رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيرة ومسيرة

حلمي شعراوي: السن وإلحاح الأصدقاء وراء كتابة مذكراتي.. وهذه حكايتي مع أفريقيا (حوار)

حلمي شعراوي مع الزميل
حلمي شعراوي مع الزميل وائل خورشيد

- قررت كتابة مذكراتي لعامل السن وإلحاح الأصدقاء عليّ لأسجل حكاياتي عن أفريقيا
- تعرفت على الإخوان في المدرسة الخديوية واليساريين في الجامعة
- عملت في مكتب الشؤون الأفريقية في رئاسة الجمهورية وعمري 25 عاما
- تعلمت من الدكتور عبد العزيز سيد وزير التعليم العالي في عهد عبد الناصر أثناء زيارتي الأولى لتنزانيا وكذلك زعماء التحرر الأفريقي كيف تبنى الكرامة
- تأثرت بالزعيم الأنجولي أغوستينو نيتو، وكابرال زعيم غينيا بيساو وأغلب قادة التحرر كانوا يزوروني في منزلي
- فهم عبد الناصر لأفريقيا ودور التحرر الوطني ساهم في إظهار وضع مصر في أفريقيا كالقوى العظمى
- خرجت من الرئاسة في عهد السادات بسبب تغير سياسة مصر الخارجية
- لم أسمع اسم السادات طوال فترة تواجدي بأفريقيا.. ومبارك أهملها تمامًا
- رفضنا مشاركة إسرائيل في معرض الكتاب عام 1980
- مركز الدراسات العربية والأفريقية نتاج لجنة الدفاع عن الثقافة القومية التي أسست بعد اتفاقية كامب ديفيد بمشاركة 100 مثقف
- تعرفت على زوجتي عن طريق ابن خالتها المفكر وأستاذ التراث فيما بعد عبد الحميد حواس.. وتزوجنا عام 1963
- زوجتي سيدة مميزة ولأنها درست الفلسفة وأنا خريج اجتماع فقد كان هناك مجال للحوار والمناقشة
- الزوجة: كان إنسانًا جادًا ومثقفًا وقارئًا جيد جدًا.. وسعدت باستقبال الزعماء الأفارقة
- محمد فايق: اعتدت أن أقرأ لحلمي شعراوي.. فهو مفكر سياسي بارز.. ويجمع بين رحابه رؤية المفكر، ودقة الباحث المتخصص
- سمير أمين: حلمي شعراوي.. لست مجرد زميل نضال وبحث، بل أكثر من ذلك بكثير




لماذا اخترت "سأحكي لكم.. سيرة مصرية أفريقية.. حلمي شعراوي" عنوانًا لمذكراتك.. ولماذا قررت كتابتها الآن؟، كان هذا المدخل للحوار الذي شمل مسيرة الرجل وجزء من تحركات مصر في القارة الأفريقية إبان عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. كان الرد: نعم لدي ما أحكي، أما الاسم فكنت استخدم عبارة "سأحكي لكم" على "فيسبوك" وأنا أكتب بعض الذكريات عن أفريقيا، والتوقيت لاعتبارين، أولهما عامل السن، فأنا في الثمانينات من العمر، وأيضًا لكثرة الحديث عن تاريخ مصر في أفريقيا وسيرة العمل المصري الأفريقي والخطوات التي تحدث حاليا للعودة لها، وعامل آخر وهو الأصدقاء الذين التقيهم في المؤتمرات الأفريقية، وأحكي فيها عن ما قمنا به في أفريقيا، وقد ألحوا عليّ كثيرا لكي أكتب.

- حينما توجهت لمنزل المفكر المصري حلمي شعراوي، رئيس مركز البحوث العربية والأفريقية، لأحاوره، لم أكن أعلم أنني ألتقيه في هذا المنزل الكائن بحي العجوزة، الذي شهد على علاقة زواج دام عمرها ٥٥ عامًا، عمر زواجهم، حفظهم الله. هذا المنزل الدافئ، علقت على حوائطه لوحات أهديت له ممن أحبهم وأحبوه داخل القارة الأفريقية، واستضاف فيه زعماء التحرر الأفريقي وله فيه حكايات.

التقاني الرجل بابتسامة وترحاب، وكذلك فعلت الزوجة، كان الحوار عن مذكراته التي ستصدر قريبا، الرجل الذي عمل في شبابه قريبًا من عبد الناصر، ويحفظ خارطة القارة وتفاعلاتها كاسمه، حكى عن أول زيارة خارجية له، وكيف ساهمت في تكوينه النفسي والمعرفي، حدثنا عن زعماء القارة الذين صادقهم، وكانوا يزورونه في منزله، وعن علاقاته الممتدة مع بعضهم حتى الآن، وتقييمه لتجربة "ناصر" في أفريقيا، وما حدث بعد ذلك من تحول. تطرق الحوار لجانب آخر لم يكن مخطط له. مع الزوجة التي تؤكد مقولة "وراء كل عظيم امرأة"، وعظيمته تسمى توحيدة عادل توفيق، المولودة في دمياط، وحصلت على شهادة في الفلسفة، وتنتمي لأسرة عريقة، فوالدها كان أحد الموظفين الكبار في الدولة، وأخوالها أحدهم هو الفيلسوف الراحل عبد الرحمن بدوي، والآخر هو الدكتور ثروت بدوي أستاذ القانون الدستوري في جامعة القاهرة حتى وفاته، أما شقيقها الكبير "حسن" فقد كان "ياور" (مرافق شخصي) الرئيس الأسبق محمد نجيب، وابن خالها هو أستاذ التراث عبد الحميد حواس، وعملت في الهيئة العامة للاستعلامات، وفي المنظمة العربية لحقوق الإنسان، ومن شدة تأثرها بحب زوجها لأفريقيا، ترجمت ثلاثة أعمال عنها.

حياة حلمي شعراوي لا يمكن أن تنفصل عن أفريقيا، سيرته هي جزء من تاريخ القارة، وتاريخ مصر بالتأكيد. لنبدأ الحكاية من البداية، حيث نشأ بالقرب من قرية "دنشواي" التابعة لمحافظة المنوفية في العام 1935، لوالدٍ كان يملك قطعة أرض ويتكسب رزقه منها، وكان تعليمه في البداية أزهري، وكان أخيه وأخته في هذا الوقت يعيشون في القاهرة للدراسة، تحديدًا في حي السيدة زينب، حيث انتقل بعد ذلك رفقة أسرته بسبب ظروف والده الصحية وتصميم والدته على دراسته في مدارس مدنية، من هنا بدأ يظهر اتجاه هذا الصبي الصغير، القادم من الريف، حيث انضم لجمعية الصحافة وجمعية الخطابة في المدرسة، وانتقل بعد ذلك للمدرسة الخديوية، وكانت مدرسة ثرية، وبها نشاط سياسي، فكان بها الوفديون والإخوان، ومن خلالها مرّ بتجرية الاقتراب من الإخوان، ومن ثم اليساريين في مرحلة تالية بعد دخوله للجامعة، وكان المناخ العام هو ما ساهم في تكوينه، إلى جانب الأسرة أيضًا، فوالده كان وفدي.

حينما التحق "شعراوي" بكلية الآداب جامعة القاهرة، وكان يدرس علم الاجتماع، بدأ اتصاله بفكرة الفلكلور وترجم كتاب عنه، وفي نفس الوقت صاحب بعض الأصدقاء إلى "الرابطة الأفريقية" (الجمعية الأفريقية حاليًا) في الزمالك، وفي البداية كان علم الاجتماع يقود للأنثروبولوجي (علم الإنسان)، وهو ما قاده لفكرة الشعوب المتأخرة، أو كما يسميها الغرب والأوروبيون "المتخلفة"، واهتم بهذا الأمر، وجزء من مسيرته منذ عام 1957 حتى 1960، انشغل في مركز الفلكلور، وتحركاته كانت كثيرة مع الشباب الأفريقي، وهذا ما أقام علاقته بالدكتور محمد فايق، الذي سيرد اسمه كثيرًا؛ نظرًا للقرب الشديد بينهم في الحياة والعمل، وقد كان مشرفا على الرابطة الأفريقية.

بعد تخرجه من الجامعة، أشرف على بيت شرق أفريقيا، وتم تعيينه في مكتب الشؤون الأفريقية في رئاسة الجمهورية، تحت رئاسة محمد فايق، ومصادفة تزامن هذا التعيين مع أحداثٍ جسام.

الزمن كان ديسمبر عام 1960، بدء أزمة باتريس لومومبا (أول رئيس منتخب للكونغو، تم اغتياله في يناير 1961)، واشتركت مصر فيها وأرسلت قوات لحماية لومومبا وأحِضر أولاده إلى مصر، وكان "شعراوي" ابن الـ 25 عامًا قريبًا من هذه الأحداث، وكانت مصر أكثر تعبيرًا عن اليسارية، وفي بداية اشتغاله بدأت الأحداث الكبرى، فأثناء تشكيل العمل الحقيقي نحو القارة السمراء بين 1960 و1963 استفاد كثيرًا، وكان في نفس الوقت منسقًا لمكاتب حركات التحرير الأفريقية في مصر، والتي كانت منفذهم، فمنذ عام 1958 حيث كان الرئيس عبد الناصر يستقبل الزعماء الأفارقة، كانوا يطلبون تمثيلهم في القاهرة لكي تكون منفذهم للعالم الخارجي، ولكي تكون مركزًا لتحركاتهم واتصالاتهم بالعالم الخارجي، وتسلم "شعراوي" مسئول الشئون الأفريقية في الرئاسة، دور المنسق، ووصلت قائمة المكاتب المفتوحة وقتها في القاهرة إلى ما يقرب من 23 مكتبًا لحركات التحرير الأفريقية.

كانت أول محطة أفريقية حط بها ترحال هذا الباحث الصغير إلى "تنجانيقا"، التي استقلت في ديسمبر عام 1961 واتحدت مع جزيرة "زنجبار" عام 1964 ليكونا جمهورية "تنزانيا الاتحادية"، وكان وقتها وفد مصري أرسل لهناك لحضور احتفالات استقلالها، وترأس الوفد وزير التعليم العالي حينها الدكتور عبد العزيز سيد، ومحمد فايق مساعد الرئيس، وحلمي شعراوي، وكانت التجربة الأولى، ويحكي أنه حينما وصل الوفد بالطائرة استقبله مدير البروتوكول الإنجليزي، وقد كانت مستعمرة بريطانية، وجاء مرتديًا "شورت وشبشب"، وحينما رآه رئيس الوفد وكان صديقًا لعبد الناصر وله شخصية قوية، قال لمحمد فايق: "الناس دي عايزة تهين وفد عبد الناصر.. أنا هطرد الراجل ده"، ولكن تعامل محمد فايق مع الموقف بدبلوماسيته، وسهل عبور تلك الأزمة، وبعدها طلب الدكتور عبد العزيز سيد، معرفة مكان الوفد المصري في الاحتفال والفندق وخلافه، لأنها يجب أن تكون مناسبة، وهنا تعلم أمر منه ومن زعماء حركات التحرير.. كيف تبنى الكرامة والمواقف والسلوك القوي.

كان أول ما لاحظه "شعرواي" هو شكل الاستعمار البريطاني، فأول ما شعر به وجود الأجنبي، الذي يدير كل شيء، وكانت العاصمة كحي أجنبي، وبقية الدولة كانت أقرب للعشوائيات، مثل البيوت الصفيح، وكان يلي نفوذ الأنجليز نفوذ الآسيويين من هنود وآسيويين وكانوا ممسكين بتلابيب التجارة الصغيرة، وكان السؤال الذي دار في خلده.. أين الأفريقي الذي سيناضل؟، فقد كان الشكل الاستعماري والبنية الاستعمارية تجعله لا يتخيل الأمر.

شيء ما تحرك في نفس حلمي شعراوي وقتها نحو القارة، وهو ما جعله يستئذن الوفد للاستمرار في البلد لفترة، وبقي هناك لأسبوعين أو ثلاث دون تأشيرة لكي يعرف البلد، وكان أول ما قام به الوفد حين عودته، الكتابة عن هذه المنطقة والمستعمرات، وكتب تقريرًا كبيرًا عن تنجانيقا حيث التقى هناك بأربعين شخصية كبيرة، وعاد من هناك بثروة أحاسيس ومعلومات، وكانت البداية الحقيقة لشعوره بمرارة الاستعمار.

بالإضافة لذلك، فقد تأثر بالزعماء الذين التقاهم خلال تلك الفترة، مثل الزعيم الأنجولي أغوستينو نيتو، وكابرال زعيم غينيا بيساو، لأنه كان يعتبرهم أهم زعماء ومفكري التحرر، ولكن صداقته كانت ممتدة، بجوشوا نكومو في زيمبابوي، معقبًا: "كثير من الشخصيات جاءت إلى هذا المنزل وجلسوا في هذا الصالون".

عمل "شعراوي" كان البحث والكتابة عن الدول الأفريقية، وكاتبة الدراسات، والتي توجه للرئاسة، "كتبنا أطنانًا من الأورق ولكن للأسف فقدت مع وقف مكتب محمد فايق، بعدما سجن في عام 1971 حتى عام 1980"، على حد قوله. ولكن قبل ذلك يذكر أن محمد فايق، المسؤول عن المكتب، كان يملك الكثير من الاستقلالية في العمل، وهو ما اعتبره أنه أهم ما يميز عبد الناصر، حيث أقام السياسة بشكل مؤسسي، وكان حريصًا على ذلك؛ لأن الاتصال اليومي والمباشر هو ما يؤسس العلاقات وليست الزيارات المتناثرة.

كان من المنطقي ونحن نحاور مفكر كبير بمقامه أن نسأله عن تقييه لتجربة عبد الناصر في أفريقيا قبل أن ننتقل بالحوار لمناطق أخرى. هنا أستوقفنا قليلًا لالتقاط أنفاسه ولكي يدعنا نتناول بعض الكعك والقهوة لهضم الكم الدسم من المعلومات السابقة، ولندعه لحظات يفكر في الإجابة. قال: هي ليست تجربة خاصة لعبد الناصر مع أفريقيا، ولكن كان هناك كاريزمات كثيرة تحكم هذه الفترة، وكان مهمتنا التعاون مع هذه الشخصيات ذات النفوذ في أماكنها، لخلق حضور لمصر هناك، وكانت القاهرة هي شعلة حركات التحرير الأفريقية، وكان من الهام جدًا فهم عبد الناصر لأفريقيا ودور التحرر الوطني، وفي خلال 10 سنوات حققت مصر وضع مثل أي دولة كبرى في العالم داخل أفريقيا، ولم يكن الأمر يعتمد على الأموال، ولكن على الحضور بالخدمات والإعلام والتثقيف، وانشغلنا بتثقيف المصريين عن أفريقيا، وأذكر حينما قتل "لومومبا" خرجت تظاهرات للسفارة البلجيكية، وهو ما يعبر عن وعي المصريين وقتها.

وتابع: كما كان لتجربة ناصر أهمية كبيرة، فقد كان ثلث القارة جنوبا يحكمها نظمًا عنصرية، في جنوب أفريقيا وروديسيا الشمالية وروديسيا الجنوبية وأنجولا، وكان تحرير روديسيا جزء من محاصرة إسرائيل، وخاصة أن إسرائيل نفذت إلى جنوب أفريقيا في فترة مبكرة جدا، وقطعنا العلاقات ببريطانيا من أجل حماية استقلال روديسيا الجنوبية وهي زيمبابوي الآن، وكان يجب أن نواجه ما حدث في زيمبابوي لأنه سيضيف قوتها على قوة جنوب إفريقيا في دعم إسرائيل، فكان هذا الأمر يشغل بالنا، إلى جانب التفكير في حماية حوض النيل، وأيضًا الشركات الصاعدة اقتصاديًا مثل "النصر"، إلى جانب الرغبة في التعامل مع الزعامات الكبرى هنك لتحقيق المكانة.

مستطردًا: فرنسا اعتدت علينا عام 1956 فكان طبيعيًا أن نواجههم في ثورة الجزائر، وبريطانيا اشتركت أيضًا وكان طبيعي أن نواجهها في مستعمراتها، وحتى إثيوبيا كان بها قاعدة أمريكية، وكانت تسبب قلق لعبد الناصر، ومن هنا نشأت الدائرة الأفريقية النشطة جدًا، أما الدائرة العربية نشأت بعد 1956 وتعاطف العرب مع مصر.

بعد رحيل "ناصر" قد تبدلت الأحوال وارتبط مصيره وبالواقع السياسي الجديد. يقول شعرواي: خرجت من الرئاسة في مطلع السبعينات، بسبب اعتقاد الرئيس الجديد وقتها محمد أنور السادات أن 99% من السياسية مع الغرب وأمريكا، وهو ما كان تحولًا كبيرًا، فعبد الناصر لم يزر أوروبا ولا الدول الغربية، إلا مرة واحدة حينما زار نيويورك في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن السادات قرر أن هذا الاتجاه خطر، وكانت تلك بداية إشارات إلى ما انتهى إليه الأمر بكامب ديفيد. متابعًا: تحولنا تدريجيا لتأييد القوى في الجهة المقابلة لقوى التحرير، الحركة الشعبية لتحرير أنجولا كنا نؤيدها، وإذا بنا نؤيد "سازيمبي" العميل الأجنبي هناك، وقس على ذلك، في أكثر من مكان، في جنوب أفريقا، وفي منظمة الوحدة الأفريقية كان يتم تمرير قرارات معاكسة، وأعلن السادات بنفسه أنه سيحارب الشيوعية، وبدا أن الانتماء تحول لطريق القوى الرجعية، وهو ما أهدر سمعة مصر وأظهرها كمدمر لحركة التحرير، ومن بعده مبارك أهمل أفريقيا تمامًا.

"شعراوي" الذي كان قريبًا من الزعماء الأفارقة، وكان بشخصه جزء من قوة مصر في أفريقيا لما له من علاقات بالزعماء الأفارقة. حكى أن سام نيوما زعيم نامبيا، والزعيم الأنجولي أغوستينيو نيتو، رفضا أن يأتيا إلى القاهرة بسبب وجود محمد فايق في السجن في عهد السادات، وعندما قابل "شعراوي" الزعيم الغاني كوامي نكروما، كان حديثه عن زحف الرجعية في مصر بشكل غير منطقي، ولاحظ أن مصر غيرت المعسكر.

وفي شهادة هامة توضح مدى البعد والجهد الكبير الذي على مصر بذله للعودة للقارة، قال شعراوي: حتى اليوم حينما يذهب محمد فايق أو أنا إلى أفريقيا تكون ذاكرتهم على مصر هي عبد الناصر، معقبًا: "والله لم أسمع كلمة السادات ولا مرة من عام 1973 حتى اليوم، ومبارك كان متهما رسميا بإهمال الأفارقة".

رغم ذلك لم يبعد حلمي شعراوي عن المجال العام، وكان أحد الفاعلين واللاعبين في المحيط الثقافي، وبعد اتفاقية كامب ديفيد، عُقِدَ مؤتمرًا للمثقفين كان مكونا من 100 مثقف، وتم اختيار لجنة برئاسة لطيفة الزيات، وكنت هو أمينًا عن اللجنة، وكان في كامب ديفيد مادة بخصوص وقف الأعمال العدائية في الثقافة والإعلام، وكان أمرًا مرفوضًا بالنسبة لهم، وفي عام 1980 فوجئوا برغبة إسرائيل في القدوم لمعرض الكتاب، فقررت تلك المجموعة التصدي لذلك بشكل أساسي، وقبض عليه رفقة الكاتب الصحفي الراحل صلاح عيسى وغيرهم.

نتج عن لجنة الدفاع عن الثقافة القومية بعد ذلك واحدًا من أهم الأعمال التي شارك بها حلمي شعراوي خلال مسيرته وهو "مركز الدراسات العربية والأفريقية"، حيث كان أحد اتجاهات اللجنة الدفاع عن الثقافة، وكان الغرب يقيمون مراكز  بحوث موالية لهم، وكان التفكير هو إنشاء منظمة عربية مستقلة، واللجنة رأت أن تحرير البحث العلمي من أي اتجاهات غربية وإمبريالية أمر هام، وتعاون الجميع من بينهم رضوى عاشور ولطيفة الزيات وسيد بحراوي وغيرهم وتبرعوا من أموالهم، وتم وضع فكرة المركز كمكان مستقل، ليتعاون فقط مع هيئات عربية وأفريقية، وعدم قبول مصادر التمويل الأجنبي، إلا بعض المساعدات العربية أو الأفريقية.

الحب والزواج
في نهايات الخمسينات ومطلع الستينات جاءت فتاة من دمياط، لتكمل تعليمها العالي في جامعة القاهرة، قسم الفلسفة، ومن خلال وجودها في الجامعة تعارفا، حيث كان عبد الحميد حواس المفكر وأستاذ التراث فيما بعد، صديقا لـ "شعراوي"، وهو ابن خالتها، وفي هذه الأجواء تعرف عليها "بشرباص" التابعة لدمياط، ولأنها درست الفلسفة وهو خريج اجتماع، فقد كان هناك مجالا للحوار والمناقشة فيما بينهم أكثر من غيرها، وتم الزواج عام 1963.




كانت السيدة تجلس إلى جوارنا في هذا الجزء من الحوار، هو حاول تمريره سريعًا، أما هي فلا، فقررت أن أتبحر أكثر، فتحدث أكثر: "كنت خلاص اتعينت وفي وضع مسؤول كبير رغم أن عمري كان 25 عامًا، فكنت شاب صغير ولكن كبير في الدولة وفي مكتب الرئيس"، هنا دخلت الزوجة على خط الحديث ساخرة "مالي مركزه يعني"، وهنا رد هو ضاحكا: "أيوة مش هتتجوز مثقف صعلوك ولا بتاع، ولكن الصعلكة الثقافية كانت جزء من حياتي". حسنًا.. وما سبب اختياركِ له؟ السؤال كان للسيدة توحيدة: "كان إنسانًا جادًا ومثقفًا وقارئًا جيد جدًا، وكانت علاقاته كبيرة ومتشعبة ومتنوعة، ولك أن تتخيل أننا كنا نستقبل بشكل يومي ضوف من رواندا والسودان وقيادات وزعماء، وكنت سعيدة بهذه الزيارات".

التفكير الذي حضر لذهني هنا.. هو تأثير الزوجة على مسيرة الرجل، فلم تخرج له العلل، أو تمنعه من العمل أو استقبال الزعماء، بل بالعكس كانت سعيدة، ومع ذلك سألتها عن هذا الأمر. الرد: تأثير هام جدًا في توفير عوامل الراحة للرجل والجو الملائم، مثلا في بداية زواجنا كان يملك سرير في مكتبه وكان ينام هناك، وأنا كنت هنا، وكنا نتواصل عبر الهاتف، وكان يأتي هنا ليكمل عمله، ولكن مع ذلك فكنت فتاة صغيرة وكنا نخرج أيضًا يوم الخميس ونذهب إلى المسرح أو الأوبرا.

نجح الزوجان في تأسيس أسرة ناجحة، ورزقا بولد وفتاة، وهما الآن مي حلمي شعراوي أستاذة في مستشفى الرمد، وأيمن حلمي شعراوي جراح استشاري عظام.

شهادات عن حلمي شعراوي ومذكراته
ملحوظة: (تظهر قريبا ظهر المذكرات التي لم تصدر بعد)

الدكتور محمد فايق
"اعتدت أن أقرأ لحلمي شعراوي، فهو مفكر سياسي بارز، ويجمع بين رحابه رؤية المفكر، ودقة الباحث المتخصص، أثرى المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات في الشئون الأفريقية، وصدر بعضها باللغات الإنجليزية والفرنسية فضلا عن العربية، إلى جانب البحوث والترجمات والدراسات والمراجعات العلمية لتجارب الحركات الديمقراطية، فكان ولا يزال نافذة لأفريقيا على الثقافة العربية، ونافذة للثقافة العربية على أفريقيا".

"لكن حلمي شعراوي بالنسبة لي لم يكن مجرد باحث مجيد فحسب، بل كان زميل عمل في مؤسسات الدولة وغيرها من المؤسسات الثقافية العامة وعلى جسر مناهضة العنصرية من الجنوب الأفريقي إلى فلسطين، وعلى جسر التضامن بين الشعوب العربية والأفريقية من أجل الاستقلال والديمقراطيات وحقوق الإنسان".




المفكر الراحل سمير أمين
"حلمي شعراوي.. لست مجرد زميل نضال وبحث، بل أكثر من ذلك بكثير، فقد كنت أنت وأنا من أوائل المصريين الذين أدركوا أن نضالنا الوطني جزء لا يتجزأ من النضال لاستعادة استقلال كافة شعوب وأمم أفريقيا، ذلك الاستقلال الذي اغتصبه الغزاة والإمبرياليون، وكنت أنت وأنا متفقين على أن مصر وأفريقيا وحدة واحدة منذ آلاف السنين، ويجب أن تظلا كذلك، ودعمنا معًا منذ اليوم الأول باندونج، والمؤتمر الأفروآسيوي للدول والأحزاب السياسية الذي خرجت من رحمه منظمة تضامن الشعوب الأفروآسيوية 1957، ومنذ ذلك الحين شاركت أنت بقوة في النضالات المستمرة لكافة شعوب أفريقيا لأجل استقلالها، ودعمت حركات التحرير الوطنية في المستعمرات البرتغالية وفي زيمبابوي وناميبيا وضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، كما أننا مدينون لك يا حلمي بنجاح مرركز البحوث العربية والأفريقية، وليس من قبيل الصدفة أن المركز عربي أفريقي، يوحد ولا يفصل بين نضالات كافة شعوب المنطقة الكبيرة من العالم، وكمدير لهذا المركز أنشأت ما كنا نحتاجه، وأشعر بالفخر لاختياري رئيسًا له، لكني أعرف أنك ولا أحد غيرك من صنعت مثل هذا النجاح، وأنت الآن نائب الرئيس والرئيس الحقيقي الذي ندين له".