رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العربى فى الستين


لا أتذكر، بالضبط، متى تلقيت تلك الصدمة، صدمة أن مجلة «العربى» لا تصدر فى مصر، بل فى الكويت. لكن ما يمكننى تأكيده هو أننى كنت صغيرًا جدًا، وأن ذلك كان قبل يونيو ١٩٨٢، لأن أحمد بهاء الدين كان، وقتها، رئيسًا لتحرير المجلة التى كانت (ولا تزال) أشهر المجلات العربية، الثقافية العلمية، وأوسعها انتشارًا.
الكاتب الكبير، رحمه الله، تولى رئاسة التحرير منذ بداية ١٩٧٦ حتى منتصف ١٩٨٢، ليكون ثانى رئيس تحرير للمجلة بعد مؤسسها الدكتور أحمد زكى (أحمد زكى محمد حسين عاكف)، أول أستاذ مصـرى للكيمياء، بكلية العلوم، جامعة القاهرة، وأول رئيس مصرى لـ«مصلحة الكيمياء»، ومؤسس المركز القومى للبحـوث والمجمع المصرى للثقافة العلمية. كما كان عضوًا فى المجلس الأعلى لدار الكتب، وعضو مجامع اللغة العربية بالقاهرة ودمشق وبغداد. واختارته حكومة الثورة، ثورة ٢٣ يوليو، مديرًا (رئيسًا) لجامعة القاهرة. قبل أن يذهب إلى الكويت، ليؤسس مجلة «العربى» التى ظل رئيسًا لتحريرها حتى أكتوبر ١٩٧٥ أى حتى وفاته، ونجح خلالها فى طرح صيغة مختلفة للمجلة الثقافية العلمية، توارثها من جاءوا بعده، وأضافوا إليها.
صيغة مختلفة، بدأت مع الإعلان الذى نشرته مجلة «المصور» قبيل صدور العدد: المفاجأة الصحفية الكبرى المنتظرة.. العدد الأول من مجلة العربی، يصدر يوم الإثنين المقبل أول ديسمبر، الثمن ٨ قروش. المجلة الأولى من نوعها فى الشرق الأوسط. تنقد ولا تبالى وتتقبل النقد. نهدف إلى أن نبلغ بها مبلغ المجلات العالمية. غزارة مادة.. حُسن إخراج.. كثرة صور.. طيب فكاهة. فيها أدب، علم، طب، فن، قصص، ذرة شعر، تمثيل، سينما، مسرح، إذاعة، ثورة، حب، زواج، إلخ إلخ. رئيس تحريرها العالم الأديب: الدكتور أحمد زكى.
بعد الكبيرين، أحمد زكى وأحمد بهاء الدين، تتابع على رئاسة التحرير محمد الرميحی، سليمان العسكری، وعادل سالم العبدالجادر، رئيس التحرير الحالى. وطوال السنوات الستين، لم تتوقف المجلة عن الصدور إلا لسبعة أشهر، هى فترة الاحتلال العراقى للكويت. وكانت لفتة طيبة أن يتم الاحتفال بعيد الميلاد الستين للمجلة فى القاهرة، وأن يكون عنوان الاحتفالية هو «مصر بعيون مجلة العربى»، وهى لفتة يستحق عنها الشكر الدكتور محمد صالح الذويخ، سفير الكويت بالقاهرة، ويستحق شكرًا مضاعفًا لأنه أهدانا نسخة من عدد المجلة الأول، ستدرك وأنت تتصفحه أن الإعلان، الذى نشرته مجلة المصور، لم يكن يبالغ، ولم يعد القارئ إلا بما تحقق فعلًا.
من الجزائر غربًا إلى البحرين شرقًا، ومن العراق شمالًا إلى اليمن جنوبًا. وعن «القاهرة فى منتصف الليل» ستجد سبع صفحات تتضمن «مجموعة من الصور التى سجلتها عدستها الخاصة فى منتصف الليل، لمدينة القاهرة، عروس الشرق وقلب العروبة النابض». وبعد أن يسألك المحرر: هل رأيت القاهرة فى منتصف الليل، هذه الأيام؟، يجيب: إنها أشبه بعروس فى ليلة الزفاف.. فهى تبدو وكأنها قطعة من نور يطغى على ظلام الليل حتى ليكاد يمحوه. إن حركة التجميل التى شهدتها العاصمة الأولى فى الشرق العربى فى السنوات الأخيرة قد غيرت الكثير من معالم المدينة التاريخية التى بلغت من العمر ألف سنة أو تزيد.. و.... و..... إلخ.
فى عدد المجلة الأول، يستقبلك رئيس التحرير، بشرح فلسفة اختيار الاسم: «أسميناها العربی، وما كان اسم بوافٍ بتحقيق ما يجول فى رءوس رجال الوطن العربى كله ورءوس نسائه، من معانٍ، وما تستدفئ به قلوبهم من آمال، كاسم العربى فى حسمه وإيجازه». وفى هذا المقال، المقال الافتتاحی، ستستوقفك وستدهشك تلك الفقرة: «والعربى لا تصل معنى العروبة بدين، فكل الناس عباد الله. وكلٌ سالك إليه سبيلًا. والسبل اختلفت والغاية واحدة. والحى يسعى لتأمين الحياة، وبالدين هو يسعى لتأمين ما بعد الحياة. والتجربة الإنسانية الدامية عبر القرون، دلت على أن الدين، وهو سبيل الناس لتأمين ما بعد الحياة، ذهب بأمن الحياة ذاتها. فلم يبق عاقل مفكر، يستمسك بحرية الفكر التى هى هبة من هبات الله، إلا يقول اليوم: دعوا الناس تسلك إلى الله أى طريق تشاء. وحتى غير السالك، عليه هو وحده تبعة أنه لا يسلك، لا على الناس».
.. وأخيرًا، ستجد على الغلاف الأخير إعلانًا ينصحك بأن تحجز (من الآن) سيارتك المفضلة «أولدزموبيل ١٩٥٩»، مع تليفون من ٤ أرقام، لو اتصلت به، الآن، سترد عليك «السيدة إياها» بأن هذا الرقم غير موجود بالخدمة. لكنك، لو طالعت العدد الحالى من مجلة «العربى»، عدد ديسمبر ٢٠١٨، ستدرك أن المجلة لا تزال فى الخدمة: فى خدمة الثقافة العربية والقارئ العربى.