رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"ستات مَجْدَعْ".. حكايات من دفتر بطولات نساء مصر

جريدة الدستور

محمد عوض - على عواد - إسلام نبيل - مصطفى عبدالله الصعيدى - إيناس سعيد - سارة الوردانى - حسام فهمى - محمود الكيلانى

هى أسطورة فى الكفاح والعمل، ومنذ فجر التاريخ سطعت كأول محاربة وملكة وقائدة عسكرية، ولم يؤثر تتابع الأزمان على سيرتها، فحفيدات الفراعنة يواصلن قصص نجاحهن، ويسطرن نماذج كفاحهن بحروف من ذهب.
«سائقة ميكروباص، وجزّارة، وحدادة، وعجلاتية» ستجدها، تقف إلى جانب زوجها وتربى أبناءها وتخترع سبلًا جديدة للقمة العيش، تملأ «طبلية» البيت بصنوف طعام لا يعلم كيف دبرت ثمنها إلا الله.. وحينما تسألها تقول لك: «بنشقى.. والستر من عند ربنا».
«الدستور» التقت سيدات من محافظات مختلفة، يجمع الكفاح بينهن، والحلم ذاته بتربية الأبناء والستر.
كلهن وجدن أنفسهن وحيدات أمام الحياة، فقررن أن يواجهن ويقتحمن المصاعب، ويعملن بأكثر من وظيفة، لتدبير احتياجات البيت، منهن من مات زوجها، ومنهن من ساعدت رجلها فى عمله، ومن بينهن من تعلمت مهنًا كالجزارة والحدادة، لتثبت كل واحدة منهن أنها «جدعة وشهمة»، وبـ«ميت راجل».
هؤلاء من هن مثل «نحمده»، سائقة الميكروباص، التى التقاها الرئيس عبدالفتاح السيسى، قبل أيام، نماذج تستحق التوقف أمامها، ليعرف الجميع أن هناك «عظيمات» يعملن فى صمت لـ«ستر بيوتهن».


صفاء عبدالرحمن:أحلم بقطعة أرض أوسّع بها ورشة الحدادة

ترى صفاء عبدالرحمن، صاحبة أشهر ورشة حدادة بالغردقة، أن أول طريق لتحقيق النجاح، هو أن يحب الإنسان ما يعمل، حتى يتسنى له تحقيق أحلامه.
وتحلم «صفاء» التى لقبها أهالى الغردقة، بـ«المرأة الحديدية»، بأن تحصل على قطعة أرض لبناء ورشة كبيرة عليها، وأن تحج إلى بيت الله الحرام، مضيفة: «قدمت طلبًا للحصول على الأرض وماعرفتش».
وروت «صفاء» رحلة عملها فى مجال الحدادة، التى امتدت لنحو ٢٥ عامًا: «ولدت فى منطقة تل الحدادين بطنطا المشهورة بصناعة الحديد، ولم أكن أرغب فى العمل بتلك المهنة الشاقة المقتصرة على الرجال، لكن ظروف الحياة جعلتنى ألجأ إليها».
وأضافت: «تعلمت المهنة وتزوجت فى تل الحدادين، وجئت إلى الغردقة مع زوجى، لكن انفصلنا بعد إنجاب ٣ أبناء، ساعتها توقفت حياتى وفكرت فى أولادى: إزاى هاقدر أعيشهم؟ اللى هيساعدنى مرة مش هيساعدنى تانى». وتابعت: «قررت العمل فى الحدادة، بدأت بماكينة لحام صغيرة أمام منزلى فى منطقة الأحياء شمال الغردقة، حتى أصبحت ورشة كبيرة من أكبر ورش الحدادة فى المدينة». وقالت: إن لحياتها وجهين، واحد فى المنزل مع أولادها، تؤدى خلاله دورها كأم، والثانى كمعلمة داخل ورشة، تتعامل وسط الرجال ومع الزبائن على تنوعهم.
وأردفت: «أنا أم لـ٣ أبناء، ابنتى الكبرى متزوجة، وابنى يعمل معى، والصغيرة تدرس بالجامعة»، مضيفة: «أنا ربيت ولادى إنهم ما يطلبوش حاجة من حد غير ربنا».


سناء غريب: أعمل على ميكروباص بالصعيد منذ ٦ سنوات

مضت قرابة الـ٦ سنوات، منذ أن قررت سناء غريب، المقيمة بمركز قنا، والبالغة من العمر ٥٥ عامًا، العمل كأول سائقة ميكروباص فى الصعيد، بالتحديد فى محافظة قنا.
ما شاهدته «غريب» خلال الفترة الماضية، من تشجيع وتكريم قدمه الرئيس السيسى لعدد من المصريات المكافحات، جعلها تطلب لقاءه لتحكى له معاناته، على حد قولها.
وقالت «غريب» لـ«الدستور»: إنها تتمنى مقابلة رئيس الجمهورية لتتحدث معه عن شكواها، وما تواجهه من صعوبات بسبب عملها سائقة ميكروباص فى عدة خطوط سير داخل محافظة قنا.
وأضافت: «رئيس الجمهورية يثمّن دور المرأة المصرية ومعاناتها، خاصة إن كانت تتكبد معاناة كبيرة فى إحدى المهن الصعبة، مثلما يحدث معى فى عملى سائقة ميكروباص، وتعرضى للعديد من المضايقات والمتاعب بسبب العادات والتقاليد الصعيدية». وأوضحت «غريب» أنها اضطرت للعمل سائقة ميكروباص لكى تتمكن من توفير نفقات أسرتها المكونة من ٥ أفراد، وحتى لا تطلب المساعدة من أحد.
وقالت: إنها بدأت بشراء سيارة عن طريق التقسيط من أحد معارض السيارات فى محافظة قنا، منذ ٦ سنوات، واتفقت مع صاحب المعرض، على سداد ما يقرب من ٢٠٠٠ جنيه بشكل شهرى، لمدة ٤ سنوات، لافتة إلى أنها تمكنت من سداد أقساط سيارتها.
وذكرت أن الخوف والقلق يسيطران عليها دائمًا، أثناء قيادتها السيارة، بسبب رفض المجتمع عمل المرأة فى «مهن الرجال»، وما يتبع ذلك من مضايقات تتعرض لها.
وأوضحت أنها منذ بداية عملها فى موقف «قنا- نجع حمادى» لا تستطيع أن تحصل على نصيب عادل من عدد أدوار تحميل الركاب، بسبب خوفها من المبيت داخل الموقف مثل زملائها من الرجال.
وأشارت «غريب» إلى أنها تتحمل المعاناة فى تعاملها اليومى مع المواطنين ونظراتهم إليها، لكنها شددت على أنها لن تتوقف عن العمل، لأنه مصدر رزقها الوحيد، الذى تنفق من خلاله على أسرتها.


سهير عراقى: ربيت 5 رجالة من العمل فى البيوت والحضانات

«ربيت ٥ رجالة.. ومعاش التضامن سترنى مع شغلى فى البيوت».. قصة كفاح كبيرة تلك التى سردتها السيدة سهير يوسف عراقى، الأم التى توفى زوجها منذ ١١ عامًا، واجتهدت لتربية أبنائها.
وقالت «عراقى»، التى تعيش فى منطقة بولاق الدكرور، لـ«الدستور»: «توفى زوجى ولم يترك لى أموالًا تكفى لتعليم وتربية أبنائى، ما دفعنى للعمل فى المنازل والحضانات فى أعمال صعبة وشاقة، بعد أن تخلى عنى الجميع».
وأضافت: «لم أستسلم، وعملت فى جميع المهن منذ وفاة زوجى فى ٢٠٠٨، حتى لا أحرم أبنائى من أى شىء».
وأوضحت: «استطعت بفضل الله وبمساعدة والدى، أن أزف ابنى أحمد ٢٨ عامًا، على ابنة خالته»، وعن ظروفها المادية قالت: «ربنا بيكرم وبيبارك فى القليل، ومش سايبنى، وبيبعت لى ولاد الحلال يساعدونى، مع الـ٤١٣ جنيهًا معاش التضامن، وكل ما أتمناه هو مساعدة لأبنائى الكبار الذين أعجزهم المرض».
وقالت: «أحمد ابنى كادت يده تبتر وهو فى الثامنة عشرة من عمره، فى حادث تزامن مع وفاة زوجى، وظل فى العناية المركزة لمدة عامين، وترك دراسته بكلية الهندسة بسبب مرضه»، وأضافت: «كنت حينها بين نارين، زوجى توفى ولم أدفنه بعد، وابنى فى العناية المركزة».
وعن ابنها الثانى، قالت: «محمد يعانى من عجز فى عينه اليُسرى، وترك التعليم وخضع لعمليات للأسف فشلت جميعها، ليقف هذا العجز حائلًا بينه وبين الوظائف التى يستطيع العمل بها، لمحاولة مساعدتى على مصاريف البيت».
وقالت الأم إنها تتمنى أن يخضع «محمد» لعملية لتصحيح العجز البصرى، ليعيش شبابه مثل أقرانه دون الشعور بأى نقصان أو إذلال، مؤكدة: «رغم كل هذا لم أفقد الأمل».
وذكرت أن ابنها «أشرف» فى الصف الثالث الإعدادى حاليًا، و«عبدالرحمن» فى الصف الثالث الابتدائى، قائلة: «نفسى يتعلموا وياخدوا شهادة كويسة، ويوصلوا للتعليم الحلو العالى اللى يفرح قلبى.. أنا مش عايزه حاجة من الدنيا، أنا عايزه بس ولادى يكونوا فى أحسن حال وأنا مش مهم».


وفاء مسعد: عملت بالجزارة لتساعد زوجها: «أول مرة ذبحت جملًا.. ولا أشعر بالخوف»

«الكزلك والمستحد مش لعبة أى حد»: هكذا تحدثت وفاء مسعد، ٤٥ عامًا، التى تعمل بمهنة الجزارة، لمساعدة زوجها، بمركز بلبيس بمحافظة الشرقية.
وقالت «مُسعد»، لـ«الدستور»، إنها تعتبر أول سيدة تنفذ عملية الذبح كاملة بمفردها «من الجمل للخروف»، مرورًا بالتشفية والتقطيع وصولًا للبيع، موضحة أنها أم لـ٤ أبناء، «حسن وأكرم» يعملان بمهنة الجزارة، وعبدالرحمن طفل صغير بالمرحلة الابتدائية، و«إيمان» فتاة متزوجة من جزار أيضًا، وسليلة عائلة كاملة تعمل بهذه المهنة.

وأضافت «المعلمة» أن زوجها هو من علمها هذه المهنة، وهى من قررت امتهانها، وسط رفض من أشقائها، لكن زوجها شجعها على ذلك، وقررت خوض حياة الجزارة بمتاعبها، مضيفة: «أول مرة ذبحت جملًا، والمرة الثانية عجلًا، أمسكت بالكزلك وجبت رقبتهم». وأكدت أنها لا تشعر بأى خوف عند الذبح، موضحة: «هناك العديد من السيدات خاصة فى القرى، يستطعن تنظيف أو بيع اللحوم، ولكنى أستطيع إنهاء جميع المراحل بمفردى وفى وقت قياسى».
وذكرت أنها تمتهن الجزارة منذ ٢٥ عامًا، وزوجها يعتمد عليها اعتمادًا تامًا وكليًا، وهى فى السوق بين الجزارين تعامل معاملة «المعلمين الكبار»، قائلة: «أى معلم جزار يعدى عليا بيدينى التمام»، وتابعت: «المهنة حالها كحال أى مهنة أخرى، لكنها مرهقة جدًا بالنسبة لسيدة، كما هى مرهقة بالنسبة للرجل فآثار استخدام السكاكين والكزالك وأدوات الذبح تترك علامات فى اليدين».
وقالت إنها امرأة عاملة وقوية تؤدى واجباتها المنزلية إلى جوار العمل، مؤكدة: «المرأة التى تقف بجانب زوجها وتساعده فى مسئوليات منزلها، هى التى تستحق لقب سيدة».


نادية أحمد: «صنايعية» الأبواب الحديد: استلمت ورشة زوجى بعد وفاته من ٢٦ عامًا

نادية أحمد، نموذج للمرأة المصرية العنيدة، التى رفضت الاستسلام للظروف، فخرجت للعمل عقب وفاة زوجها، لكن الغريب هذه المرة أنها اختارت مهنة صعبة لا يقبل عليها حتى الرجال، لما تتطلبه هذه المهنة من جهد بدنى كبير، وهو ما يزيد من صعوبة التحدى الذى واجهته نادية، فهى أولًا خرجت لسوق العمل، وثانيًا اختارت حرفة الحدادة.
ذاع صيتها فى محافظة الإسماعيلية، وأصبحت أشهر «حدّادة»، فى المحافظة، ومن خلال ورشتها الخاصة، تصنع «أحمد» الأبواب والنوافذ وأسوار السلالم، وتجهيزات الإضاءة، والأثاث والتماثيل، والمعدات والأدوات الزراعية، إضافة إلى مواد الزخرفة وأدوات الطهى.
قالت «أحمد»، لـ«الدستور»، إنها اختارت مهنة صعبة وخطرة، لأنها تتطلب التركيز الشديد، فى كل خطوة من خطوات صناعة المنتج، لأنه فى حال فقدان التركيز ولو لثوانٍ فقط، فاحتمالية التعرض لخطر أو الإصابة الجسدية تكون كبيرة.
وأضافت «المرأة الحديدية» كما يلقبها أهالى الإسماعيلية: «أعمل فى هذا المكان منذ أكثر من ٢٦ عامًا، لأننى كنت مضطرة لإدارة ورشة زوجى، عقب وفاته، والإنفاق على أبنائى الثلاثة، ورفضت الزواج، وقررت أن أكون أبًا وأمًا لهم». ولم تكتف «أحمد» بإدارة ورشة زوجها، فقررت العمل بنفسها، واستطاعت فى مدة لا تزيد على ٩ أشهر، أن تتعلم أسرار هذه الحرفة وتتقنها كأى فنى رجل.
وقالت: «لم أقصر فى حق بيتى وأولادى يومًا، فقد كنت أستيقظ من النوم فى السابعة صباحًا لتحضير وجبة الإفطار، وأصطحبهم إلى مدارسهم، ونجحت فى أن أرعاهم إلى أن التحقوا بالجامعة، وأتوجه إلى الورشة يوميًا للعمل حتى الثانية ظهرًا، لأعود لتحضير الغداء ثم أعود إلى الورشة لأكمل العمل.

فاطمة سنان: 50 سنة فى صيانة دراّجات دمياط وتنتظر معاش «تكافل وكرامة»

قضت «فاطمة سنان» ٥٠ عامًا فى مهنة صيانة الدراجات بمحافظة دمياط، حتى أصبح لقبها «فاطمة العجلاتية»، لتفوقها فى المهنة التى اضطرت لها منذ أن كان عمرها ٨ سنوات، لظروف أسرتها المادية.

تروى «فاطمة العجلاتية»، البالغة ٥٩ عامًا، لـ«الدستور»، أن والدها تعرض لوعكة صحية وهى طفلة، فقررت ترك التعليم وعمرها ٨ سنوات، وتتولى الإنفاق على والدها ووالدتها وأشقائها الثلاثة، وظلت فى أداء مهمتها رافضة عروض الزواج، مضيفة «صحيح هى شغلانة رجالة، لكنى اشتهرت بها فى كل دمياط، أنا فاطمة العجلاتية اللى تقدر تصلح أى عجلة».
وأوضحت «فاطمة» أن والدتها توفيت منذ ١٠ سنوات بسبب مرضها، وكانت تفتخر بها وبعملها قائلة «لا أخجل منه ولا أشعر فيه بإهانة»، قبل أن تضيف «أصبت بمرض السكرى من فترة، ولم أعد أستطيع العمل بالكفاءة نفسها الفترة الماضية، ولم أحصل على معاش والدتى، المعروف بمعاش السادات وقيمته ٨٠ جنيهًا، وورغم أن محافظ دمياط كرمنى ومنحنى ١٠ آلاف جنيه، وخاطب مديرية التضامن الاجتماعى بالمحافظة، لمنحى معاش تكافل وكرامة، لكن طلب المحافظ قوبل بالرفض، بحجة أننى أمتلك محلًا تجاريًا وتقدمت بتظلم، وأنتظر النتيجة».