رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

90 دقيقة في حب المسيح


لاشك أن الإعلام بكل وسائطه يشكل وسيلة قادرة عبر تواصلها المباشر مع الجماهير على صياغة وتشكيل وجدانهم، ويبقى الأمل الطيب المأمول مرتبطًا بشكل ونوعية رسائل تلك الوسائط ومدى مهنية وصدق صانعوها ومصدروها ومدى امتلاكهم رؤية جيدة للواقع بكل معطياته المتعلقة بأحلام الناس وتطلعاتهم للتغيير للأفضل لأحوالهم ولأوطانهم ولمستقبل الأجيال الطالعة.. نأمل أن يفارق أصحاب الوسائل الإعلامية ذلك الإحساس وتلك القناعة بأنهم إنما وجدوا فقط لصناعة وتسويق وبيع سلعة.. الصناعة التي تكتفي بوضع التوابل والمشهيات ومُكسبات الطعم المزيفة، والتسويق المتوجه لفصيل معين من الناس هم عملاء تلك البضاعة الفاسدة أو على الأقل التافهة، وهم أيضًا من يقبلون على شرائها وفي الغالب هم أصحاب مصلحة في انتشار وترويج تلك البضاعة التي تلعب على المشاعر والانطباعات السريعة في تحقيق أغراضها.

ننتظر الجديد والمبتكر مع بداية عام جديد من أهل الإعلام..من أصحاب رؤوس الأموال المنتجة له وصنايعية ومبدعي مواده لتقديم أشكال ووسائط تتعامل مع العقل وتتيح فرصة النقد والتفكير والحوار المثمر والإيجابي ليعتاد المتلقى أن يكون الشريك المتفاعل والطرف النشط المستمتع بحق بإعلام بلاده.. لقد افتقدت الكثير من وسائل الإعلام المتلقي الذي يصدّق بسهولة ما يقدم له بقدر السهولة التي يكذب بها ما يتابعه للأسف، وهو أمر خطير يتنامى وجوده ويتعاظم تأثيره !! نأمله الإعلام المساهم في تواصل الناس لا في تباعدهم وإحداث الفرقة بينهم والبلبلة في الشارع المصري..إعلام لا يُفسد أكثر مما يبني ولا يغرِّب أكثر مما يقرِّب... لقد أرهقنا انتشار صحف وميكرفونات وشاشات بلا وجه ولا هوّية ولا دراسات علمية للرأي العام وسيكولوجية الجماهير.. لا لديماجوجية الإعلام التافه الذي يعيش ويقتات على حساب مصائب الناس وفضح خصوصياتهم.

على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان لم يكن للمواطن المسيحي الوجود الحقيقي عبر الصحف أو ميكروفونات الإذاعة أو شاشات التليفزيون.. غابت تلك المواد الإعلامية التي من شأنها تقديم إعلام ديني روحي لخدمة وإثراء الوعي الديني للمواطن المسيحي.. في الزمن الناصري تم الاكتفاء بإذاعة " قداس الأحد " على الهواء عبر أثير محطة لا يصل بثها بسهولة وبصوت مشوش.. وفي العهد المباركي صدرت تعليمات وزير الإعلام ببث تسجيل " قداس الأحد " في ظهيرة نفس اليوم ( مما يفقد أهمية بثه ) وذلك عبر أقل القنوات المتخصصة مشاهدة وجماهيرية، مع السماح ببث صلوات الأعياد على الهواء مباشرة، ولا مانع أن يتصل بنا ككتاب ومعنيين بأمور " المواطنة " معدي برامج المساء والسهرة التي تبث عبر القنوات الخاصة والحكومية لدعوتهم للتعليق المصاحب لبث طقوس الصلوات ( قبل كل عيد يتصل بي وبغيري من الكتاب مُعد البرنامج وعبر حوار وسيناريو تقليدي معاد يسأل " أستاذ فلان الكاتب القبطي " وأرفض مصححًا " الكاتب المصري لوسمحت " ثم يدخل في حوار يحقق للمعد الاقتراب مما يمكن أن أطرحه وكمان معاونته في وضع نقاط الحوار، ولو وافق كلامي هوى المعد كانت الاستضافة، ولو لم يتم التوافق الكامل فيعتذر لي قبل ساعات من اللقاء ويطلب الاكتفاء بمداخلة تليفونية، وفي حال عدم إعجاب المُعد بما أقول يكون الاعتذار عن المشاركة بأي شكل، ولكن في كل الأحوال وإذا تمت الاستضافة يتم تقديمي " فلان المسيحي " لأن لدى القائم على البرنامج قناعة أن مثل تلك الحلقات هي شهادة تؤكد على تقديم إعلام يؤمن بحقوق المواطنة والدليل أنني كاتب قبطي وضيف، حتى لو كان اسمي كافيًا لإعلان هويتي الدينية )..

و يظل ذلك التغييب ــ وإن كان بقدر أقل إلى حد كبير ــ حتى في وجود قيادة سياسية بحجم وروعة منهج الرئيس عبد الفتاح السيسي الفكري والإنساني المسئول ومبادراته الرائعة لأن يكون رئيسًا لكل المصريين في كل أحوالهم وبمختلف هوياتهم الدينية رافضًا التلكؤ في إصلاح الخطاب الديني ومعلنًا في زياراته المتكررة للكاتدرائية للتهنئة أنه في بيت من بيوت الله، وأن عهده لابد يشهد تحقيق لمبادئ المواطنة الكاملة بين المواطنين في بناء دور العبادة التي تكفل لهم أداء صلواتهم، وأن من لا دين له هذا شأنه وهو حر لأنه مواطن مصري له كل الحقوق كما عليه كل الواجبات.. ووصولًا لتشكيل لجنة للتعامل مع الأحداث الطائفية لأول مرة في مبادرة هي الأهم، لتنتقل الكرة إلى ملعب متخذ ومنفذ القرار وأهل إقامة العدل وسن التشريعات.. يا كل هؤلاء إنها فرصة عظيمة فاغتنموها في ظل مؤسسة رئاسية داعمة لكم لو طاولت جهودكم تحقيق أحلام الرئيس وأطروحاته الإصلاحية الهامة والغير مسبوقة.
وعليه، كم كانت سعادتي ما قد صاحب أعمال الإصدار الجديد لجريدة الدستور من إنشاء موقع خاص ( الكرازة ) داعم لإعلام يُعلن مُبدعوه أهمية حضور الشأن الروحي المسيحي على صفحات " الدستور " والاهتمام بطقوس وتعاليم ومواعظ وألحان وفنون وتاريخ الكنائس والفعاليات المختلفة لها.. وبنفس القدر من الوعي بالمسئولية الإعلامية يقدم د. محمد الباز رئيس تحرير الدستور حلقة هامة من برنامجه الناجح " 90 دقيقة " بمناسبة الاحتفال بأعياد الميلاد المجيد بسهرة روحية مسيحية مع ملحن ومرنمة على قدر رائع من التميز فيما قدماه من ترانيم في حب السيد المسيح ورسائل روحية طيبة على امتداد زمن الحلقة، وأرى الحلقة مبادرة طيبة أيضًا لدعم التواجد الإعلامي لإذاعة إطار ولون روحي محبب لملايين المواطنين الأقباط على قناة عامة غير دينية داعمة للتعريف بمثل تلك التسابيح للمناجاة للخالق العظيم.

وتم التطرق في الحوار حول أن ما يصحّ في الغناء لا يصحّ في الترتيل. الغناء ذو طبيعة طربيّة فيما الترتيل ذو طبيعة عبادية. ليس الترتيل طربًا دينيًا. المفترض به أن يحرِّك النفس والروح، ولا شك، ولكنْ ليس بقصد المتعة بل التوبة وحمد الله. فكلام الترتيل نظمه وجاء الكثير منه مما أنشده قدّيسون. إذًا التراتيل من وضع نفوس حرّكها روح الله، وما يُقال في الترتيل يقال في الصلاة ويُقال في القدّاس الإلهي أيضًا. هناك تلاق إلهي يتمّ. نعطي مما لنا ونأخذ مما له. فالترانيم ليست للسماع فقط.. وكل عام وشعبنا العظيم بخير وسلام.