رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كامل الشناوي.. "كلما قلت غدا موعدنا.. ضحكت هند وقالت بعد غد"

كامل الشناوي
كامل الشناوي

بين أضواء الشاشة وصفحات الكتب، كان قاسمًا مشتركًا، تجده دائمًا من أصحاب المقام الرفيع والسيجار الفخيم، يلفت انتباهك دومًا بأنه النجم الأبرز وسط كوكبة النجوم، والأظرف بين ظرفاء عصره، لذا تعلقت به قلوب وعقول القراء باعتباره من الشخصيات الصحفية الفريدة، ولما لا؛ فقد جعلهم كما الهائمين في رحاب كلماته، ينتظرون بفارغ الصبر مقالاته وإبداعاته في وقت لم تكن محركات البحث المعروفة بـ"جوجل" قد أينعت ثورتها، وكانت مناهل المعرفة تقتصر على الجريدة والكتاب؛ فتلك الكلمات هي أقل تقديم وأبسط تعريف لأحد أساطين وأساطير الصحافة المصرية كامل الشناوي.

الرجل الذي أجاد الشعر وأبدع في العمل الصحفي، تقول سيرته أنه من مواليد عام 1908؛ نشأ منتميا لأحد الأسر العريقة المنتمية لمدينة أجا أحد مراكز محافظة؛ فوالده كان يعمل قاضيا بالمحاكم الشرعية، والتي وصل لرئاستها في منصب يعد هو الأرفع في الوسط القضائي.

التحق "الشناوي" بالأزهر لمدة 5 سنوات، دارسًا للعلوم الشرعية، قبل أن ينتقل للعمل في الصحافة، وكانت نقطة الانطلاق من داخل جدران جريدة "الوادي" والتي كان يرأس تحريرها آنذاك عميد الأدب العربي طه حسين.

التحق بعدها بالعمل في العديد من الصحف المصرية مثل "روز اليوسف"؛ وهي فترة يقول عنها "الشناوي": عملت في كافة أبواب الصحيفة ولم يكن لي عملًا محددا؛ فقط كنت أساهم في تحرير الصفحة الأدبية، وصفحة الشباب؛ وغيرها.

تولى بعدها "كامل" العمل في العديد من الصحف؛ إلى أن وصل لمنصب رئيس تحرير جريدة "المسائية"؛ والتي نجح في أن يجعلها جسرا لميلاد العديد من المبدعين أمثال الكاتب الصحفي صلاح حافظ.

كان لكتابات كامل الشناوي طلة مميزة فقد كانت كلماته تخرج دائما ممزوجة بالشعر؛ فدائما ما كان يُضيف لها وهجا خاصا، وبقي ذلك حاضرا في مقالاته الأولى، إلى أن طلب منه الكاتب الصحفي محمود عزمي رئيس تحرير جريدة "روزا" التوقف عن الكتابة بذلك الأسلوب.

وسر القصة كان مقالًا كتبه "الشناوي" بعنوان "كلما قلت غدا موعدنا.. ضحكت هند وقالت بعد غد"؛ وكان يتناول فيه الوعود التي تقطعها وزارة توفيق باشا نسيم على نفسها حول عودة العمل بدستور 1923؛ قبل أن تحنث بقسمها فيما بعد.

كان لـ "عزمي" رأيا حينها، ألا وهو أنه لا يجوز معالجة الموضوعات السياسية بالشعر، فالقضايا السياسية لا تعالج إلا بمقولات وكتابات أهل الساسة.

حين تُطالع الشهادات والمؤلفات التي تناولت سيرة الراحل العظيم كامل الشناوي، تجد أن كل واحد منهم قد اختار زاوية بعينها حرص على أن تكون هي مدخله الرئيسي لتناول مسيرة ذلك الرجل، وحين تقرر أن تضع تلك الشهادات بجوار بعضها تجد أنك بالفعل أمام شخصية أقل ما يقال عنها "كامل الأوصاف".

من أبرز تلك الشهادات التي قيلت في حقه هو ما ذكره الكاتب الصحفي أنيس منصور في مذكراته التي حملت عنوان "أعجبني هؤلاء". فعندما أتى "منصور" على سيرة أستاذه كامل الشناوي، تحاشى الخوض في إبراز عبقرية قلمه وروعة كلماته، لكنه فقط اختار أن يبرز إنسانيته وشهامته ووفاءه، وسط كل ما كتبه توقف صاحب "حول العالم في 200 يوم"؛ عندما روى كيف اصطحبه "الشناوي" ذات يوم وتحديدًا عند منتصف الليل لزيارة سيدة من معارفه القدامى، أصيبت بمرض الشلل اللعين وأقعدها المرض، فكان مداومًا على زيارتها وهو مُحمل بالهدايا، وعندما انتهى اللقاء بينهما، خرج من عندها باكيًا.

الأمر ذاته تكرر من إحدى السيدات، التي كانت يومًا ما واحدة من سيدات المجتمع الراقي، اخترقت عالم الفن وأصبحت من أهل الحظوة والسلطة، قبل أن تنقلب أمور حياتها رأسًا على عقب، وتعود لحياة الفقر، ليتخلى عنها الجميع، عدا ذلك الرجل الاستثنائي "كامل الشناوي".

لا يمكن أن تخوض في سيرة "كامل الشناوي"، دون أن تعرج أو تتطرق إلى قصة حبه الشهيرة للمطربة "نجاة"، والذي كان عشقا من طرف واحد، يبادله الإعجاب فتجيبه بالإعراض، يهمس لها بالعشق فتصدمه بالرفض، وهو ما جعله يسطر واحدة من أروع قصائده المعروفة باسم "لا تكذبي".

نظم "الشناوي" تلك القصيدة لعلها تحرك قلب "نجاة" المتمرد على حبه، فإذا بها تمنحه صك العناد، وهو ما وصفه الكاتب الكبير مصطفى أمين في مقال شهير له بأنه أعطى لتلك المرأة كل شىء، ولم تمنحه شيئا، مستطردًا: "كانت تجد متعة في العبث معه، يومًا تبتسم وآخر تعبس، تطلبه في الصباح ثم تنكره في المساء، واستمرت لعنة الحب الفاشل تطارده وتعذبه، حتى مات الشناوي".

رحل كامل الشناوي عام 1965، عن عمر يناهز 56 عامًا، تاركًا خلفا سيرة لا تفنى ومسيرة لا تخطئها الأعين.