رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الولي الصالح.. كيف يدير عبدالهادي القصبي الطرق الصوفية في مصر؟

جريدة الدستور

«قطب الصوفية الأكبر».. هكذا يلقب أبناء مدينة طنطا بمحافظة الغربية، ومن بعدهم أبناء الطرق الصوفية فى عموم الجمهورية، ابنهم الدكتور عبدالهادى القصبى، الذى يشغل منصب زعيم الأغلبية فى مجلس النواب، برئاسته لائتلاف «دعم مصر»، فضلًا عن كونه رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية وشيخ مشايخها، ما يجعله شخصية من طراز خاص جدًا، لجمعه بين مهمتين، سياسية ودينية روحية. فى السطور التالية، تبحر «الدستور» فى عالم الشيخ الجليل، وترصد أبرز محطات مشواره السياسى والصوفى.




تخرج فى كلية التجارة.. حاصل على دكتوراه فى إدارة الأعمال جده قطب كبير.. ووالده كان صديقًا شخصيًا لـ«السادات»
ينتمى الدكتور عبدالهادى القصبى إلى عائلة من أكبر العائلات الصوفية فى محافظة الغربية، وتحديدًا بأكبر مدنها طنطا، فجده الشيخ القصبى من كبار أقطاب التصوف، وفق محمد عبدالمجيد، عضو إحدى الطرق الصوفية فى المدينة. ويوضح «عبدالمجيد»: «الشيخ القصبى الكبير هو الذى أنشأ الطريقة القصبية الصوفية، التى تنتشر فى الغربية ومحافظات الجمهورية كافة، لكن يزيد أتباعها فى الغربية على أى محافظة أخرى، نظرًا لوجود ضريح الشيخ المؤسس وأسرته بها».
استمر سلسال عائلة شيخ مشايخ الصوفية فى العمل العام والروحى، ولم يعش أبناؤها على مآثر جدهم القطب الصوفى الكبير، واختار كل منهم طريقه الخاص به، فوالد الشيخ عبدالهادى هو أحمد القصبى الذى شغل منصب محافظ الغربية طوال ١٣ عامًا، وكان شيخًا لمشايخ الصوفية أيضًا.
ووفق الدكتور أحمد لقمة، وكيل وكلاء الطرق الصوفية المصرية، فإن والد «القصبى»، كان صديقًا شخصيًا للرئيس الراحل محمد أنور السادات، والذى كان يأتى إلى طنطا متخفيًا لزيارة «القصبى الكبير» (الجد) فى منزله، وكان الأخير يصطحبه إلى المسجد الأحمدى، حيث حضرة مقام السيد أحمد البدوى فى طنطا. وفيما يتعلق بـ«القصبى» نفسه، فإنه تخرج فى كلية التجارة، وحصل على دكتوراه فى إدارة الأعمال، وترأس بنك الائتمان المصرى الأمريكى فى الغربية، ثم تفرغ لمنصب شيخ مشايخ الصوفية، ليعمل على حل مشكلات الطرق والزوايا الصوفية فى مصر. وكشفت مصادر، عن أن «القصبى» تزوج فى سن مبكرة، وأنجب ذكورًا وإناثًا، وهو متابع جيد لرياضة كرة القدم، وله العديد من الأنشطة الثقافية والاجتماعية، فضلًا عن اهتمامه الأساسى بالكتابة والتأليف والتحقيق فى التراث الصوفى، إلى جانب العمل على مؤلفاته الاقتصادية.
ويشير عضو الطرق الصوفية فى طنطا، محمد عبدالمجيد، إلى أن «القصبى» رجل متواضع، لم تغير أخلاقه المناصب السياسية أو الدينية التى شغلها ولا يزال، موضحًا أنه «حتى بعد أن أصبح شيخًا للطرق الصوفية، وعضوًا فى مجلس الشورى، ثم عضوًا فى مجلس النواب، ورئيسًا للجنة التضامن به، وزعيمًا للأغلبية فى البرلمان، لم نجده يتفاخر بذلك أو يرفض مقابلة أبنائه من الطرق الصوفية، أو من مدينة طنطا، بل على العكس أصبح بيته مفتوحًا أكثر من أى وقت مضى، وعندما نلتقيه فى مسجد القصبى بطنطا، نجده إلى جوار المريد والدرويش وشيخ الطريقة، لا يفرق بين أحد»، وهو ما يرجعه إلى أن «الأصل الطيب هو كلمة السر فى ذلك».
ورغم هذا التاريخ الكبير للعائلة، فإنها «معروفة بأدبها ومحبتها لجميع أهالى طنطا والغربية، وتساعد المحتاجين وتنصف الضعفاء ضد الأقوياء، لذا نالت محبة كبيرة، تجلت فى فرح المواطنين بفوز القصبى فى الانتخابات البرلمانية السابقة، إذ تجمعوا أمام منزل الشيخ، وأقاموا الاحتفالات حتى الصباح الباكر»، وفق «عبدالمجيد».



يستقبل وزراء فى «العزبة» زائر دائم لـ«أولياء الله» ويتبرك بـ«العمامة الأحمدية»
داخل المقر الرئيسى للطريقة القصبية، مسجد القصبى فى مدينة طنطا، تقام الاحتفالات الدينية الكبرى وحلقات الذكر والحضرة الأسبوعية بشكل دائم، وفى كثير من الأوقات يشارك «القصبى» فى هذه الحضرة، ويقول أحمد المدد، أحد أتباع الصوفية فى الغربية، إن «المسئولين ورجال السياسة وعلماء الدين الإسلامى وشيوخ التصوف من دول العالم كافة، يأتون لزيارة الدكتور فى المسجد الأحمدى، أو فى عزبة القصبى التى ورثها عن والده، وكثيرًا ما رأينا سفراء ووزراء ومسئولين يجلسون فى حضرته، ويتحدثون عن التصوف والإسلام ودور الطريقة فى نشر التصوف». ويرى «المدد» أن «القصبى» ينشر التصوف الإسلامى بأخلاقه ومعاملاته، موضحًا أن «أدبه وحسن حديثه الدائم مع كل من يجلس معه، يجعل الجميع يأخذ فكرة جيدة عن التصوف، فهو يتحلى بأخلاق أقطاب الصوفية الكبار، لنشر المنهج والفكر الصوفى فى حِلّه وترحاله».
وتحدث خالد الشناوى، الباحث فى الشأن الصوفى، عن علاقة «القصبى» بأولياء الله وآل البيت، واصفًا إياها بـ«الوطيدة»، والتى تظهر فى «حرصه على زيارة الإمام الحسين بن على والسيدة زينب وزين العابدين والسيدة نفيسة وشيخ العرب سيدى أحمد البدوى، بجانب حرصه على ارتداء العمامة الأحمدية، تبركًا بها واستمدادًا للنصر من معين أنوارها».
وفيما يتعلق بدوره كشيخ مشايخ الطرق الصوفية، فإن «القصبى»، بحسب مصادر خاصة فى الطرق الصوفية، تنازل بعد انتخابه عن جميع الامتيازات الخاصة بالمنصب، مثل الراتب والسيارة، وغيرهما من الامتيازات الممنوحة لشيخ مشايخ الصوفية. ولم يكتف «القصبى» بالتنازل عن هذه المزايا، بل إنه «يقدم دعمًا ماليًا لمجلة (التصوف الإسلامى)، التى تصدر عن المشيخة العامة للطرق الصوفية والمجلس الأعلى للطرق الصوفية فى مصر، وذلك من ماله الخاص، حتى لا تتوقف طباعتها، بعد أن أصبح المبلغ الذى خصصه الرئيس الراحل أنور السادات لدعم المجلة (٢٥ ألف جنيه) لا يكفى مصاريف الطباعة التى زادت أضعافًا مضاعفة».
وعلق الدكتور أحمد لقمة، على قيادة «القصبى» للمؤسسة الصوفية، قائلًا إنها جاءت فى فترة عصيبة من عمر الوطن، بعد الفوضى التى أعقبت ٢٥ يناير ٢٠١١، ومحاولات الجماعات السلفية الوهابية وتنظيم الإخوان القضاء على التصوف الإسلامى فى مصر، الذى تجلى فى منع احتفالات أهل التصوف، وهو ما واجهه الشيخ، الذى أصر على تنظيم الفعاليات والشعائر فى أوقاتها دون خوف من جماعة أو فصيل سياسى أو دينى.



سعى لتجديد الدماء من خلال دعم الزوايا
لم يتوقف دور الدكتور «القصبى» عند التصوف فقط، ويحفل تاريخه السياسى بالكثير من الأمور التى جعلته من كبار رجال السياسة، إذ انتخب عضوًا فى الجمعية التأسيسية المصرية عام ٢٠١٢، ثم انتخب عضوًا بمجلس النواب المصرى، ثم رئيسًا للجنة التضامن بمجلس النواب، كما انتخب مؤخرا رئيسًا لائتلاف دعم مصر، وبهذا أضحى زعيمًا للأغلبية بمجلس النواب.
وقال خالد الشناوى، الباحث فى الشأن الصوفى، إن اشتغال «القصبى» بالعمل العام بدأ منذ أن كان طالبًا بالمرحلة الجامعية، ودائمًا ما عمل خلال رحلته على تجديد دماء التصوف وتصحيح المفاهيم المغلوطة عنه، بأن جعله منخرطًا فى العمل العام، وليس بمعزل عن قضايا الأمة والوطن، كما عمل على تجديد الفكر ودعم فى ذلك الأقلام الشبابية الهادفة، من خلال منبر الصوفية، مجلة «التصوف الإسلامى». وراح «القصبى» من خلال عمله السياسى والصوفى، ينشر الأفكار الوسطية ويحارب التطرف، وفق ما يقول الدكتور سيد مندور، نائب الطريقة السمانية، مضيفًا أن «القصبى قدم الكثير للطرق والزوايا الصوفية فى مصر، منذ توليه المسئولية، وتحمل مسئولية المؤسسة الصوفية فى فترة كادت أن تعصف بها». واختتم بأن «الشيخ أطلق يد الطرق الصوفية فى مصر، لتجديد الخطاب الدينى والتصدى للتيارات والأفكار المنحرفة، خاصة فى عام ٢٠١٣ الذى شهد ثورة الشعب ضد جماعة الإخوان، إذ كانت الطرق الصوفية تعمل فى الشارع وتقيم المؤتمرات والملتقيات، لتوعية المواطنين بخطورة الانضمام إلى الجماعات الإرهابية».
وتقديرًا لجهوده تلك، حصل على وسام الجمهورية من الطبقة الأولى عام ٢٠١٥، خلال احتفالات مصر بالمولد النبوى الشريف، وتسلمه من الرئيس عبدالفتاح السيسى، لدوره فى التصدى للتطرف والإرهاب، وتقديم الخطاب الدينى الوسطى. وخلال الانتخابات الرئاسية، الأولى والثانية على حد سواء، دعم «القصبى» الرئيس عبدالفتاح السيسى، وأعد فى الأخيرة- وفق الدكتور أحمد لقمة وكيل وكلاء الطرق الصوفية- غرفة عمليات لمتابعة مشاركة أتباع الطرق الصوفية فى التصويت لصالح الرئيس السيسى، مضيفًا أن «هذه الغرفة كانت فى القاهرة، وتم العمل فيها بمشاركة عدد من شباب وشيوخ الطرق المخلصين والمحبين لمصر ولشعبها».