رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نجيب محفوظ والأنبياء.. قصة "إخناتون" الملك الذي شهد له أديب نوبل بالنبوة

جريدة الدستور

موقف أديب نوبل نجيب محفوظ من الأنبياء شائك وغامض ومحير فى أحيان كثيرة؛ فبالنظر إلى صور شخصيات رواية "أولاد حارتنا" التى نشرت مسلسلة على صفحات جريدة الأهرام عام 1959؛ وتداعيات نشر الرواية وسيل الاتهامات التي وجهت له بأنه يعيد كتابة قصص الأنبياء والهجوم من أطراف المؤسسة الدينية، وسعى البعض لوقف نشرها مسلسلة، وتعرضه للتحقيق بسببها، وهو ما نفاه، وبين من دافع عنه باعتبار أن ما ورد فى الرواية من رمزية لا يعتبر جرأة على الله ولا أنبيائه وإنما هي شدة إيمان بالله لأن الرواية عند "نجيب محفوظ" ترى أن البداية من الله وأن الحل كله في يد الله؛ إلا أن الجدل ظل قائما.

نجيب محفوظ رد على الاتهامات التى وجهت له وباقتضاب فى لقاء تليفزيوني نادر، وهو رد كشف ولو بشكل مبدئي عن صور الأنبياء فى مخيلته وموقفه منهم؛ وذلك حينما قال: "الصور التي جاءت في الرواية على لسان شخصياتها لا تتعدى كونها شخصيات تحب الخير، ولم أمس الأنبياء أو الشخصيات الدينية فيها"، مبينًا أن "في الأدب لا بد أن يفرق القارئ بين (الرمز والمرموز)، وألا يسقط القارئ في لغط، وبسبب ذلك يضيع العمل، ففي التراث العربي يوجد (كليلة ودمنة) وهو عن عالم الحيوان، ولكن المؤلف قصد به أن يعكس به العالم الواقعي وقتها"، إلا أن رده لم يكشف بشكل كامل عن علاقة صاحب "الثلاثية" ومواقفه من الأنبياء ومن مسألة التوحيد بشكل عام خاصة عندما وصف ولأول مرة دون استحياء إخناتون - فرعون الأسرة الثامنة عشرة الذى حكم مصر لمدة 17 عامًا وتوفي ربمَّا في 1336 ق.م أو 1334 ق.م. - بـ"النبي"؛ وهو الملك الذى اشتهر بتخليه عن تعدد الآلهة المصرية التقليدية، وإدخال عبادة جديدة تركزت على آتون، التي توصف أحيانًا بأنها ديانة توحيدية أو هينوثية.

إخناتون النبي استعاد نجيب محفوظ أطيافه قبل ثلاث سنوات من حفل تسلم جائزة نوبل، عندما خصص روايته "العائش فى الحقيقة" والتي نشرت عام 1985 ويتصدر فيها الملك النبي بطولتها إلى جانب الملكة نفرتيتي، وتدور أحداثها حول فترة إخناتون والدعوة إلى الديانة التوحيدية عن طريق باحث للحقيقة يحاول أن ينقل شهادات من عاصروا هذه الفترة وكانوا بجوار العرش، ولقد نجح في نقل الشهادات كما هي حتى إن القارئ قد يصاب بالارتباك ويتساءل ما هي حقيقة هذا الملك الغامض؟ وهي الرواية التي أعادته للكتابة التاريخية بالعودة إلى زمن الفراعنة بعد أربعين عامًا من نشر ثلاثيته التاريخية (عبث الأقدار 1939، رادوبيس1943، كفاح طيبة 1944) أول ثلاث روايات للأديب المصري نجيب محفوظ دارت أحداثها في مصر القديمة، واستلهمت التراث الفرعوني في نوع من الإسقاط التاريخي على المرحلة السياسية التي سادت مصر في تلك الفترة.

أم كلثوم نجيب محفوظ عن علاقة والدها بالأنبياء، قالت: إنه كان دائمًا يقول فى أحاديثه معها إن كل ما يدعو بالإصلاح يشبه بنبى، وهو التعليق الذى كان تحديدًا يقصد به شخصيات روايته "أولاد حارتنا".

وأضافت"أم كلثوم" لـ"الدستور"، أن القراء دائما ما يغفلون شخصية عرفة وهي آخر شخصية فى رواية "أولاد حارتنا" وكانت ترمز للمعرفة والعلم، وهو ما عبر عنه "محفوظ" فى الرواية عندما كان يتحسر على أيام "الجبلاوي" وهو الشخصية التي كانت ترمز للدين، وأن تحسره هنا كان يقصد به ثنائية العلم والإيمان التي غابت في هذا العصر، لافتة إلى أن وصف نجيب محفوظ لإخناتون بالنبي في خطاب "نوبل" كان يقصد من ورائه التعريف بالحضارتين الفرعونية والإسلامية ومسألة التوحيد التي نادي بها قبل آلاف السنوات وهو ما قد يجهله كثيرون في الغرب.