رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شفيقة القبطية.. الراقصة التى شرب "الباشاوات" الخمر من حذائها

جريدة الدستور

في خريف 1851، بشارع نخلة في حي شبرا بالقاهرة، ولدت إحدى الفتيات التي قلبت ميزان الرقص الشرقي رأسا على عقب، لعائلة مصرية مسيحية عريقة، ظهر عليها الخفة والرشاقة، وهوس الرقص والموسيقة.

"أجمل بنت في شبرا"، هكذا كانت شفيقة القبطية، كانت كأي فتاة في ذلك الوقت، وقع في غرامها شاب يعمل "كمسري"، كان دائم التردد على قهوة الكمسرية، ليرى "شفيقة" وهي ذاهبة لكنيستها "سانت تريزا"، وفي نهاية المطاف تقدم لبنت الـ 16 عامًا، فوافق أهلها وتزوجها، وظن أنه "فاز بها".

وفي 1871، حضرت "القبطية" فرح جارتها وكانت ترقص فيه "شوق" أفضل وأشهر راقصات هذا الزمن، وكانت من اللواتي أحيين حفل افتتاح قناة السويس أمام الخديو إسماعيل، والغمبراطورة أوجيني، وباقي ملوك العالم، وكعادة المصريات، فرقصت "القبطية" أمام "شوق" أثناء استراحتها كنوع من مجاملة العروس، ومن هنا فتحت أبواب الشهرة لشفيقة القبطية، وأبهرت المدعوين جميعًا بمن فيهم "شوق".

وسط كل المدعوين، سألتها "شوق": " اسمك ايه يا عروسة، اسمي شفيقة"، فردت: " انتي خسارة يا شفيقة ما تيجي أعلمك الرقص"، كان ذلك على مرأى ومسمع والدة شفيقة، التي اعتبرت هذه الجملة نوع من الإهانة، وأخذت شفيقة وانصرفت، لكن كان لـ"شفيقة" كان لها رأي مختلف وأرسلت لها "شوق" "غمزة" أيقنت بعدها أن ذلك ليس نهاية المطاف.

استغلت "شفيقة" انشغال زوجها، وتدين عائلتها، واتخذت من الذهاب للكنيسة زريعة للخروج، وكانت تذهب إلى شارع محمد علي، في بيت "شوق" والتي طورت من موهبتها، وعلمتها قواعد وأساسيات الرقص.

وفي أحد الأيام، خرجت "شفيقة" ولم تعد، وقلقت عليها أسرتها وأخذت في البحث عنها لكتها "فص وملح وداب"، وعقب 6 أشهر سمعوا أنها ترقص في "الموالد"، أرسلوا لها قسيسًا لهدايتها ووعظها إلا أن "الراقصة شفيقة القبطية" سيطرت على فتاة شبرا، وبعدها أعلنت عائلتها أنها برأت زمتها منها واعتبروها "ماتت".

ماتت "شوق" وأصبح العرش خاليًا، واعتلته "القبطية"، وبدأت في خطو أول خطوة لمشوارها، واختارت لنفسها اسمًا مميزًا، وافتتحت صالتها الخاصة في شارع عماد الدين.

"شفيقة القبطية" كانت فنانة بحق، ولم تكن راقصة عادية، وطورت كثيرًا في مقاييس ومعايير الرقص الشرقي، وابتكرت رقصات جديدة، أزهلت متابعيها، ولمع نجمها بعد رقصة "الفنيار".

"صالة فخمة، نجفة عشر شمعات، عروض مذهلة"، كانت أهم العوامل الأساسية لصناعة اسم أسطورة الرقص الشرقي "شفيقة القبطية".

جمهور شفيقة القبطية من كل الأجناس والطبقات كانوا يملأون صالتها بالجنيهات الذهبية، فكانت ترقص على الذهب وليست أرضية الصالة.

وكان من ضمن جمهورها، أحد الأعيان الذي جن جنونه لينال رضاها، ومع هذا كله فكان أخر شيء يمكنه فعله هو "لمس يدها"، وبلغ جنونه بها إلى انه كان يترجاها كل ليلة لأن يتولى مهمة خلع حذائها ليكون كأسه الذي يتناول فيه "الشامبانيا"، وكان يأمر بفتح زجاجات الخمر حتى لخيول عربة "القبطية".

شفيقة القبطية، كانت تملك عشرات الخيول الأصيلة، وكان يخدمها "القمشجية" وبجانب عرباتها "سياس" يصيحون "وسع يا جدع"، وكان موكبها ينافس موكب الخديو نفسه.

خدام "شفيقة" كانوا من إيطاليا، وكانت أزيائهم من أشهر بيوت الأزياء "كلاكوت"، "ديفز براين".

شفيقة القبطية كانت أول من رسخ لمفهوم " super star"، وتخطت شهرتها حدود البلاد، فكانت من أوائل من استخدمت أسمائهم لترويج الماركات العالمية، وظهرت صورتها على علب المكياج وزجاجات العطور الفرنسية.

شفيقه القبطية كانت "روبين هود" الفقرا في مصر، فكانت تساعد المحتاجين على الدوام، وتسدد ديون المتعثرين، وتنقذ تجارًا على وشك الإفلاس، وكانت تحيي أفراحا دون أجر.

نهاية "شفيقة القبطية" كانت مثيرة كحياتها، وبعد أن خفت نجمها، ظهرت نجمات أخريات في عالم الرقص الشرقي منهن: " معتوقة"، " زهرة العربية"، و" نفوسة غرام".

وعادت "شفيقة" أواخر أيامها لمحل ميلادها، في شبرا وماتت عام 1926، وودعها شخصين فقط منهم زوجها الكمسري.