماسرة الحروب ثم تجار مصائر شعوب وتجار اللاجئين، شعوب بأثرها تباع بسعر٬ نعم تباع كسلعة فقط لا غير والحدود تفتح كالبوابات ودول تباع لدول".

"مجنون دبي" رواية معلوماتية معرفية بإمتياز٬ ترصد منطقة جديدة لم تصل إليها الرواية العربية من قبل٬ وربما يكون موضوع "الأوف شور" الذي تناولته الرواية لأول مرة ترصده رواية أدبية نجح مؤلفها في نسج هذا العالم٬ والتنقيب في كواليسه المجهولة٬ من خلال سرد روائي مشوق ومحكم٬ فرغم تشابك الأحداث وتعدد شخصيات الرواية٬ إلا أن الحبكة السردية لم تفلت من الكاتب٬ بل كانت من الإحكام بأن تدفع قارئها لاستكمالها في قراءة واحدة متصلة بلا توقف. ينتصر بطلها في النهاية للمدن القديمة وسكانها٬ كما عرفها وألف تفاصيلها الحميمية البسيطة٬ بعيدا عن المدن المعولمة٬ بكل ما فيها من ناطحات سحاب وبهرجة وأضواء زائفة.