رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شقيق محمد نوح: ارتدى جلاليب السادات وكان انجح نمرة في مصر (حوار)

جريدة الدستور

عاش الفنان محمد نوح مهمومًا بالفن والموسيقي والمسرح، فسافر لدراسة الموسيقى بأمريكا لتغيير شكل الموسيقى المصرية، كما أسس مسرح "النهار" الذي أنفق عليه مبالغ كبيرة لشراء أحدث الآلات الموسيقية إلى أن أصبح من أكبر استديوهات الأغاني في الشرق الأوسط. لم تقتصر مساهمة الفنان محمد نوح على في مجال الأغنية فقط، بل شارك ممثلًا على خشبة المسرح وبعض الأعمال السينمائية والدرامية والإذاعية.

التقت"الدستور" بشقيقه الفنان حسين نوح، الذي كشف لنا فيه كواليس عديدة عن حياة الفنان "محمد نوح"

• تبناه"وجيه أباظه" وعينه موظفًا في العلاقات العامة لظروفة الصعبة
قال "حسين نوح"، اشترط والدي على شقيقي الفنان محمد نوح الحصول على شهادته الجامعية قبل العمل في الفن، وكانت هذه هي وصيته لنا جميعًا، وليس لـ"محمد" فقط، فالتحق "محمد" بكلية التجارة جامعة الإسكندرية، وأثناء دراسته كان يقيم حفلات موسيقية كـ"عازف" في الجامعة وللمدارس، ثم اشترك في فرقة التمثيل في محافظة البحيرة.

وأضاف "حسين": "توفى والدنا في هذه المرحلة، في الستينات، وعمر"محمد" 23 سنة، فأصبح في هذه السن هو المسؤل عن إعالة الأسرة، فبدأ يعمل في فرقة البحيرة للفنون المسرحية، برفقة كبار المخرجين وقتها أمثال، فتوح نشاطي، كمال ياسين، عبد الرحيم الزرقاني، محمد توفيق، الذين كانوا يأتون لإخراج المسرحيات في دمنهور"، موضحا أنه في هذه الفترة تبناه"وجيه أباظه" وعينه موظفًا في العلاقات العامة بمحافظة البحيرة، بعدما عرف ظروفه الصعبة التي يمر بها وتكفله بإعالة أسرته وإخوته، وبالفعل نجح "محمد" في التمثيل المسرحي من خلال مشاركته في العروض المسرحية بدمنهور في ذلك الوقت، فضلًا عن نجاحه في الموسيقى.

• بدأ حياته بطلًا على خشبة المسرح
وتحدث الفنان حسين نوح عن بداياته شقيقه، وقال، التقى الفنان محمد توفيق بمحمد نوح، في دمنهور، أثناء استعداده لإخراج مسرحية "الزوجة العاشقة"، فأعجب به، خاصة بعدما وجده يجيد العزف على العديد من الآلات الموسيقية كالعود، الكمان، البيانو، الناي، فرشحة لبطولة مسرحية "سيد درويش" على المسرح الحديث عام 1965، برفقة وداد حمدي، فهمي الخولي، أحمد أباظة، كارم محمود، وكانت هي بداياته في القاهرة، بطلًا على خشبة المسرح، وحققت المسرحية نجاحًا كبيرًا.

تابع: قدّم "محمد"نفسه في التلفزيون عن طريق فرق التلفزيون المسرحية، وقُبل فيها، فقدم مسرحيات "صابحة"، و"ناعسة" مع المخرج عادل صادق، وشارك في فيلم "الدخيل" 1967 إخراج نور الدمرداش، بالمشاركة مع الفنانين محمود المليجي، ليلى فوزي، زيزي البدراوي، حمدي غيث، صلاح قابيل، ثم شارك في فيلم "الزوجة الثانية" إخراج صلاح أبو سيف، في نفس العام، وبدأ يعمل في التمثيل، في هذه المرحلة جئت أنا إلى القاهرة، وقرر"محمد" أن تنتقل أسرتنا إلى القاهرة، وبعدها بدأ محمد يعمل في المسرح بشكل أوسع، من خلال مسرحية "انت اللى قتلت الوحش"، "بلدي يا بلدي"، "الزوبعة"، فأصبح عضوًا في المسرح الحديث وقت أن كانت ترأسه الفنانة "سميحة أيوب".

• الشاعر إبراهيم رضوان هو صاحب كلمات "مدد مدد شدي حيلك يا بلد"
أما عن تأسيس فرقة "النهار" الموسيقية قال "حسين"، إن محمد نوح فكر في تغيير شكل الغناء، فأسس فرقة "النهار" الموسيقية، خاصة بعدما أحس أنه كَبُر، والأيام تمر به، وبدأ يغني كلمات مختلفة تمامًا، وهو ما لفت نظر العقلاء إليه، فكان يغني من كلمات كلًا من الشعراء، عبد الرحيم منصور، عبد الرحمن الأبنودي، زكي عمر، ابراهيم رضوان، الذي كتب له العديد من الأغنيات، منها أغنيته الشهيرة "مدد مدد شدي حيلك يا بلد" التي اختلف الكثيرين حول مؤلفها، حيث كان "نوح" برفقته في الحسين، وكتب"رضوان" "مدد مدد شدي حيلك يابلد" على ورقة علبة كبريت، فأحتفظ "نوح" بهذه الكلمات، ولحن المذهب من خلال البيانو، وأكمل "رضوان" بقية كلمات الأغنية.

وأكد "حسين" أن شقيقه محمد نوح لم يكتف بالعمل مطربًا او ملحنًا، بل زاد من طموحه في تغيير شكل الأغنية المصرية، فسافر إلى جامعة "ستانفورد"، ودرس الموسيقى لمدة خمس سنوات، وعاد للمشاركة في مسرحية "انقلاب" مع صلاح جاهين، التي قلبت المناخ المسرحي في مصر.

• كان أنجح نمرة في مصر
أما عن الغناء فأكد أن محمد نوح كان يغني أغاني سيد درويش، في الأفراح، والملاهي الليلية، وكان أنجح "نمرة" في مصر، وكان يحصل على أكبر أجر فنان آنذاك، فشارع الهرم كان يُغلق، والجمهور يأتي مسافرًا من محافظة الأسكندرية لحضور حفلاته.

• التلفزيون المصري يمنع عرض أعماله
مُنعت العديد من الأعمال للفنان محمد نوح من على شاشة التلفزيون المصري، عن هذا قال "حسين"، إن محمد نوح تم محاربته، بسبب خلافاته مع أحمد مسؤلين الدولة الكبار، فلا تُعرض أفلامه إطلاقًا، أو حتى الأعمال الدرامية التي شارك فيها سواء ممثل أو ملحن، مثل "الدخيل"، "شباب في عاصفة"، "المهاجر"، "كاليجولا"، "مارسيدس"، "ناعسة"، "صابحة"، موضحا أنه لم تكن تُذاع له سوى أغنية "مدد مدد شدي حيلك يا بلد" لأنها فرضت نفسها على الساحة، ومع ذلك لم تُعرض إلا بعد ثورة يناير.

• أنفق أمواله على الفن
وعن أيامه الأخيره قال "حسين"، لم يترك "محمد نوح" أموالًا بعد وفاته، لأنه أنفقها كلها بلا استثناء على الفن، فقد سافر إلى أمريكا وهو في سن الخمسين من عمره لدراسة الموسيقى في جامعة ستانفورد، ثم أسس استوديو صوت "النهار" الذي أصبح أكبر استوديو في الشرق الأوسط، الذي اشترى "نوح" كل أجهزته الصوتيه من خارج مصر، لتسجيل الأغاني بالشكل الحديث، سجل فيه العديد من كبار المطربين والملحنين، أمثال الموسيقار محمد عبد الوهاب، الملحن ميشيل المصري، والفنان محمد عبده، طلال المداح، ورده، فايزة، سميرة سعيد، وجمال سلامة، وكان الاستوديو يُحجز لمدة شهرين كاملين، واشترينا "سيارة" للتصوير، وكل هذه الممتلكات بيعت بأسعار زهيدة بعد وفاته.

•أصيب بذبحة صدرية بعدما سُلب منه مسرح النهار
أما عن أزمة مسرح النهار، حكى "حسين"، أن شقيقه استأج مسرح "النهار" بـ 70 ألف جنيه في الشهر، وكان ينفق على دعاية العروض المسرحية التي تُقدم على خشبة "النهار"، 13 ألف جنيه في اليوم الواحد، وانتجنا مسرحية "سوق الحلاوة" 1990، من تلحينه وإخراج السيد راضي، ومسرحية "سحلب" 1992 وهي من تأليفه وإخراجه أيضًا، وبسبب سلب أحد المسؤلين مسرح "النهار" الذي انفق عليه 8 ملايين جنيه تجديدات، حدثت له ذبحة صدرية أدت إلى وفاته.

• كل "جلاليب" محمد نوح هدايا من الرئيس السادات
عن علاقة الفنان محمد نواح بالرئيس محمد أنور السادات، قال "حسين"، كان الرئيس الراحل محمد أنور السادات، عاشق لمحمد نوح، فكان يهديه "الجلاليب"، فكل "الجلاليب" التي كان يرتديها "نوح" هدايا من السادات، وذات مرة اتصل "السادات" على تليفون منزلنا فردت "والدتي"، تسأل مين؟ فجاءها الرد: أنا السادات، فظنت أن أحد الأشخاص يمزح معها، فطلب "السادات" من مدير مكتبه أن يتصل بـ"نوح"، وقال "السادات": "أمك قفلت السكة في وشي يا محمد، بتقولي سادات مين، انت بتهرج يا أخويا".

كما أهدى "السادات" لـ"نوح" قطعة أرض، وكان ورق ملكيتها مع الأديب الراحل أنيس منصور، الذي كان يعرف قدر وقيمة الفن الذي كان يقدمه محمد نوح.

وأضاف: جمعت جلسات عديدة، بين "السادات" و"نوح" الذي غنى له في كل أفراح بناته، بناء على طلبهم، بعد شهرة "نوح" الواسعة، فلم تكن هناك مناسبة أو فرح في هذه الفترة إلا وتجد "نوح" ومعه نجوى فؤاد أو غيرها، وكان "السادات" يطلب من "نوح" أن يغني أغنيات مثل "احميني"، "الكوسة"، إلى أن توطدت العلاقة بينهم واكتشف "السادات" ثقافة "نوح" الواسعة، فزادت محبة "الساداته له.

• اللقاء التلفزيوني الأول لنجيب محفوظ بعد "نوبل" كان في منزل محمد نوح
تابع "حسين"، جمعت الفنان محمد نوح، بالعديد من الأدباء والمثقفين صداقات عديدة، مثل نجيب محفوظ الذي كان لقاؤه الأول التلفزيوني بمناسبة حصوله على جائزة نوبل في منزل محمد نوح، وكان معهم في تلك الليلة سكينة السادات، يحى شاهين، رغدة، رجاء النقاش، جلال العشري. كما جمعته علاقة قوية بسيد حجاب، مصطفى الفقي، أسامة الباز، وكان له صالون ثقافي، يحضره كل مثقفي مصر كل أسبوعين.

• تزوج ثلاث مرات ورفض الإنجاب من "نادية العج"
أما عن حياته حكى "حسين"، أنه كانت لمحمد نوح علاقات حب كثيرة، رغم أنه تزوج ثلاث مرات، ورفض أن ينجب من زوجته الثالثة والأخيرة "نادية العج" ورفض الإنجاب منها، لأنه كانت ثرية جدًا، فرفض أن يكون له أبناء منها يمتاز بالغنى، وبقية أبناؤه حالتهم المادية عادية.

• لم ينم على غير وسادة والدته بعد وفاتها
وعن علاقته بوالدته قال الفنان حسين نوح أن شقيقه، كانت له شخصية عجيبة جدًا، فظل ينام على وسادة والدته بعد وفاتها، ولم يضع رأسه على وسادة أخرى غيرها، حتى وفاته، والأعجب من ذلك أنه توفى يوم وفاتها وعلى سريرها، فبعد انتهاء صالونه، طلب مني أن يدخل الغرفة لينام على سرير والدته، وتوفى في 5 أغسطس 2012، في سلام كما كان يتمنى.

• طلب الموت آخر ثلاث سنوات من عمره
وعن الفترات الأخيرة في حياته قال "حسين"، كان محمد نوح يدخن بشراهة كبيرة، وعندما نصحه الأطباء، بالإقلاع عن التدخين، كان يرد: "مش مهم عمري يقل خمس سنين، لكن أعيش براحتي"، وكان آخر فترة في حياته صعبة جدًا، خاصة آخر ثلاث سنوات في عمره، حيث ضعف نظرة، وبدأ يطلب الموت، فسألته لماذا؟ فقال: "لا آكل ما أحب، ولا استطيع المشي جيدًا، ويريدون أن يحرموني من السجائر، ولا استطيع القراءة، ولا استطيع أن أعيش حياتي كما أريد، إذن فالموت أفضل"، لافتا الى ان محمد نوح كان يحب الرحبانية جدًا، وكان يحب سماع الموسيقى، وكان حلمه أن يصنع الموسيقى الخاصة، مثل السيمفونيات الأشبه بسيمفونيات بيتهوفن وغيره.

• خلدت محمد نوح بصالون ثقافي يحمل اسمه
واختتم الفنان حسين نوح حديثه قائلًا، كنت أجلس مع شقيقي محمد نوح، على كافتيريا "سوق الحميدية" التي كان يجلس عليها أكبر المثقفين في مصر، أمثال راخر رسام، عبد الوهاب مطاوع، يوسف إدريس، أمل دنقل، عبد الرحمن الأبنودي، سيد حجاب، مدكور ثابت، عاطف الطيب، مجدي أحمد علي، وكانت هذه الكافتيريا أكبر مجال ثقافي شكل وعيي وثقافتي، وكان يجىء إلينا عادل إمام وسعيد صالح وحسن مصطفى بعد انتهاء تقديمهم مسرحية "مدرسة المشاغبين"، يكملوا سهرتهم مع كل هؤلاء.

لهذا خلدت اسمه، وأسست صالون ثقافي يحمل اسم "محمد نوح"، لأنه هو الذي شكل وعيي من خلال قراءتي لكل الكتب التي كان يشتريها، وكان سببًا في أن تُنشر لي أعمال أدبية الآن، فهو الذي نصحني بالكتابة منذ البداية.