رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرجل الذي حول المشاهدين العاديين الى مثقفين سينمائيا


لا يعتبر الشخص المدمن على مشاهدة الافلام ومتابعة النجوم والالمام بتاريخ المخرجين وقائمة اعمالهم بانه مثقف سينمائيا، هذا المدمن قد يقول معلومات قيمة حفظها عن ظهر قلب ويرددها بتفاخر في محافل وتجمعات الاصدقاء. لكنه يعجز عن تذوق مايشاهده وفك شفرات الرسائل غير المباشرة التي يبعثها الفيلم للمتلقي، كمايعجز عن معرفة دور الالوان في المشاهد المختلفة. الثقافة السينمائية المقصودة هنا هى تلقي العمل السينمائي بصورة اعمق واكثر وعيا والانتباه للتفاصيل الفنية والسردية المعروضة على الشاشة ومعرفة انه -علي سبيل المثال- "الماستر سين" لا تعني اللقطة المهمة في الفيلم او لحظة الذروة ولكنها اللقطة التي تم تصويرها "وان شوت" بدون قطع!

واذا بدأنا الحديث عن الثقافة السينمائية فاننا يجب ان نقول يوسف شريف رزق الله اهم واشهر النقاد في مصر والوطن العربي، الذى علم اجيال من متابعي السينما كيفية قراءتها وتحليلها وليس الحصول على مشاهدة ممتعة وحسب، ادخل السينما الى منازلهم عبر شاشة التلفزيون من خلال برامج نادي السينما واوسكار بل شاهدوا تغطيات للمهرجانات السينمائية العالمية قبل انتشار الستالايت والقنوات الفضائية، مثل مهرجانات "كان" و"برلين" بل ولقاءات مع اشهر المخرجين وفريق عمل افلامهم من النجوم.  رحلة طويلة قطعها يوسف شريف في عشق السينما بين الكتابة عنها بالمجلات وعرض روائع مختارة منها على شاشة التلفزيون. تلك الرحلة التي بدأها طفلا اراد مشاهدة ماخلف الشاشة الفضية ليصبح المصدر والنموذج الذى يقتدى به في عالم الثقافة السينمائية.

يوسف شريف رزق الله خريج مدرسة الجيزويت، وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، لم يدرس السينما اكاديميا في معهد السينما ولكنه فضل ان يلتحق بكليات القمة بعد ان حصل على مجموع كبير في الثانوية العامة والمركز الخامس من اوائل الجمهورية حيث اعتاد الناقد السينمائي الاشهر، ارتياد دور السينما منذ طفولته بمصاحبة والديه، كمتفرج ابهرته الشاشة الكبيرة وفيما بعد عند بلوغه سن الخامسة عشر بدأ الاهتمام بمعرفة الكواليس من صناع الاعمال السينمائية، يبحث عن المبدعين السحرة الذين يقومون ببث كل هذا السحر. كان متابع جيد لمجلة "راديو موند" التي كانت تصدر باللغة الفرنسية وتهتم بالفنون مثل السينما والمسرح والاذاعة، اعتادت المجلة ان تنظم مسابقة اسبوعية عن السينما وقد فاز يوسف شريف بجائزة قيمة ساهمت في ارضاء فضوله السينمائي عن طريق مشاهدة مايحدث خلف الشاشة وهي زيارة لاستوديو تصوير فيلم "انا حرة" للكاتب احسان عبد القدوس واخراج صلاح ابو سيف.

عمل في هيئة الاستعلامات عام 1967 اثر تخرجه من جامعة القاهرة وقبل بداية الحرب،  وسرعان ما انتقل الى التلفزيون في بداية السبعينيات، ليعمل محرر في نشرة اخبار التاسعة، ومن المعروف انه قد اتجه التلفزيون فى بدايات البث بتطويرالكوادر والكفاءات وتنظيم الدورات التدريبية لمختلف الاقسام  فالتحق يوسف شريف بدورات التلفزيون ليضيف تفوق اخر لنجاحاته الدراسية المتعددة. وفي الوقت الذي توقف فيه برنامج احمد سمير السينما والحرب بعد انتصار اكتوبر 1973 كانت الفرصة متاحة لتقديم برامج سينما جديدة، وقد وقع الاختيار على يوسف شريف لاعداد برنامج سينمائي اذ ذاع صيت مقالاته السينمائية المنشورة في مجلة صباح الخير والمجلات الفنية المتخصصة الاخرى، وقد ساهم في نشر مجموعة قيمة من المقالات في مجلة الاذاعة والتلفزيون التي قدم فيها المعلومات الكاملة عن الافلام التي سوف يشاهدها قارئ المقال في برنامجه " نادي السينما"، الذى قدمته دكتورة درية شرف الدين بالاشتراك مع يوسف شريف الذى كان ضيف دائم على حلقات البرنامج الاهم منذ 1975 حتي 1980 لتحليل الفيلم وتعليم المشاهدين كيف تتم قراءة الفيلم  حيث اهتم نادي السينما بتعريف مشاهدي التلفزيون على السينما بعيدا عن الافلام التجارية التي كانت قد بدأت الانتشار ذلك الوقت.

ومن بعدها كتب يوسف شريف سكريبت حلقات برنامج "اوسكار" 1980 وقام بوضع قائمة الافلام التي يتم عرضها فى كل حلقة منها، قدمت البرنامج الاعلامية سناء منصور والذى اهتم بعرض الافلام الفائزة بجوائز الاوسكار وغيرها من الجوائز الكبري في العالم. تلك البرامج قد شكلت وجدان اجيال الثمانينيات وفتحت مداركهم اذ تم وصفها من قبل السينمائيين انها كالنافذة التي نشرت الثقافة السينمائية الي اجيال اصبحوا صناع جدد للسينما في مصر.

ثم يقوم باطلاق برنامج "نجوم وافلام" الذى اهتم بالسينما المصرية والذي يعد ارشيف تلفزيوني وتأريخي، اثبت يوسف شريف من خلاله عدم تحيزه للمحتوى الغربي الذي اعتاد تقديمه في برامجه السابقة كما شاركه تقديم البرنامج الناقد سامي السلاموني، استطاع البرنامج ان يقدم محتوي جيد عن السينما المصرية وتاريخها ونجومها وافضل الاعمال التي عرضت في تلك الفترة وغيرها من برامج السينما المهمة مثل تليسينما الذى عرض في 1981-1995 ويليه برنامج سينما في سينما عام 1994-2004 والفانوس السحري وسينما رزق الله منذ عام 2008حتي 2010 .

بالرغم من تواجد يوسف شريف في معظم المهرجانات السينمائية العالمية لرصد فعالياتها او في بعضها يشارك في لجان التحكيم  الدولية مثل ستراسبو 1987 ومهرجان ميلانو1993 وروتردام 2006 ومهرجان مونبيلييه في 2012، فهو أفضل من مثل مصر فى المهرجانات الدولية. الا انه اعطي جل مجهوده ووفائه لمهرجان القاهرة، حيث بدأت علاقته بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي من خلال تعرفه الى الكاتب الكبير سعد الدين وهبة الذى كان يرأس تحرير مجلة السينما. والتي نشرت تغطيات المهرجانات والمقالات النقدية والتحليلية التي كتبها يوسف شريف الى جانب حواراته مع قامات سينمائية عالمية. انتقلت رئاسة مهرجان القاهرة من الناقد كمال الملاخ الى الكاتب سعد الدين وهبة فتمت دعوة يوسف شريف للعمل في منصب المدير الفني للمهرجان، حيث بقي في منصبه حتي الان داعما ومطورا لمهرجان عريق مثل القاهرة السينمائي الذي كرمه في دورته الاربعين عرفان وتقدير لجهوده التي اثرت عالم الثقافة السينمائية على مر تاريخه.