رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حصاد السيسى فى فيينا


باختتام فعاليات منتدى «إفريقيا- أوروبا»، مساء أمس الثلاثاء، وبإعلان نتائج اجتماعات الزعماء والقادة والوزراء وكبار المسئولين، فى العاصمة النمساوية، فيينا، على مدار يومين، تكون مصر قد خطت خطوتين فى اتجاهين مختلفين: جنوبًا وغربًا.. جنوبًا حيث القارة السمراء التى تولى مصر اهتمامًا بالغًا بدعم التنمية فيها، كما تستعد لتولى رئاسة الاتحاد الإفريقى مع بداية سنة ٢٠١٩، وغربًا حيث دول الاتحاد الأوروبى التى تستقبل نحو ٤٠٪ من إجمالى الصادرات المصرية.
بينما تمثل واردات مصر من دول الاتحاد نحو ٣٧٪ من إجمالى وارداتها، كما أن هناك العديد من الاتفاقيات الشاملة بين مصر ودول الاتحاد أبرزها اتفاق الشراكة المصرية- الأوروبية التى اكتملت جميع مراحل تنفيذه من الطرفين، بنهاية العام الحالى. وتتضاعف أهمية الخطوتين مع قيام مصر وست دول عربية، تطل على البحر الأحمر وخليج عدن، بتأسيس تكتل دول البحر الأحمر، «أرسقا»، الذى لن يربط فقط الدول المطلة على الممرين المائيين المهمين، بل سيربط أيضًا الدول العربية بإفريقيا. أمينًا لحركة الملاحة البحرية، وتعزيزًا لأمن واستقرار المنطقة، تم الاتفاق على تأسيس «أرسقا»، بعد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، انعقد الأربعاء الماضى (١٢ ديسمبر) فى العاصمة السعودية الرياض. ودعمًا للشراكة بين الغرب والجنوب، بين أوروبا وإفريقيا، جاءت مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أعمال المنتدى رفيع المستوى، تلبية لدعوة المستشار النمساوى سيباستيان كورتس، الرئيس الحالى للاتحاد الأوروبى، والرئيس الرواندى بول كاجامى، الرئيس الحالى للاتحاد الإفريقى. ومع الزعماء والقادة والمسئولين، شارك فى أعمال المنتدى جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية، وأنطونيو تايانى، رئيس البرلمان الأوروبى، وموسى فقى محمد، رئيس المفوضية الإفريقية.
منتدى «إفريقيا- أوروبا»، انعقد هذا العام تحت عنوان «التعاون فى العصر الرقمى» ويستهدف بحث تعزيز التعاون بين القارتين الأوروبية والإفريقية فى مجالات الابتكار والتحول التكنولوجى الرقمى، بمشاركة شركات أوروبية وإفريقية، بالإضافة إلى بحث سبل تمويل المشروعات الجديدة ودعم التنمية فى مجالات الزراعة وإنتاج الطاقة المتجددة لتحسين ظروف المعيشة فى الدول الإفريقية ودعم التنمية المستدامة. وعليه، كان طبيعيًا أن تتناول كلمة الرئيس خلال المنتدى رؤية مصر نحو دفع وتعزيز جهود التنمية فى إفريقيا.
الزعماء والقادة والوزراء وكبار المسئولين الأفارقة والأوروبيون، أجروا حوارًا عالى المستوى تحت عنوان «التعاون فى العصر الرقمى»، تناولوا فيه التعاون بين إفريقيا والاتحاد الأوروبى فى مجال الابتكار والتكنولوجيا الرقمية. كما عقدوا، على هامش المنتدى، عدة موائد مستديرة ناقشت قضايا التعاون الإفريقى الأوروبى فى مجالات الزراعة والتكنولوجيا، والتعليم العالى والبحث العلمى، والاستثمار فى المشروعات الجديدة، وربط المدن، ومواجهة التغيرات المناخية، وسبل تسريع التجارة الإلكترونية، والوصول إلى الطاقة المستدامة، والحكومة الإلكترونية. وبما أن الشىء بالشىء يُذكر، أو لأن الكلام بـ«يجيب بعضه»، نشير إلى أن دورة العام الماضى، من المنتدى، انعقدت فى العاصمة البلجيكية بروكسل، وركزت على إيجاد نموذج جديد للشراكة فى قطاع الأعمال الخاصة والمساهمة فى تحقيق أهداف تنمية عالمية مستدامة بحلول سنة ٢٠٣٠. وانتهت إلى إجراءات مهمة تمثلت فى دعم فرص الاستثمار دون مخاطر لخلق فرص العمل، وتوفير المساعدات التكنولوجية التى تسهم فى تحسين بيئة الأعمال لتكون أكثر ملاءمة للاستثمار، إضافة إلى التعاون الإفريقى- الأوروبى فى المجال السياسى، خاصة ما يتعلق بحقوق الإنسان والحكم الرشيد ومكافحة الفساد. وفى دورة العام الماضى، أيضًا، قرر الاتحاد الأوروبى تخصيص مبلغ ٣.٣٥ مليار يورو، حتى سنة ٢٠٢٠، لدعم التنمية التقليدية فى القارة السمراء.
التكامل بين الدول أصبح ضرورة، فى ظل الوضع الاقتصادى العالمى. وبما أن زيارة الرئيس للنمسا، هى الأولى لرئيس مصرى منذ نحو ١٢ سنة، كان طبيعيًا أن يجرى مباحثات مع المستشار النمساوى، تناولا فيها سبل تعزيز العلاقات الثنائية على مختلف الأصعدة، واتفقا على عقد اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادى والفنى خلال العام المقبل (٢٠١٩) لزيادة حجم التبادل التجارى بين البلدين، وإحداث نقلة نوعية فى العلاقات الاقتصادية المصرية النمساوية، وخلال المباحثات شهد الرئيس والمستشار النمساوى التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم المشتركة بين الجهات الحكومية المعنية فى البلدين للتعاون فى عدد من المجالات كالتكنولوجيا والابتكار، وتشجيع ريادة الأعمال، وتعزيز العلاقات الاستثمارية الثنائية، والتعليم العالى، والسكك الحديدية.
وتبقى الإشارة إلى أن مشاركة مصر فى منتدى «إفريقيا- أوروبا»، تضاف إلى تحركات أخرى كثير يقوم بها الرئيس عبدالفتاح السيسى، غربًا وجنوبًا، شرقًا وشمالًا، لتغيير آليات التعاون الدولى، وإعادة ترتيب الأولويات العربية والإفريقية والأوروبية، لمواكبة ما يشهده العالم من تحولات كبرى، ولمواجهة التهديدات والتحديات، الوجودية والمصيرية، التى فرضتها دول وكيانات انتهازية، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء.