رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رئيس الطائفة الإنجيلية: نحتاج لتجديد الخطاب المسيحى

جريدة الدستور

- القس أندريه زكى قال إنه لا يعارض اهتمام المؤسسات الدينية بالشأن العام وقضايا العدالة
أوضاع المسيحيين فى الشرق الأوسط سيئة للغاية والمسيحيون المصريون «رمانة الميزان»
السيسى هو الحاكم الوحيد الذى استطاع تحويل شعارات المواطنة إلى حقيقة على أرض الواقع
عملية الإصلاح الاقتصادى حقيقية وغير مسبوقة والمشروعات القومية «انطلاقة كبرى»

وصف الدكتور القس أندريه زكى، رئيس الطائفة الإنجيلية فى مصر، العلاقات بين الطوائف المسيحية بالطيبة للغاية، مرجعًا الاختلافات فى أعياد هذه الطوائف إلى الاختلاف بين التوقيتين الغربى والشرقى، مشددًا على وجود احترام متبادل كبير بينه وبين البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، والبطريرك إبراهيم إسحق، بطريرك الكاثوليك. وقال «زكى»، فى حواره مع «الدستور»، إن الرئيس عبدالفتاح السيسى هو الحاكم، الذى تمكن من تطبيق المواطنة على أرض الواقع، للمرة الأولى. وكشف عن عمله على تصحيح صورة مصر الحقيقية فى كل زيارة له خارج البلاد، وتناول فى الحوار قضايا مسيحيى الشرق الأوسط وموقف الكنيسة الإنجيلية منها، فضلا عن قضايا تجديد الخطاب الدينى ومشاركة المؤسسات الدينية فى تغيير الواقع ما بعد ٣٠ يونيو.


■ فى البداية.. ما رسالتك للمصريين فى العام الجديد؟
- رسالتى هى «ميلاد مجتمع المتانة والمرونة»، وهو تعبير جديد يحمل نظرة مختلفة لميلاد السيد المسيح وإلى جماعة المجوس، التى شهدت ظروف الميلاد الصعبة، ورغم ذلك لم تكن جماعة هشة أو ضعيفة، بل امتلكت أدوات الحساسية والمعرفة، ولذلك صمدوا أمام التحديات، وكذلك أدعو المصريين إلى ميلاد مجتمع جديد يتميز بالمتانة والمرونة، لتحقيق مزيج بين الرسالة الروحية والرسالة الاجتماعية.
■ كيف ترى طبيعة العلاقات بين رؤساء الطوائف المسيحية؟
- علاقاتنا طيبة للغاية، ونكن كل الاحترام للبابا تواضروس الثانى، والبطريرك إبراهيم إسحق، ونتبادل التهنئة والزيارات فى الأعياد، كما نتبادل الآراء مع كل رؤساء الطوائف، ولا تقتصر العلاقات الطيبة على رؤساء الطوائف فقط، لكنها تشمل الشعب المسيحى فى مصر، وأعتقد أن العلاقات الجيدة بين الكنائس تعكس صورة جيدة للاتحاد والاحترام المتبادل.
■ ما رأيك فى مسألة توحيد الأعياد بين الطوائف المسيحية؟
- مسألة توحيد الأعياد ليست بالمسألة اللاهوتية أو العقائدية، إنما ترجع إلى الاختلاف بين الكنيستين الغربية والشرقية من حيث التقويم الذى تتبعه كل منهما، ما يؤدى إلى اختلاف مواعيد الاحتفال، إذ يحتفل الشرقيون بعيد الميلاد فى ٢٥ ديسمبر، بينما يحتفل الغربيون فى ٧ يناير، أى فارق يصل إلى نحو أسبوعين، وهو الحال نفسه إزاء الاحتفال بعيد القيامة، إذ يصل فارق التوقيت إلى ما يقرب من أسبوع إلى ٤ أسابيع، وكان البابا تواضروس الثانى اقترح توحيد عيد القيامة لكل كنائس العالم، وهو الأمر الذى لم يبت فيه حتى الآن.
■ ما تقييمك لقانون بناء الكنائس وموقف الكنيسة الإنجيلية من التقنين؟
- بالطبع خطوة جيدة للغاية، ونحن تقدمنا بطلبات لتقنين ٩٧٠ كنيسة و١٠٧٠ بيت خلوة ومؤتمرات، ونتوقع سرعة إنهاء الإجراءات خلال المرحلة المقبلة.
■ هل تقدمت الكنيسة الإنجيلية بطلب بناء كنيسة لها بالعاصمة الإدارية؟
- نعم تقدمنا للحكومة بطلب بناء كنيسة إنجيلية فى العاصمة الإدارية، وطلبنا مساحة أكبر حتى نستطيع أن نوفى جميع احتياجات مذاهب الطائفة الإنجيلية، التى تضم ١٨ مذهبًا.
■ إلى أى مدى وصل قانون الأحوال الشخصية للأقباط؟
- الكنيسة الإنجيلية تتفق مع نظيرتها الأرثوذكسية فى ٩٥٪ من بنود قانون الأحوال الشخصية، بينما تختلف معها فى بنود صغيرة، تتعلق ببنود الطلاق وبطلان الزواج، والبنود التى تتعلق بالمواريث والتبنى، وأتوقع أن يصدر القانون الموحد فى العام الجارى، وأرى أنه سوف يضم بابًا أو مواد فرعية منفصلة لكل طائفة.
■ كيف ترى علاقة الفرد بالدين فى المجتمعات العربية؟
- نحن مجتمع متدين بطبعه، ولكن هناك فرقا بين العقيدة والفعل، ما خلق أزمة التدين الظاهرى، فالناس لا تطابق ما تؤمن به وتعتقده، بما تفعله وتعيشه، فنشاهد فى منطقتنا أشخاصًا متدينين، لكن تصرفاتهم أو أفعالهم لا تتفق مع عقائدهم التى تدعوهم إلى الرحمة وعدم الغش والكذب والسرقة.
■ يقال إن النقد والتفكير ضد الدين.. بماذا ترد؟
- بالعكس، الدين قائم ويؤسس على إعلان إلهى وأيضًا على إعمال العقل والتفكير، وهناك أشياء ستظل خارج قدرات الإنسان، فيستطيع مثلا أن يخفف الألم عن طريق العلم، ويستطيع أيضًا أن يكتشف الشفرة الجينية، ولكنه لا يستطيع ولن يستطيع أن يقهر الموت، ولن يستطيع أن يفهم كل أبعاد الحياة عقب الموت، والدين ليس ضد التفكير، إنه يعطى مساحة للعقل، بينما يعمل فى مساحة تتجاوز قدرات الإنسان.
■ هل تعتقد أنه من الضرورى فصل الدين عن السياسة؟
- أنا مع ضرورة فصل الدين عن السياسة، ولست مع فصل الإيمان عن الاهتمام بالشأن العام، فنحن ضد الدولة الدينية، وضد أن يكون رجال الدين فى الحكم، وضد أن يتحدث رجال الدين فى قضايا سياسية بحتة، أو أن ينغمسوا فى ممارسة سياسية، فالدين شىء والسياسة شىء آخر، ولكننى فى الوقت نفسه مع اهتمام المؤسسات الدينية بالشأن العام، لأن المسجد والكنيسة جزء من المجتمع، ويجب أن يلتفتا لقضايا الحريات والمساواة والعدالة الاقتصادية والاجتماعية، فالإيمان لا يقبل أن يزداد الغنى غنى، والفقير فقرًا.
■ هل يحتاج الخطاب المسيحى إلى تجديد؟
- نعم.. نحتاج إلى تجديد الخطاب فى المسيحية، كما فى الإسلام، وأى جماعة تظن أنها وصلت إلى الكمال، فإنها ضلت طريقها، ولذلك فإن تجديد الخطاب الدينى ضرورة مستمرة لمختلف الأديان، لأن ظروف الحياة تتغير، ونعتقد بأن رؤية الرئيس رؤية ثاقبة، فالدين قوة مؤثرة فى مصر، وكلما اقتربنا من الجانب الإيجابى، الذى هو أساس الدين، استطعنا أن نتغير على المستويات الاجتماعية والسياسية، فالجميع يحتاج إلى تجديد الخطاب الدينى، ولكن تجديد الخطابات السياسية والاقتصادية أسهل كثيرًا من التجديد فى الخطاب الدينى، لأنه مجموعة من المسلمات، والتعامل مع المسلمات يحتاج إلى حكمة.
■ كيف ترى أوضاع مسيحيى الشرق الأوسط؟
- أوضاع المسيحيين فى الشرق الأوسط، خاصة فى الـ٢٠ سنة الأخيرة، سيئة للغاية، ومع ذلك لا يجوز التعميم، فمسيحيو العراق مروا بمحنة حقيقية، أدت إلى قتلهم وتشريدهم وتدمير كنائسهم، وبعد أن كان لدينا ملايين من المسيحيين العراقيين، أصبحوا عدة آلاف، وهو ما تكرر فى سوريا، حيث تم القتل على الهوية الدينية، وكذلك تم حرق الكنائس وحرق البيوت وتشريد الأسر، وتم تدمير المجتمع السورى بشكل عام والمجتمع المسيحى بشكل خاص.
أما فى لبنان، فأوضاع المسيحيين مستقرة إلى حد ما، وفى فلسطين هناك تراجع مذهل لأوضاع المسيحيين، حيث وصلوا إلى ١٪ من تعداد الفلسطينيين، وهم يواجهون اضطهادات متنوعة من المتطرفين، والأردن توجد بها أقلية مسيحية صغيرة، لكنها تتمتع بالاستقرار والاندماج فى المجتمع.
أما مصر فلا يتبقى إلا سواها، وإذا حدث أى شىء للمصريين بشكل عام والمسيحيين بشكل خاص، فستكون نهاية المسيحيين العرب، فالمسيحيون المصريون هم رمانة الميزان بالنسبة للمسيحيين العرب، ونشكر الله أننا فى دولة ما بعد ٣٠ يونيو، ونعم نواجه مشكلات لا يمكن أن نغفل عنها، لكن يجب أن توضع الأمور فى نصابها الصحيح.
■ كيف تتعامل الكنيسة الإنجيلية مع تلك القضايا؟
- أنا رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، ورئيس رابطة «الكنائس الإنجيلية بالشرق الأوسط»، وقمنا بأدوار عديدة مع مسيحيى العراق وسوريا، ليس على مستوى المسيحيين فقط، ففى سوريا قدمت رابطة الإنجيليين عدة خدمات لمسلمى ومسيحيى سوريا، دون تفرقة، وخصصت ملايين الدولارات لأعمال الإغاثة.
■ ما الذى حملته زيارتك الأخيرة إلى السويد وألمانيا؟
- دائما ما أرتب زياراتى إلى الخارج لتشمل ثلاث نقاط مهمة، أولاها زيارة الكنائس، ثم زيارة المسئولين، ثم لقاء بعض مؤسسات المجتمع المدنى، وفى السويد وألمانيا، حضرت احتفالات عيد الميلاد مع الكنيسة العربية الإنجيلية بالسويد، كما التقيت عددًا من المسئولين وكبرى مؤسسات المجتمع المدنى السويدى، فى حوار اتسم بالجدية، حول الخطوات التى تتخذها الحكومة المصرية بشأن قانون الجمعيات الأهلية، ثم ذهبت إلى ألمانيا، والتقيت أعضاء الكنيسة الإنجيلية المشيخية الأمريكية، ودرسنا معًا تطوير العلاقات بين الكنائس.
كما التقيت الرموز البرلمانية والحكومية الألمانية، ومن بينهم وزيرة التعاون الاقتصادى والتنمية وعضو البوندستاج الألمانى الدكتورة ماريا فلاشسبارس، وكذلك المدير العام بالوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادى والتنمية بألمانيا، الدكتور برنهارد فيلمبرج، وعضو البوندستاج الألمانى جوناس سيلى، وكان حوارًا مثمرًا ناقشنا خلاله الأوضاع فى مصر بشكل عام، وأوضاع المسيحيين المصريين بشكل خاص، وتناولنا خلال المناقشة، توجه الدولة نحو تعديل قانون الجمعيات الأهلية وكذلك تسريع عملية بناء الكنائس.
وأوضحت، خلال المناقشات، أن ما تمر به مصر من أزمات، مرت به العديد من الدول، وأن الأزمات تكمن فى العقليات المتطرفة المثيرة للمشاكل، خاصة فى صعيد البلاد، وأشرت إلى سعى الدولة لمواجهة الجلسات العرفية، وردعها بكل الطرق، وأن مصر تسعى إلى الحفاظ على المواطنة وإرساء قواعدها، واتخذت فى ذلك العديد من الأحكام بشأن عدد من الإرهابيين الذين اعتدوا على الكنائس والأقباط، وأن هذا مؤشر جيد للغاية على دولة القانون وحماية المواطن.
■ كيف ترى مصر فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى؟
- فى اعتقادى الشخصى، الرئيس عبدالفتاح السيسى هو الحاكم الذى استطاع أن يحول شعارات المواطنة إلى حقيقة على أرض الواقع، وحين افتتح الرئيس إحدى المدن الجديدة، وخلال مروره بأحد المساجد، سأل «وأين الكنيسة؟»، هذه خطوة تخلق وعيًا بين المسئولين وبين العامة، بأنه كما يوجد الجامع فلا بد أن تكون هناك كنيسة، وأن العبادة حق لكل المواطنين، وهذا هو المعنى العميق للمواطنة.
وظلت الدولة لعقود تتعامل مع ملف الأقباط من الناحية الأمنية فقط، أما الآن فلدينا رئيس يؤمن بالمواطنة والتعددية، وأرى أن ما قاله الرئيس فى مؤتمر الشباب العالمى، يعد نقطة تحول كبيرة جدًا، فقد أكد، خلال حديثه، على حرية العبادة، وهذا تصرف وطنى غير مسبوق، يمنح المنطقة كلها تصورًا جديدًا عن المواطنة، ارتبط بدولة ما بعد ثورة ٣٠ يونيو، وهو النموذج الذى يجب دراسته.
■ ما رأيك فى المشروعات التى أطلقها السيسى؟
- المشروعات التى أطلقها الرئيس السيسى تعد انطلاقة كبرى، فقد اتخذ قرارات اقتصادية جريئة لم يستطع أن يقدم عليها أحد من قبل، ويعلم الجميع، على المستويين المحلى والدولى، أن عمليات الإصلاح الاقتصادى فى مصر حقيقية وغير مسبوقة، ويبقى أن تعود هذه الإصلاحات بالنفع على محدودى الدخل، وهو ما أتوقع أن يتم بحلول العام ٢٠٢٠، وهذا ما تشير إليه المشروعات الضخمة فى مجالات البنية الأساسية والاستثمار والزراعة والسياحة، وتعمل الدولة على أن يصل دخل الأسرة إلى ١٠ آلاف جنيه شهريًا، وهو ما يعد نقلة تاريخية.

ما رأيك فى قضية رسامة المرأة قسيسًا؟
- ترى الهيئة العليا بالكنيسة الإنجيلية، تأجيل المناقشة فى هذا الموضوع للدراسة، وليس للقبول أو الرفض، وأنا فى رأيى الشخصى، أؤمن بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة فى الرسامة قسيسا، خاصة أن الكنيسة قامت برسامة المرأة شيخا قسيسًا، وهو ما يتوافق مع المفهوم اللاهوتى للكنيسة الإنجيلية، لكننى أحترم قرار السنودس الإنجيلى.