رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتجدد.. مصطفى الفقى: مذكراتى تحت عنوان «رواية».. قريبًا

جريدة الدستور

تقديرًا لعطائه الفكرى والثقافى، اختارت أمانة مؤتمر أدباء مصر الثالث والثلاثين، الدكتور مصطفى الفقى، مدير مكتبة الإسكندرية، ليكون رئيسًا لتلك الدورة التى تقام فى مدينة السحر والجمال مطروح، تحت عنوان «المنتج الثقافى بين الإبداع واقتصاديات الصناعة».
«الدستور» التقت «الفقى»، الذى صدر له كتاب جديد على هامش المؤتمر بعنوان «العرب والذاكرة القومية»، وأجرت معه حوارًا، رأى فيه أن مشكلة مصر فى الثقافة، وليست فى الاقتصاد أو السياسة.
واعتبر المفكر الكبير أن مجموعة القيم والتقاليد التى تحكم حياتنا أصبحت خارج إطار التاريخ وتحتاج إلى إعادة نظر، وأن ذلك لا يتأتى إلا بالإلحاح على أهمية الثقافة للأجيال الجديدة، وبدا متفائلًا وهو يقول: إن «هناك بوادر صحوة ثقافية عامة ومسئولية تنبع من الفهم العام فى المجتمع لأهمية الثقافة». وكشف فى الوقت ذاته عن اعتزامه جمع مذكراته، المتناثرة فى عدة كتابات أصدرها عن حياته ومشواره، فى كتاب تحت عنوان «رواية»، مشددًا على أنه يريد كتابة كل ما يتصل بحياته بكل أمانة وصدق، وبقدر كبير من الشجاعة.
■ بداية.. ما الذى يحمله عنوان مؤتمر أدباء مصر الـ٣٣ «المنتج الثقافى بين حرية الإبداع واقتصاديات الصناعة»؟
- العنوان يتوافق تمامًا مع التطورات الجديدة فى تكنولوجيا المعلومات، وتأثيرها على حركة الثقافة وتطورها، فلم تعد الثقافة مجرد كلمات وعبارات رنانة، بل أصبحت شيئًا ملموسًا يصل إلى الناس، بحسابات اقتصادية معينة، لذا سعيد باختيارهم ذلك العنوان، واختيار طلعت حرب رمزًا للمؤتمر، فلا ننسى أنه أنشأ استديو مصر، وشركات الغزل والنسيج، وكثيرًا من المشروعات التى تخدم الثقافة، باعتبارها سلوكًا إنسانيًّا، وفى نفس الوقت ترتبط مباشرة بالحياة الاقتصادية، لأن الإنسان فكر وعقل واحتياجات لا بد أن توفر له، وهذا نوع من التفكير لا بد أن يقترب من الإنسان الطبيعى خصوصًا فى هذا العصر.
■ ماذا عن رؤيتك للثقافة باعتبارها منتجًا اقتصاديًا وفق ما يشير إليه عنوان المؤتمر؟
- هناك مسئولية مجتمعية للثقافة، كما يوجد دور ثقافى لأفراد المجتمع، ومكتبة الإسكندرية فتحت أبوابها لجميع المبدعين واتجهت لحضارات الشرق الآسيوى بناءً على تعليمات الرئيس، وصناعة الثقافة والإبداع هى صناعة الحياة فى وجه صُناع الموت، فقوة مصر الإقليمية والدولية نبتت من ريادتها الحضارية والإبداعية.
■ كيف تكون الثقافة مصدرًا للدخل القومى؟
- بالسينما، فمن الممكن أن تكون مصدرًا لمليارات الدولارات سنويًا، فلماذا لا نركز عليها؟ ونجعلها مصدرًا للسلع الثقافية، وهى أغلى سلعة على الإطلاق، ولها مردود اقتصادى كبير بالتأكيد، لكن ذلك يتم بالتنظيم، وإحياء حركة التأليف والنشر والترجمة، وإذا استطعت أن تصدر الفيلم المصرى من جديد، والمسرحية المصرية، فكل هذه الأمور تعود عليك بالنفع المادى، فالاستثمار فى الثقافة من أكثر أنواع الاستثمار تأثيرًا ودخلًا إذا نجح.
■ كيف ترى دور المؤتمرات الثقافية والفنية والأدبية فى بناء الإنسان بصفة عامة؟
- الإنسان مكوناته ثقافية بالدرجة الأولى، ومشكلة مصر فى الثقافة، وليست فى الاقتصاد أو السياسة، فهناك مجموعة من القيم والتقاليد التى تحكم حياتنا خارج إطار التاريخ وتحتاج إلى إعادة نظر، وهذا لا يتأتى إلا بالإلحاح على أهمية الثقافة للأجيال الجديدة.
■ كيف تنظر للربط بين الخطابين الدينى والثقافى من منظور أن الدين هو مصدر الثقافة؟
- المنظور الثقافى هو الأهم والأقوى، لأنك لا تستطيع الحديث عن تجديد الخطاب الدينى وبقية أنواع الخطابات غير مجددة، فالخطاب الثقافى متهالك، والخطاب الاقتصادى متراجع، والخطاب السياسى مضروب، فلا بد أن يكون الخطاب واحدًا فى النهاية، فيصبح فى هذه الحالة الخطاب الدينى جزءًا من سياق أو منظومة، لكن لا تستطيع أن تنزعه بمفرده وتقول إنه هو الذى ستتقدم به الأمة، وهذا لم يحدث، فلا بد أن يكون فى سياقه.
■ ما رؤيتك لقضية تجديد الخطاب الدينى إذن؟ وكيف يمكن تجديده؟
- هى قضية ملحة، لأنها تعنى أننا نخرج من دائرة التعصب والتشدد والغلو، وأن نركز فى الجانب المشرق فى الدين، خاصة أن هناك عملية انتقائية شرسة لاختيار الأحاديث المهجورة والقصص الغريبة فى الإسلام وتصديرها لنا، والصحف الغربية تقرأها وتكتب ضدها، وهو ما ينبغى أن ينتهى لأن الإسلام دين رحمة وتسامح.
■ ماذا عن مطالبة الأزهر طوال الوقت بتجديد الخطاب الدينى؟
- أحيانًا يقولها كثيرون لمجرد جرى وراء عبارة تقال، لكن أليس هذا الخطاب الدينى الذى نحتاج لتجديده يقتضى منا أن نجدد خطابات أخرى؟ المطلوب الخطاب العقلى، أن يتحول العقل المسلم إلى عقل نقدى لا يقبل الأشياء إلا باقتناع، ولا يعرف من الشريعة إلا صحيحها، ولا يختار من الفقة إلا ما يلائمه، لأن الرسول نفسه قال: أنتم أعلم بأمور دنياكم. فلا يجوز أن يزايد أحد على الإسلام، باستغلال أحاديث مهجورة وإلقاء الضوء عليها لتشويه الدين.
■ من هم الأحق بتجديد الخطاب الدينى من وجهة نظرك؟
- الأحق بتجديد الخطاب الدينى، المثقفون وحملة الأقلام وأصحاب الفكر، والمؤسسة الدينية، وخطبة الجمعة كمصدر للوعى فى القرية المصرية، والأدباء من خلال الرواية والقصة، والمدرسة والمعلم بالدرجة الأولى، ولن يتحقق هذا إلا بالحجز عند المنبع من البدايات، فهناك أجيال لا فائدة منهم، لذا نحن فى مكتبة الإسكندرية مثلًا نركز على الصبى فى سن ١٢ إلى ١٥ سنة، وهى السن التى تستطيع أن تؤثر فيها، ومن بعد ذلك ضاع منك، والأزهر لن يلحقه.
■ شهدت السنوات الأخيرة ظهور العديد من الصالونات الأدبية.. كيف يكون دورها فى تلك المرحلة؟
- دورها جيد ومطلوب، وتذكرنا بعصر مى زيادة والعقاد والصالونات التاريخية التى كانت معروفة فى فترة معينة من التاريخ، وتعنى بازدهار الثقافة وشبيهة بـ«الديوانية» لدى الكوايتة، وبـ«جلسات الونسة» لدى السودانيين، وهى أمور مستحبة، لتقليب الأفكار والحوار وفتح الموضوعات، لكن المفروض أن يكون دورها أقوى مما هى عليه الآن، فهى للأسف جلسات لتناول المشروبات والأحاديث العامة، ولا تتناول قضية حقيقية مهمة نتيجة عدم وجود خبرات أو برنامج واضح.
■ تعد واحدًا من رواد «أندية الطبقة الراقية» مثل «نادى العاصمة» وغيره.. كيف تراها الآن؟
- دورها تراجع الآن، لأن «السوشيال ميديا» حلت محل اللقاءات، فتجد طول اليوم الناس تسب بعضها وتتحاور على مواقع التواصل الاجتماعى، وهذه كارثة كبيرة، لأن شكل المجتمع والحياة سيتغير، لذلك الثقافة تحتاج لمراجعة لهذا السبب، فالكتاب يتراجع، والصحيفة الورقية اقتربت على الاختفاء، كل هذا يدعوك لمشاهدة الأدوات الجديدة وكيفية التعامل معها، وتأثير ذلك على الأجيال الجديدة.
■ يرى البعض أن هناك تحولًا ما أصاب مكتبة الإسكندرية منذ توليك مسئوليتها، ويقولون إن واجهتها الأوروبية بهتت قليلًا عما قبل فى حين يتألق ويبرز دورها على المستوى العربى.. فما تعليقك؟
- الذى يقول ذلك لا يدرى شيئًا، وكل شىء كما هو، وعلاقتنا قوية بالمنظمات الدولية، والمشروعات لا تزال كما هى، إنما يقال إن شخصيتنا المصرية والإفريقية والآسيوية جارٍ التركيز عليها، لكن ليس على حساب شخصياتها الدولية على الإطلاق، فعلاقتنا بـ«اليونسكو» قوية، وعلاقتنا بـ«معهد العالم العربى» قوية، وعلاقتنا بـ«المنظمة الدولية للمكتبات» أقوى، وعلاقتنا بالبرامج الدولية أشد. كما أن دولًا مثل إيطاليا وجامعات خاصة تسعى لأن تحوى سفارات معرفة تابعة لمكتبة الإسكندرية على أراضيها، فالمكتبة بؤرة إبداع ومركز تراث.
■ كيف ترى قانون حفظ التراث والمخطوطات الجديد؟
- نحن من أكثر بلدان العالم تعرضًا لنهب تراثه، فتم السطو عليه، وسرقته، وحقوق الملكية الفكرية لنا ضائعة، ويكفى أن تعلم أن دولة مثل إسرائيل تدعى أنها التى بنت الأهرام، وأنها هى التى اخترعت الفول والطعمية، كل واحد يأتى ليسطو على شىء مما لدينا، فلا بد من المحافظة على التراث.
■ ما روشتة استقلاليتنا الثقافية عن الآخر المسيطر؟
- أطالب بضرورة عقد قمة عربية ثقافية موازية للقمم السياسية، على اعتبار أن الشعوب لا ترتقى ولا تتقدم، إلا من خلال منتج ثقافى جيد، والعيش فى الوهم لسنوات بأن التحديث هو الاتجاه صوب الغرب، بينما يمكن أن يأتى التحديث من خلال الاتجاه شرقًا ناحية الهند والصين واليابان ودول شرق آسيا.
■ متى نرى مذكرات مصطفى الفقى؟
- مذكراتى تناثرت، فأنا أصدرت كتبًا كثيرة فيها حياتى آخرها الثلاثية «عرفتهم عن قرب»، و«شخصيات على الطريق»، و«ذكرياتى معهم»، وأريد أن أجمعها فى كتاب بشكل سردى تحت عنوان «رواية»، فيه الحوار والزمان والمكان، سأفعلها لأننى أريد أن أكتب كل ما يتصل بحياتى بكل أمانة وصدق، وبقدر كبير من الشجاعة.
■ كيف ترى اهتمام وزارة الثقافة بالأقاليم؟
- القرية المصرية ما زالت هى صانعة القيم ووعاء التقاليد، واهتمام الدولة حاليًا بعودة النشاط والزخم الثقافى فى محافظات مصر مؤشر إيجابى، لأنها ستجعل المواطن يحلم وينتج ويرى، وتعددية نظم التعليم فى مصر، بين تعليم دينى أزهرى، وآخر تعليم حكومى، وثالث أجنبى واستثمارى، أدى إلى تباعد ثقافى بين أبناء الجيل الواحد، وهنا يكمن دور الثقافة الجماهيرية المنوط بها صهر الشباب فى منظومة ثقافية واحدة. فالثقافة هى قاطرة التقدم، وهى التى تحوّل المواطن إلى مفكر يحلم ويصنع المستقبل.