رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لقاء مع السيد المسيح


هل تسمح لى جريدة «الدستور» بأن أعيد نشر هذه المقالة، كنت قد كتبتها قبل عامين، وأودعت فيها مشاعرى للسيد المسيح، عليه السلام، جاء بالسلام للعالم فأحبه العالم وكرهه الشيطان، وبين الحين والآخر أتذكر سيدى المسيح، عليه السلام، وعلى أمه الصِدِّيقة وما كتبته عنه.
فى وسط هذا العالم المضطرب بالكراهية والإقصاء يكون أخوف ما تخافه هو أن تُعَبِرَ عن مشاعرك، فما بالك لو كانت مشاعرك هى الحب، وما بالك لو كانت مشاعرك هى للسيد المسيح، فحينها ستنهال عليك اللعنات والشتائم والتكفير من كل غلامٍ لم يعرف الحب ولم يُدرك أن الدين رحمةٌ وسلام، وقد تصاب بأكثر من ذلك حينما يتم حل دمك باعتبارك احتفلت مع المسيحيين بعيد ميلاد السيد المسيح، وفتاوى التكفير التى خرجت من ياسر برهامى، وأصحابه، وشيوخ الإخوان، وغيرهم من أئمة التطرف، كافية لكى يتهموك، ثم يحكمون عليك، ثم يرسلون أحد الجاهلين منهم لينفذ فيك الحكم الذى صدر، نعم فنحن فى عالم محفوف بالمخاطر والكراهية والغل، وأبشع الأشياء أن يرسل هؤلاء إلينا سخائم أخلاقهم وأمراضهم النفسية ومشاعرهم المريضة على أنها دين وعلى أنها صحيح الإسلام، الإسلام لا يعرفها ولا ينبغى لدين الله أن يعرف الكراهية والقتل واللعنات والتنكيل المادى والمعنوى.
أما مقالتى فقد قلت فيها ما ينبغى أن يقوله كل مسلم عاقل رشيد يعرف أن الله هو الودود، وأنه رحمن رحيم، قلت.. (إننى أود أن أحكى سرًا على أن يظل بيننا، هذا السر هو أننى أحب السيد المسيح جدًا، ولِمَ لا؟ أليس هو الذى قال الله سبحانه وتعالى عنه «ولنجعله آية للناس ورحمة منا» هو رحمة من الله للبشرية، ومن منّا لا يحب الرحمة إلا أصحاب القلوب التى ختم عليها إبليس بالشر، هذا هو سيدنا عيسى أيها الناس الذى قال لبنى إسرائيل «قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذى تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون * إن الله هو ربى وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم»، هذا هو سيدنا عيسى، عليه السلام، الذى تعرض للإيذاء من بنى إسرائيل فكانوا يلاقونه بالعذاب والشر فيلاقيهم بالسلام والخير.
ولكن لماذا يظل حبى للمسيح سرًا بيننا؟ لأن بعضهم يعاقبنا فى هذه الأيام على الحب، فحين أحببنا المسيح وفرحنا بيوم مولده وعبَّرنا عن مشاعر الفرحة التى اعتملت فى قلوبنا إذا بدهاقنة الشر يتهموننا بالكفر ويرفعون فى وجوهنا رايات التحريم السوداء، وحين قلنا لإخواننا الأقباط كل عام وأنتم بخير ونحن معكم نشارككم الفرحة قلبا بقلب قامت القيامة عند مشايخ السلفيين والإخوان غضبًا واستنكارًا وتحريمًا، وكان مما أدهشنى أننى تقابلت مصادفة مع أحد مشايخ السلفيين الذين يشار إليهم بالاستنارة فإذا به يستنكر فرحتى بيوم مولد المسيح عليه السلام، فقلت له: «لا أظنك تختلف عن الآخرين فأنت ومن معك من المتسلفين تحرمون أيضًا الاحتفال بمولد سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، أنت ومن معك تنهون عن كل مظاهر الاحتفال البريئة المسالمة، هل تعرف لماذا؟، لأنكم أعداء الحب، وأبناء الكراهية والحرب».
وانصرفت من لقاء هذا المتسلف إلى بعض شأنى، وخلوت إلى نفسى، وقلت لها: ماذا لو جاء السيد المسيح إلى زمننا هذا، تراه ماذا يقول لنا؟ ولو قدَّر الله لى أن أقابله فما الذى كنت سأقوله له؟ أغلب الظن أن السيد المسيح عليه السلام لو جاء إلى دنيانا فإنه سينزل إلى مصر، فمصر هى التى استقبلته وهو بعد رضيع مع أمه «ستنا» مريم البتول عندما جاءت إلى مصر هربًا من شر الإمبراطور هيرودس، هربت السيدة مريم إلى مصر أرض الأمان وسلكت فى سبيل ذلك صحارى وهضابًا ووديانًا فى رحلة شاقة مليئة بالآلام، ولذلك رأيتُ أن السيد المسيح إذا ما نزل الآن إلى دنيانا فإنه حتما سيختار مصر، وفى أعلى قمة أحد الجبال فى سيناء، أرض الفيروز، سيكون هبوطه.
ورأيتنى بعين قلبى وأنا أسعى إليه، أصعد الجبل بقدمى الكسيرة المتعبة، ولكن طاقة روحية أمدتنى بقوة هائلة لم أعهدها فى نفسى من قبل، فأنا الآن فى طريقى لمقابلة السيد المسيح، عليه السلام، الذى قال الله عنه «إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه»، فهل لى أن أتلكأ فى الصعود، والله إن روحى من فرط شوقها إليه كادت أن ترفعنى كما «رفعه الله إليه» وعلى قمة الجبل رأيته ساجدًا لله، فقلت له: أتسجد لله وأنت كنت فى معيته.
قال المسيح وقد أحاطته هالة نورانية عجيبة: «لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد».. قلت وأنا أمد له يدى ببعض الخبز: ألا تأكل ياسيدى، أظنك الآن جائع وكما أرى الآن أنك قد جئت إلى دنيانا من غير زاد.
قال المسيح: «مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان». اقتربت منه قليلًا ثم انكببت على قدميه أقبلهما فوضع يده على رأسى وقال: «طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات، طوبى للحزانى لأنهم يتعزون، طوبى للرحماء لأنهم يرحمون، طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله، طوبى لصانعى السلام لأنهم أبناء الله يدعون».
انتفض قلبى فرحًا بدعاء السيد المسيح وقلت له: أظنك عرفت أيها السيد العظيم ما يحدث فى دنيانا هذه الأيام من قتل وسفك للدماء باسم الدين؟.. قال المسيح: «قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل، ومن قتل يكون مستوجب الحكم، وأما أنا فأقول لكم إن كل من يغضب على أخيه باطلًا يكون مستوجب الحكم، ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم».
قلت: ولكن الواقع عندنا الآن غير ذلك، إن العالم كله يا سيدى مشتعل بالحروب والخلافات والقتال، والقتل حاليًا يكون باسم الدين.. قال المسيح: «سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك، وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم».
قلت: ولكن هذا يا سيدى فوق طاقة الإنسان الحالية فقد اعتملت النفوس بالشر، وكل الناس فيهم نقص، لم يصل أحدنا إلى هذه الدرجة من الكمال.. قال المسيح: «فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذى فى السموات هو كامل». قلت: إذن يا سيدى نريد أن نعرف الطريق، دلنا عليه فنحن نعيش فى غابة.
قال المسيح: «لا تجرب الرب إلهك».. قلت: نعم أنا أعرف هذا الأمر فحينما جاء إليك إبليس وقال لك اطرح نفسك من فوق الجبل والملائكة ستتلقاك لأنك برعاية الله قلت له لا تجرب الرب إلهك، هذه حكمة عظيمة، فالله لا ينبغى أن يخضع لتجارب البشر، أنا أتوجه بدعائى لله عبادة وليس تجربة، أفإن أجابنى عبدته وإن لم أر الإجابة تركته؟! ولكن ما الخطوة الثانية فى الطريق إلى الله يا سيدى.
قال المسيح: «من سألك فاعطه، واحترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكى ينظروكم، وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذى فى السموات، فمتى صنعت صدقة فلا تُصَوِّت قدامك بالبوق كما يفعل المراؤون فى المجامع وفى الأزقة لكى يُمَجّدوا من الناس، الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم، وأما أنت فمتى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك».. قلت: أراك تهتم بالفقراء جدًا، هل الصدقة هى إحدى الخطوات إلى الله.. قال المسيح: «من يرحم الفقير يقرض الرب، وعن معروفه يجازيه».
قلت: ثم ماذا يا سيدى.. قال المسيح: «ومتى صلّيت فلا تكن كالمرائين، فإنهم يحبون أن يصلّوا قائمين فى المجامع وفى زوايا الشوارع لكى يظهروا للناس، الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم، وأما أنت فمتى صلّيت فادخل إلى مخدعك وأغلق بابك وصلّ الى أبيك الذى فى الخفاء، فأبوك الذى يرى فى الخفاء يجازيك علانية، وحينما تصلّون لا تكرروا الكلام باطلًا كالأمم، فإنهم يظنون أنه بكثرة كلامهم يستجاب لهم، فلا تتشبهوا بهم، لأن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه».
قلت وأنا أستزيده: ثم ماذا؟.. قال المسيح: «اغفروا للناس زلاتهم يغفر لكم أيضًا أبوكم السماوى، ولا تدينوا لكى لا تدانوا، لأنكم بالدينونة التى بها تدينون تدانون، وبالكيل الذى به تكيلون يكال لكم».
قلت: ولكننى أرى عددًا كبيرًا من الناس يرتكبون أخطاءً جمة، وطاقتى لا تتحمل مثل هذه الأخطاء.. قال المسيح: «ولماذا تنظر القذى الذى فى عين أخيك، وأما الخشبة التى فى عينك فلا تفطن لها، أم كيف تقول لأخيك دعنى أخرج القذى من عينك وها هى الخشبة فى عينك».
قلت: أخبرنى أيها السيد هل الله يحبنا؟.. قال المسيح: «نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولًا، فتلذذ بالرب فيعطيك سؤل قلبك».
قلت: ماذا أعد الله لنا؟.. قال المسيح: «ما لم تر عين ولم تسمع أذن، ولم يخطر على بال إنسان، أعده الله للذين يحبونه».
وقبل أن أوجه إليه سؤالا آخرًا أشار لى أن أصمت ثم قال: «كل من يسمع أقوالى هذه ويعمل بها أشبهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر، فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح ووقعت على ذلك البيت فلم يسقط، لأنه كان مؤسسًا على الصخر، وكل من يسمع أقوالى هذه ولا يعمل بها يشبّه برجل جاهل بنى بيته على الرمل، فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح وصدمت ذلك البيت فسقط، وكان سقوطه عظيمًا».
وفجأة اشتدت برودة الجو وقامت الأعاصير وغيمت سحابة كثيفة وأخذ البرق يضرب عينى والرعد يضرب أذنى، وكان ذلك كله إيذانًا باختفاء السيد المسيح، ولكن ستظل تعاليمه باقية، فعليه وعلى أخيه سيدنا محمد أفضل الصلاة والسلام).