رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رباب كسّاب تقع في "غواية المكان": هنا تدور أحداث رواياتي

جريدة الدستور

رغم أنها بدأت الكتابة في سن مبكرة وتحديدًا في الثامنة عشرة من عمرها، لكنها لم تنشر رواياتها إلا عام 2007 بعنوان "قفص اسمه أنا"، بسبب بعدها عن القاهرة ومركزيتها وهو ما لا يتح لأصحاب الأقاليم أو يصعُب عليهم نشر إنتاجهم الأدبي.

صدر لها بعد عامين روايتها الثانية مسرودة 2009 ثم رواية فصول 2010 ورواية فستان فرح"2012، ومجموعة قصصية "بيضاء عاجية وسوداء أبنوسية" 2017.

"المكان" في العمل الأدبي، له أهمية كبيرة لا أنه أحد عناصره الفنية، بل لأنه يتحول في بعض الأعمال المتميزة إلى فضاء يحوي كل عناصر العمل الأدبي، بما فيها من حوادث وشخصيات وما بينها من علاقات، ويمنحها المناخ الذي تفعل فيه وتعبر عن وجهة نظرها.

عن أهمية"المكان" في أعمال الروائية "رباب كساب" قالت أعتقد أن من لم يغيره الزمن قد لا يكون بالفعل حيًا، قبل سنوات حين سُئلت عن المكان وبعد حوار طويل مع النفس والمجيء على ذكر أماكني المحببة كانت الإجابة أنني أحب حضن الصفحات البيضاء، لكن مع مرور الوقت بدا تغيري الكبير، وبدا المكان بالنسبة إليِ ليس سطحا حاويا فقط كتعريف لغوي، ولا خصائص بما يحويه المكان كتعريف جغرافي وإنما إحساس يتسرب إليك فتلتقطه كنقطة ندى على سطح جاف فتستيقظ الحواس جميعها وتشعر حقا بالحياة.

رحابة المكان تكون بروحه

ولفتت كساب إلى تأثير الأماكن عليها، فقالت، ان لها فعد الندى، وإن لها سحرًا قد يفلت منه البعض وقد يقع البعض الآخر أسيرًا، وأنا تأسرني الأماكن بل وتحدد علاقتي مع البشر، فرحابة المكان ليس بسعته ولكن بروحه وما يهبه لك من محبة تسيطر عليك فتعطي بلا انتظار أن تأخذ منها،وقد لا تدرك أنها بالفعل أعطتك إلا بعد سنوات، بعد أن تجد نفسك وقد تطبعت بطابع المكان، أو انتقل دون أن تشعر لحكاياتك وصار حيزًا وفضاء يحوي تفاصيل رواياتك إن كنت كاتبا أو حتى كنت إنسانا عاديا، لابد وأن يرتبط كلامك بمكان لأنه ببساطة يحويك فهو المحيط الذي يضمك ويضم تفاصيلك.

أحب الأماكن والمقاهي القديمة

أشارت الروائية الشابة إلى أن الأماكن التي تتعلق بها وتحبها، قائلة: أحب الأماكن القديمة، الشوارع الضيقة بناسها ومحالها، بزخارف الماضي الهاربة من أثر الزمن المصرة على البقاء، أحب التاريخ المنثور في أحياء القاهرة القديمة، حتى أنني أسير فيها بحال مأخوذ ذهب عقله وهفت روحه فأظل أعدو خلف روحي اللاهثة وأنا أحاول أن تجمع ذاكرتي ما أرى وتستوعب نفسي كل ما حولي.

وأكدت أنها عندما تسير في الأماكن القديمة تحس بأنها تكتسب معارفا، وتتجدد روحها كلما ذهبت إليها، حتى سكنها في واحد من أقدم أحيائها الذي كان بمثابة حلم حلم قديم ما كانت تعتقد أنها ستحققه يوما ولكنه تحقق.

وقالت كساب "أن تسكن في مكان عراقته تسبقه، كل يوم يمر تكتشف فيه جديدا، إن ضيق الحواري والزحام لا يمنع محب من أن يحفظ تفاصيل حبيبه، وأنا أحب لذا فكل يوم أتأمل ولا أشبع".

وأضافت:"أحب المقاهي وما تحمله من حميمية وروح تشبه بلدنا، لا تستهويني البهرجة، ولا تأخذني رحابة الأماكن والمدن الجديدة التي لا تمثل أكثر من مجرد أموال تنفق لمحاولات الفصل والانعزال كدلائل طبقية".

هذه هي الأماكن المفضلة لأعمالي

أمّا عن الأماكن المفضلة التي أوردتاه في اعماله الأدبية، ققصها وروايتها، قالت"كساب":"وبوعي كامل لما تتركه في الأماكن سوف تجد في قصصي أماكني المفضلة، ستجد كوبري قصر النيل، ومساجد الأولياء، ستجد متحفا هنا أو هناك، من قبل كنت أصف أماكن بعينها دون تسميات ظنا مني أن الأماكن قد تتشابه ونختلف نحن، فهذه القصة قد تنطبق عليك أو على قريب لك في مكان بعيد، فليس مهما أن تسمي مكانا بعينه، كانت وجهة نظر تغيرت فالمكان كما ذكرت له طابع يشملنا به، ولكل مكان خصائص تميزه عن غيره، خصائص تشكل أصحابه وترسم طباعهم حتى وإن تشابهت القصص واختلفت الأماكن".

أكره هذا المكان

عادت "كساب" بذاكرتها، وقالت إنه منذ 13 عامًا دخلت مكانا قديما وعلى الفور تكونت علاقة غريبة بيني وبين المكان، صرت أشعر بكل جزء فيه، حتى أنني تمنيت الكتابة عنه، زرته على فترات متقطعة خلال عشر سنوات لكنني لم ألتقط تلك النقطة التي ستكون من عندها البداية، كيف أصيغ أول جملة لأدخل عالم هذا المكان البعيد، وكيف سأخرج من حيز كتابتي الاجتماعية لأكتب رواية مكان، عشر سنوات حتى جاء سكني إل جواره فعرجت عليه في زيارة قصيرة أجدد بها إحساسي بالمكان فخرجت وقد قررت البحث والبداية وقد كان، لن أفشي اسم المكان حتى تصدر الرواية فهي تحت الطبع.

وكشفت، انه خلال سنوات الكتابة والبحث كانت تشعر بسعادة غريبة وهي تعبر عن تاريخ لم تكن جزءا منه لكنه أراد أن يعبر عن وجودها من خلالها، ومن معرفتها بالمكان كانت تجلس للطلبة الزائرين له وتحكي لهم معلوماتها عنه، وكيف يبحثون كأنها صاحبته، أو امتلكته ذات يوم أو في زمن بعيد كنت واحدة من سكانه.

وعلى العكس تمامًا، أوضحت انها كرهت مكانا عاشت فيه سنوات طويلة وحين رغبت في الحديث عن بعض تفاصيله لم تتمكن من ذلك، لم يهبها روحه، ولم تتمكن من النفاذ إليه فصعب الأمر عليها رغم محاولات البحث وتجميع المعلومات، لأن المحبة هي من تصنع كل شيء، هي من تصيغ العلاقة، وهي التي تحدد الهبة فتمنع وتعطي.