رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قَبْرٌ مُتَوَقَّعٌ جِدًا

جريدة الدستور

ظِلٌّ بَيْنَ الظِّلَلِ
مِثْلَ طاَئِرِ النَّارِ تَمَامًا
تَسْمَحُ أَجْنِحَتُكَ بِسُقُوطِ
ظِلٍّ عَمِيقٍ.
رَأَيْتُكَ مُشَوَّهًا
كَأَنَّ رَمَادَ اللَّيْلِ
يُغَطِّيكَ بِكَثَافَةٍ جِدًا.
وَظِلُّكَ لَحْنُ الدَّمِ
الَّذِى نَقَعَ عِظَامِى.
وَعَيْنَاكَ
مَرَايَا الأسْفَلْتِ
الَّتِى نَحَتَتْ تَمَاثِيلَ المَاءِ.
وَيَدَاكَ
عَمُودَانِ مِنْ أَعْشَابٍ بَحْرِيَّةٍ
هَزَّتِ البِحَارَ.
أَنَا
شَبَحُ الخَوْفِ
يُخَبِّئُ نَفْسِى.
لَقَدْ فَزِعْتُ مِنَ النَّظَرِ فِى عَيْنَيْك،
وَعَرَفْتُ أَنَّهُمَا عَقَدَتَا نُبوءَاتٍ.
ذَهَبَتْ أَرْبَعُ لَيْلَاتٍ وَلَيْلَةٌ.
تَحَوَّلَ ظِلُّكَ إِلَى اللَّوْنِ الأَبْيَضِ
مِثْلَ لِسَانِك.
لَقَدْ تَبَيَّنَ لِى أَنَّ عَلَيْكَ أَنْ تَذْهَبَ بَعِيدًا.
لَقَدْ حَاوَلْتُ أَنْ أَرَى عَيْنَيْكَ
ثَمَّ تَسَلْسُلٌ لَا نِهَايَةَ لَهُ
لِلوُجُوهِ غَيْرِ المَعْرُوفَةِ.
ثُمَّ فَهِمْتُ
أَنَّ وَاحِدًا يَسقُطُ فِى تِلْكَ اللَّيْلَةِ
مَعَ كُلِّ وَزْنِ العُصُورِ،
وَأَنَّ كُلَّ العُصُورِ تِلْكَ
وَزْنٌ بِنَاءً عَلَى الرَّجُلِ
مِثْلَ ظِلٍّ يُوزَنُ بِنَاءً عَلَى جَسَدٍ.
أَنَا أَنْسَى نَفْسِى
وَصَلَ شَهْرُ أُكْتُوبَرَ مُسَيْطَرًا عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الأَمْطَارِ،
وَتَبِعَتْهُ الأَشْهُرُ المُتَبَقِّيَةُ هُنَا.
فَجْأَةً يَمْلأُ هذَا الرُّكَامُ مِنَ الوَقْتِ كُلَّ شَىءٍ؛
أَخْضَرَ المَنْزِلِ، وَالكَرَاسِى،
وَالغِطَاءَ الَّذِى يُغَطِّى الطَّابِقَ
عِنْدَمَا اسْتَلْقَيْتُ لأَقْرَأَ فِى فَصْلِ الصَّيْفِ.
أَنَا لَسْتُ قَادِرَةً عَلَى التَّخَلِّى عَنِ الوَقْتِ،
كَانَ النِّسْيَانُ قَدْ أَنْعَمَ نِعْمَتَهُ عَلَىّ،
وَكُنْتُ نَجَوْتُ مِنْ هذَا الانْتِهَاكِ.
لَا بُدَّ لِى أَنْ أَخْطُوَ بِحَذَرٍ الآنَ،
كَى لَا يَخْدَعُونَ نَفْسِى بِذِكْرَيَاتٍ كَثِيرَةٍ.
أَسَوْفَ أَخْدَعُ نَفْسِى،
أَوْ مَا سَوْفَ أَقُولُهُ يَكُونُ صَحِيحًا؟
أَرْفُضُ هذِهِ الزِّيَارَةَ، وَلَسْتُ خَائِفَةً مِنَ العُزْلَةِ.
بَعْدَ وَفَاةِ القَصِيدَةِ
الكِتَابُ الَّذِى أَكْتُبُهُ
هُوَ قَبْرٌ مُتَوَقَّعٌ جِدًا.
كَانَ عَلَىّ أَنْ أُعِدَّ قَائِمَةَ مَا
يَبْقَى لِى
سَتَكُونُ هذِهِ:
لَا يُوْجَدُ جَسَدٌ يُغَادِرُ.
رُبَّمَا كِتَابَةُ قَصِيدَةٍ كَانَ أَفْضَلَ شَىءٍ
عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ الشِّعْرَ لَا يَصْلُحُ لِشَىءٍ.
عِنْدَمَا فَكَّرْتُ أَحَيْانًا
كُنْتُ خَارِجَ التَّارِيخِ
أَهْرُبُ مِنَ الأَوْقَاتِ الصَّعْبَةِ
مُجَرَّدَ وَهْمِ لَعْنَةٍ!
لَقَدْ نَجَحْتُ فِى الصَّمْتِ مِثْلَ الآخَرِينَ،
وَلكِنِّى لَا يُمْكِنُ أَنْ أَنْسَى
صَوْتَ كُلِّ حَرْفٍ.
أَعْلَمُ أَنَّ تِلْكَ القَصِيدَةَ
لَنْ تُبَرِّرَ خَيَارِى،
وَأَنَّ ذلِكَ المَوْتَ
لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْهَرَ التَّارِيخَ.
إِذن
لِمَاذَا أَخَافُ هذَا الكِتَابَ؟
لَيْلِيًّا فِى المَوْتِ
لَا تَضْغَطْ بِفَارغِ الصَّبْرِ كَثِيرًا لِكَى تَعِيشَ!
المَوْتُ يَمْحُو الذَّاكِرَةَ.
المَاضِى لَمْ يَعُدْ مَوْجُودًا
مِنَ الآنَ فَصَاعِدًا.
النَّظَرُ وَرَاء
مَحْظُورٌ عَلَيْنَا، وَالمَوْتَى.
المَوْتُ هُوَ الاحْتِمَالُ الوَحِيدُ.
مَسِيرَةٌ مِنْ دُونِ نِهَايَةٍ.
بِشَأْنِ الضَّوْءِ،
فَإِنَّهُ شَكْلٌ مُذْهِلٌ مَخْفِىٌّ
يَدْعُونَا لِلَّحَاقِ بِهِ عَلَى طُولِ الطَّرِيقِ،
وَمُمْكِنٌ لِعُيُونٍ هَامِدَةٍ فَقَطْ.
نَحْنُ حُجَّاجٌ نَبْحَثُ عَنِ الجَنَّةِ
الَّتِى تَتَوَسَّعُ.
المَاضِى هُوَ
ثُقْبٌ
أَسْوَدُ نَهِمٌ يَلْتَهِمُ الدَّقَائِقَ.
هذَا مَا يُشَكِّلُ الخُلُودَ
لِنَنْسَى عِنْدَ كُلِّ مُنْعَطَفٍ
الحُكْمَ الوَاضِحَ دَائِمًا.
يَجِبُ أَنْ تَجْعَلَ إِدْرَاكًا فِى الوَقْتِ المُنَاسِبِ
أَنَّ مَلَلَ الكَيْنُونَةِ
هذَا هُوَ أَبَدِىٌّ
تَمَامًا مِثْلَ اسْتِمْرَارِ القَصِيدَةِ
الَّذِى هُوَ نَفْسُهُ لاَ نِهَائِىٌّ.

للورين ميند ينويتا- كولومبيا - ترجمة: د. محمد حلمى الريشة