رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صلاح حافظ.. مايسترو الصحافة الراسب في امتحان "السادات" الشفهي

صلاح حافظ
صلاح حافظ

«الواد صلاح حافظ في السجن ياريس.. ودا واد زي الفل وياريت يخرج».. تضمنه.. برقبتي؛ لم تكن تلك الفضيلة الوحيدة التي وضعها الصحفي الكبير كامل الشناوي في رقبة تلميذه النجيب صلاح حافظ، فالعلاقة التي جمعت بين الشاعر المبدع وسيد المقال، كانت أكبر من مجرد حكاية ربطت بين اثنين من عمالقة الصحافة المصرية طيلة تاريخها الطويل.

ضربة البداية كانت من عند مسابقة في الشعر نظمتها وزارة المعارف؛ حصد فيها «حافظ» المركز الأول، فزادته تلك الجائزة رغبة في بلوغ الآفاق؛ فذهب إلي جريدة «المسائية» حاملًا في يده مجموعة من القصص القصيرة، قاصدًا مقابلة كامل الشناوي رئيس تحرير آنذاك لعرضها عليه ومن ثم أخذ موافقته على نشرها.

فقد كان صلاح حافظ مؤمنا أشد الإيمان بأن كامل الشناوي هو الشاعر الأهم وصاحب الذائقة الفنية والأدبية الرفيعة.

لم يكن اللقاء الأول بين الاثنين حارا، فـ «الشناوي» كان منشغلا بحلاقة ذقنه، فقط كل ما قاله لـ «صلاح»: «سيبها على المكتب وعدي عليا بعد أسبوع»، وبالفعل لم يمض الأسبوع؛ إلا وجرت في النهر مياه كثيرة.

كان «كامل» الشناوي قد قرأ ما تركه له ذلك الفتي القادم من الفيوم؛ فانبهر به انبهارا شديدا؛ وبدأ من لحظتها تسويق الفتي الذي لم يكن يعلم عنه شيئا؛ فقد عرض ما تركه له من قصص معدودة على شخصيات المجتمع المخملي، بجانب رموز الصحافة والفن، حيث كان يقرأ عليهم أحد قصصه ثم يسألهم: «بالذمة فيه حد يعرف يكتب كدا دلوقتي»!.

يرصد الكاتب الصحفي رشاد كامل في كتابه « ذكريات صلاح حافظ.. الصحافة- السلطان- الغضب» تلك اللحظة التي عاد فيها مايسترو الصحافة من بلدته بالفيوم للقاء «الشناوي» قائلًا: « كُل من قابلني أخبرني بأن "كامل" يبحث عني في كل مكان.. وأنه طلب أن يراني فور قدومي».

بمجرد أن شاهده الأستاذ تلميذه قال له: «سوف ننشر لك قصة العدد القادم، قبل أن يطلب مني الجلوس مع رسامي العدد لمشاهدة إخراج الصفحة؛ ثم أعطي أوامره لصراف الخزنة بمنحي 10 جنيهات، لأجد نفسي حينها في قمة سعادتي».

صلاح حافظ الذي ذاق مرارة السجن والاعتقال سنوات عدة بدأت عام 1954؛ بسبب أفكاره اليسارية وانتماءه للتنظيم الشيوعي حركة "حدتو"؛ حيث كان معتنقا لأفكارها ومتشربا إياه، ليدفع لذلك الانتماء 8 سنوات من عمره قضاها في سجن الواحات، لكنها كانت على المستوي الأدبي غزيرة الإنتاج؛ حيث أصدر العديد من الروايات والمسرحيات والقصص القصيرة.

وبسبب سجنه هذا فقد وظيفته في جريدة " أخبار اليوم"، وكان ذلك هو اختباره الأبرز مع العهد الناصري.

بعد أن تمكن كامل الشناوي من إقناع "عبد الناصر" بالإفراج عن صلاح حافظ؛ خرج المايسترو كما الهائم في بلاط صاحبة الجلالة؛ حيث بدأ في خوض رئاسة تحرير تجارب صحفية من على مقعد رئيس التحرير، وتمكن بفضل موهبته في أن يجدد لها شبابها مثل مجلة "آخر ساعة"؛ والتي ارتفع بتوزيعها لما يقارب 100000 نسخة.

مسيرة صلاح حافظ المهنية والإنسانية مليئة بسجل كبير من المواقف التي انحاز فيها دائما لكلمة واحدة اسمها "المبدأ"؛ وكانت السبب الأكبر التي أبقت اسما حينا إلي الآن؛ أبرزها بالطبع كان موقفه من انتفاضة الخبز عام 1977.

في لقائه مع الرئيس السادات حيث كان يستعرض الأسماء المرشحة لرئاسة تحرير الصحف القومية؛ وإذا فجأة بالزعيم الراحل يسأله قائلًا: "يا صلاح 18و 19 يناير انتفاضة شعبية ولا انتفاضة حرامية"؛ فأجابه؛ ليست انتفاضة حرامية حتي وإن دخلها بعض العابثين.

رد عليه السادات قائلًا: " الدوجما اللي في دماغك يا صلاح زي ماهو.. أنا كنت هختارك رئيس تحرير.. خليك بقي»؛ فعقب البعض قائلين: "رسب صلاح في امتحان السادات الشفهي"؛ لكنه وإن رسب شفهيا؛ فقد نجح في أن يدخل تاريخ صاحبة الجلالة من أوسع أبوابه؛ باعتباره الرجل الذي لم يخن مبدأه.