رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"عقوبة الإعدام".. إبداع الإنسان في طرق الموت

جريدة الدستور

منذ بدايات التاريخ البشري، رُسخت عقوبة الإعدام، بعد أن وضع الإنسان نظمًا لتطبيق العدالة وعقاب المذنبين، بداية من العقاب البدني، والعزل، والنفي، والإعدام.

المجتمعات القلبية الصغيرة، عادة ما تكون الجرائم نادرة، وهو ما يدفع صاحب القرار للتردد في الحكم بالموت أو النفي على أحد أفراد العشيرة، ولهذا كانت عقوبة الإعدام تطبق بشكل نادر وقليل، إلا إذا كان مركتب الجريمة من خارج العشيرة، في هذه الحالة كانت الجريمة الصغيرة كالسرقة مثلًا، تعتبر إهانة موجهة للقبيلة والعشيرة كلها، لذا كان لابد من توقيع أقصى عقاب وهو الإعدام.

ظهرت المكليات والإمبراطوريات، فانقسم الناس إلى نبلاء وعبيد، وظهرت القوانين المكتوبة التي تهدف لتنظيم العلاقة بينهم، ووضع العقوبات المناسبة لكل جريمة على حدة، وكانت قوانين "حامورابي" هى أولى القوانين المكتوبة التي تحتوي على عقوبة الإعدام، ثم جاءت التوارة لتحدد الجرائم التي تستوجب الإعدام: القتل وممارسة السحر وتدنيس يوم السبت والتجديف والزنا والعديد من الجرائم الجنسية الأخرى، حتى وصل عدد الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام إلى أكثر من 30 جريمة، ثم جاءت قوانين الإغريق القدامي التي كتبها دراكو عام 621 قبل الميلاد لتنص على عقوبة الإعدام على معظم الجرائم إن لم يكن كلها، حسبما جاء في كتاب "30 طريقة للموت، تاريخ وسائل الإعدام في العالم" لميشيل حنا.

زاد استخدام العقوبة "الإعدام" في بريطانيا في القرن الثامن عشر، حيث كانت هناك 222 جريمة يعاقب مرتكبيها بالإعدام، ومن بينها قطع شجرة وسرقة الحيوانات.

بعد مرور السنين، وصولًا للقرن الـ21 كان هو أكثر القرون دموية في حياة البشر، الحرب العالمية الأولى والثانية، وموت آلاف مؤلفة من البشر في الحروب، وتصفيات على أسس عرقية ودينية، وصدور الأحكام العسكرية ضد الجنود الذين يهربون من المعركة أو يتهربون من التجنيد أو يعصون الأوامر.

وبالدراسة الديموجرافية، وُجد أن العقوبة يرتبط تطبيقها بالدول الديموقراطية والفقيرة اقتصاديًا والمكتظة سكانيًا، باستثناء الولايات المتحدة واليابان وتايوان وكوريا الجنوبية، فكلما زاد التقدم الاقتصادي وانتشرات الديموقراطية زاد الاتجاه لإلغاء عقوبة الإعدام.

دول تؤيد عقوبة الإعدام، وأخرى ترفضها، والأرجح أن الإتجاه الثاني هو الذي يتجه إليه بعض الدول الآن، فقد كانت أول دولة تقوم بإلغاء عقوبة الإعدام هى الجمهورية الرومانية "إيطاليا حاليًا" عام 1849، تلتها فنزويلا عام 1863، ثم البرتغال عام 1867.

اليوم يطبق الإعدام في 58 دولة حول العالم تقريبًا، تأتي الصين ضمن أكثر الدول من حيث تطبيق عقوبة الإعدام، ففي عام 2004 طبقت الصين العقوبة على أكثر من 3400 شخص، أي بنسبة 90 من حالات الإعدام التي تم تنفيذها في العالم في تلك السنة.

ولم يختلف شىء في الصين بالنسبة للعقوبة، حتى بعد تراجع نسبة تطبيق العقوبة في السنوات الأخيرة، فمنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان أشارت إلى ان الصين مازالت تتصدر قائمة الدولة التي تنفذ فيها العقوبة من حيث العدد سنويًا، لكن الدولة تتكتم على العدد، وبعد الافتراضات التي أشارت الى إمكانية إلغاء العقوبة قالت القاضية لي تشايو لوكالة "بكين"، أن الظروف لم تجتمع بعد لإلغاء عقوبة الإعدام في الصين، فالتاريخ والثقافة، كلها تفرض بقاء العقوبة.

قطع الرأس.. أقدم وسائل الإعدام
قطع الرأس أقدم وسيلة للإعدام، كان تتم عن طريق الفأس أو السيف أو السكين، أو باستخدام وسيلة أكثر تطورًا وهي المقصلة، وكانت تطبق على مرتكب جرائم القتل العمد، الحوادث العنيفة التي عادة ما كانت تحدث في المصانع عند التعامل مع الآلات الخطيرة.

كان تعلق رءوس المجرمين في الأماكن العامة لفترة من الوقت ليكونوا عبرة لغيرهم، في انجلترا في العصور الوسطى كانت الرءوس المقطوعة تعلق على جدران برج لندن وفي مصر كانت تعلق على باب زويلة، وفي بعض فترات التاريخ كان قطع الرأس يعتبر شرفًا ووسيلة موت أرستقراطية للموت، خاصة بالنسبة للمحارب إذا تمت بالسيف، عكس ما كان الحرق والشنق طرقًا غير مشرفة.

إذا كان السيف أو الفأس حاد النصل، فالموت يكون سريعًا وبدون ألم، واذا كان غير ذلك، فسيحتاج الجلاد إلى "بقشيش" عبارة عن عملة ذهبية، يدفعه الضحية، كي يقوم الجلاد بعمله وبالتالي يحصل على موت سريع وبدون ألم.

مع مرور الزمن، تم إلغاء قطع الرأس في معظم أنحاء العالم بسبب الاعتقاد بأن الرأس المقطوع يظل حيًا لفترة زمنية ما، ويظل قادرًا على الإحساس بالألم، فالعديد من الحكايات الفرنسية من عصر المقصلة عن رءوس مقطوعة كانت تغيّر وجهها أو تحرك شفتيها بعد القطع مباشرة، ورغم ذلك ما زال قطع الرأس في بعض الدول الإسلامية مثل قطر،السعودية، اليمن، إيران.

الحرق.. تاريخ طويل مع البشر
للإعدام بالحرق تاريخ طويل مع البشر، وكان هو الطريقة المفضلة لإعدام الساحرات، والخونة والمهرطقين، حيث يربط الضحية في عمود خشبي، ويوضع أسفل منه المواد القابلة للاشتعال ثم يتم إضرام النار فيها، ومع تمدين الإنسان وظهور الحكومات بشكلها الحديث، لم تعد العقوبة مستخدمة.

في أيام الدولة الرومانية تم إعدام آلاف المسيحين بالحرق، وفي أيام الدولة البيزنطية كان الحرق هو وسيلة إعدام أتباع الديانة الزرادشتية عقابًا لهم على عبادتهم النار، وكان الحرق وسيلة إعدام شائعة في إنجلترا واستكلندا يعاقب بها المهرطقين والسحرة والخونة والقتلة، وأحيانًا كانت تستعمل الرأفة فيتم خنق المحكوم عليه بالإعدام قبل أن تصل إليه النيران.

ورغم أن الإعدام بالحرق محرم حسب الشريعة الإسلامية، إلا أنه كان مستخدمًا خلال الحكم الإسلامي، خاصة في العصر العباسي الثاني، وقد حُرق الصوفي الكبير الحسين بن منصور الشهير بالحلاج عام 309 هجرية، حسبما ذكر ميشيل حنا في كتابه "30طريقة للموت".

الموت بألف جرح.. طريقة الموت الأشنع
الموت بألف جرح، هى الطريقة الأشنع بين كل وسائل الإعدام المعروفة وغير المعروفة، فهي تعمد إلى جعل الضحية يعاني من آلان شنيعة تستمر لعدة أيام قبل أن تحدث الوفاة، ويكون على الجلاد الحفاظ على حياة الضحية، وبالتالي آلامه، لأطول فترة ممكنة.

ظلت هذه الطريقة مستخدمة في الصين حتى عام 1905ـ يتم قطع أجزاء من لحم الضحية على عدة أيام، ويعطى الضحية جرعات من الأفيون على فترات متباعدة كى لا يموت من الألم أو الصدمة العصبية، ويظل حيًا ليتم قطع أجزاء أخرى من جسده في الأيام التالية.