رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحت خط النار.. كتاب أمريكى يكشف لماذا يخاطر مصورو الحروب بالتعرض للسجن والقتل

جريدة الدستور

سلّطت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، الضوء على الكتاب الجديد «Shooting War»، الذى أصدره الطبيب النفسى أنتونى فاينشتاين، عن حياة مصورى الحرب.
وقالت الصحيفة إنه بخلاف الجنود، لا يتم تدريب مصورى الحرب على حمل السلاح أو فنون القتال، ومع ذلك فهم يقضون معظم وقتهم فى الخطوط الأمامية خلال الحروب، وهم يعرفون جيدًا الخسائر والتحديات والمخاطر التى من المرجح أن تُفرض عليهم فى النهاية، ومنها الموت الذى لا يهابونه

حسب الصحيفة، فإن العمل اليومى للمصور الحربى ملىء بالتعقيدات، على عكس ما تطرحه هوليوود عن مصورى الحرب، والذى يشبه الفانتازيا، وكأنهم يعيشون حياتهم برومانسية، ويستطيعون الحصول على الحب خلال مهماتهم فى تصوير الحرب، لكن الحقيقة على عكس ما تجسده السينما الأمريكية، التى تتجاهل الشكوك والمخاوف، والمآزق الأخلاقية، والوحدة، والألم، التى تملأ أعماق المصورين خلال الحروب والنزاعات.

وعرض «فاينشتاين»، فى كتابه، تجارب ١٨ مصورًا حربيًا، من بينهم «دون مكولين، وتيم هيذرينجتون، وكورين دوفكا»، ورصد دوافعهم، وصدماتهم، ومرونتهم خلال تأدية عملهم الخطير.

وحسب «فاينشتاين»، فقد ألّف الكتاب، لأنه مؤهل بشكل جيد للحديث فى هذا الموضوع، لأنه كان مجندًا فى جنوب إفريقيا، ثم تحول إلى الطب فى ١٩٨٢، ورأى القتال فى ناميبيا، وبعد عقود أجرى أول دراسة عن الصدمات النفسية لمصورى الحرب، وأصدر كتابًا بعنوان «الصحفيون تحت النار: المخاطر النفسية لتغطية الحرب»، استنادًا إلى النتائج التى توصل إليها خلال تجربته الشخصية.

وكان الكتاب، المشار إليه، مادة لفيلم وثائقى أُنتج تحت عنوان «تحت النار»، والذى تم ترشيحه لجائزة الأوسكار، وحصل على جائزة «بيبودى»، فى تورنتو، حيث يعيش فاينشتاين، وقدم فاينشتاين الدعم النفسى لعدد لا يحصى من الصحفيين، والعديد منهم من المصورين، فى كتابه.

وخلال كتابه الجديد، روى «فاينشتاين» قصص صور حربية معروفة جيدًا، وبالرغم من الصراحة التى يكشف عنها المصورون، بينهم نساء، عن النضال مع الإجهاد اللاحق للصدمة، فإنهم لا يتكلمون عن الاكتئاب والمصاعب الشخصية الأخرى بعد انتهاء التجربة.

ويروى «فاينشتاين»، قصة أحد المصورين، وهو سيباستياو سالجادو، ويقول: «بعد توثيق الآثار المترتبة عن الإبادة الجماعية فى رواندا، شعر سالجادو بالحزن الشديد، واقتنع بأن البشرية قد ضلت طريقها»، ثم أضاف قصة مصور يابانى يدعى «نجا يانيس بهراكيس»، كان يعمل فى وكالة «رويترز»، موضحًا أن اثنين من أصدقائه قُتلا أمامه فى كمين فى سيراليون، قبل أن يزحف ثلاث ساعات فى الأدغال إلى بر الأمان، وعانى، فى وقت لاحق، من نوبات اكتئاب شديدة، لدرجة أنه بالكاد يستطيع الخروج من السرير فى الصباح.

ويرصد قصة مصور آخر: «جواو سيلفا، لدى صحيفة (نيويورك تايمز)، قضى سنوات فى تغطية حروب لا تُعد، وفقد أصدقاء كثيرين، قبل أن يفقد ساقيه فى انفجار عبوة ناسفة بأفغانستان». ويشير «فاينشتاين» إلى زاوية مهمة، وهى عدم تقدير المنصة التى يعمل فيها المصور الصحفى جهوده، ويقول: «قد تأتى الضربة من محررين لا مبالين ومديرين ورؤساء تحرير بلا شعور، فبعد ٢٥ عامًا من تغطية الصراع، والتى حصلت خلالها كارول جوزى، مصورة «واشنطن بوست»، على أربع جوائز بوليتزر، أبلغتها الإدارة بالاستغناء عنها».

ويضيف: «شعرت جوزى بأنها كُسرت، وقالت لى: «الجميع موجودون حولك وأنت حاصل على جائزة بوليتزر، لكن بعد ذلك، وبعد إنهاء عملى فى «واشنطن بوست» تدخل تلك الظلمة، وتكتشف من الذى يحبك حقًا».

ويقول «فاينشتاين»: إن المصورين فى الحروب يرون أن ما يواجهونه يتضاءل مقارنة بما يتحمله ضحايا الحرب أو الكوارث، ويكشف سانتياجو ليون، أحد المصورين الذين أُصيبوا فى البوسنة، عن أنه يعرف على الأقل عشرات من الزملاء، الذين قُتلوا فى العمل.

كما أوضح «فاينشتاين» أن فقدان الأصدقاء والزملاء أو فقدان الوظيفة هو أمر شائع بشكل متزايد فى صناعة تعانى من تقلص الميزانيات، ويعد من بين أكثر الأحداث إرهاقًا فى الحياة، فما وراء الجسد المكسور، هناك وعى متزايد بالضرر الذى لحق بالروح، وتشمل هذه الأنواع من الإصابات انتهاك القانون الأخلاقى للفرد، عن طريق ارتكاب أعمال فظيعة أو مشاهدتها أو منعها، ما يتسبب فى أزمة ضمير أو عار عاطفى».

ويتساءل «فاينشتاين» فى كتابه: «لماذا يخاطر المصورون بالتعرض للضرب أو السجن أو التعذيب أو احتجازهم مقابل فدية أو حتى تشويههم أو قتلهم.. وكيف يتعاملون؟»، وحسب تقديره، فإن كلًا منهم مدفوع ومدعوم بقناعاته ومبادئه، هذه تعد بمثابة نوع من الدروع العاطفية، ومصدر من المرونة، ويستشهد أيضًا بقول نيتشه: «لكى نستفيد أكثر من الوجود، علينا أن نعيش حياة خطيرة».

ويوضح: «حضور الحرب والصدمة التى تشبه التعرض لجرعة كهرباء كبيرة، والصداقات العميقة التى أقيمت تحت الضغط، وكذلك اللقاءات مع أرواح بشرية تصمد وتتصف بالنبل، رغم أن الحرب تفترسها، يُعد ترياقًا للرعب».

ويخلص «فاينشتاين» إلى أن هذه الإيجابيات تفوق بالتأكيد السلبيات، وتوفر جاذبية دائمة لأولئك الذين يملكون الرغبة الصحيحة للعمل فى مثل تلك الظروف