رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هاجر سعد الدين: تجديد الخطاب الدينى يحتاج لاعتماد القرآن كمرجعية ثابتة

هاجر سعد الدين مع
هاجر سعد الدين مع الزميل حمدين حجاج

طالبت بتضافر جهود الأزهر والكنيسة والمؤسسات الثقافية لتحقيق الإصلاح المطلوب

التحقت بكلية البنات جامعة الأزهر تنفيذًا لرغبة والدى وكنت أتمنى العمل بالسلك الدبلوماسى

برنامج «فقه المرأة فى رمضان» واجه معارضة شديدةوالإخلاص سر نجاحى

أعتز بتسجيلاتى مع عبدالحليم محمود وعطية صقر وتمنيت محاورة الشعراوى

لجنة القراءة بـ«إذاعة القرآن الكريم» بدأت فى النزول إلى القرى لاكتشاف المواهب وإعادة دولة التلاوة


ليست مجرد إذاعية أقامت بصوتها علاقة خاصة مع الميكروفون، بل هى واحدة من العلامات الاستثنائية التى سطرت اسمها بحروف من نور فى سجلات الإذاعة المصرية، فهى السيدة الوحيدة التى صعدت لـ«سدرة المنتهى» الإعلامى، بالوصول إلى رئاسة شبكة القرآن الكريم، تلك المحطة العريقة المعلق بسماع أثيرها ملايين المستمعين، فى ظاهرة لم تتكرر.

وهى واحدة من القلائل الذين استطاعوا الجمع بين علوم الإعلام والتفقه فى الدين، بمهنية شديدة، مقترنة بموسوعية ثقافتها.
إنها الدكتورة هاجر سعدالدين التى نجحت «الدستور» فى أن تقتنص منها حديثًا، سردت من خلاله تفاصيل تلك الرحلة الطويلة، وحكايات دخولها باب النجاح من أوسع أبوابه.

■ ما الدور الذى لعبته أسرتك فى إثراء تكوينك الفكرى والثقافى؟
- نشأت فى أسرة متدينة ميسورة الحال، تعود أصولها إلى مدينة شبين الكوم بمحافظة المنوفية، ويعد الوالد أحد رواد صناعة النسيج فى مصر، وجدى لأمى من أوائل الشخصيات التى حصدت الدكتوراه فى القانون، من إحدى الجامعات الفرنسية، وجدى لأبى من علماء الأزهر الشريف. لم تخرج التربية الأسرية عن ثلاثة محاور، التمسك بالأخلاق الحميدة، حب الوطن، والأدب مع الناس، مع قاعدة لا يمكن الشذوذ عنها، وهى البعد عن الخطأ لكونه خطأ، وفعل المحسنات حبا فى الله، وليس خوفًا من عقاب أو طمعًا فى ثواب، مما كان له عظيم الفضل على شخصيتى.
■ وهل النشأة فى أسرة متدينة وراء التحاقك بكلية البنات جامعة الأزهر؟
- بالفعل كان ذلك تنفيذا لرغبة الوالد، رغم تعلق قلبى حينها بالالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، لأجل العمل فى السلك الدبلوماسى الذى أعشقه، لكن بعد أن قُضى الأمر والتحقت بها، اجتهدت بشدة، وقضيت سنواتى الأربع فى تفوق دائم.
■ لماذا اخترتِ العمل الإعلامى.. رغم بعد دراستك عن ذلك المجال؟
- بعد تخرجى بدأت فكرة العمل الإعلامى تراودنى، ويشاء القدر أن تُعلن الإذاعة المصرية حاجتها لمذيعين جدد.. تقدمت للاختبارات ونجحت فيها باقتدار، وغمرتنى السعادة، لتحقيق واحدة من أهم الرغبات المشتعلة آنذاك. ومن أهم أسباب سعادتى حينها، أن لجنة الممتحنين ضمت القامات «بابا شارو» وعبدالحميد الحديدى وأحمد طاهر، وهى أسماء لم تكن تمنح مثل تلك الفرصة إلا لمن يستحق.
■ كيف كانت أجواء انطلاقتك الإعلامية؟
- كانت مفعمة بالحماسة، إذ التحقت بإدارة البرامج الدينية بإذاعة البرنامج العام، وهناك تم تأهيلى وتعليمى بصورة سليمة وصحيحة، واستطاع الأستاذ عبدالرحمن عبداللطيف، مدير عام البرامج آنذاك، أن يضفى ويضيف رونقا خاصًا لأسلوبى الإذاعى، فهو من أصحاب الفضل والتأثير الكبير على شخصى.
■ لماذا فضلتِ البرامج الدينية دون غيره؟
- جاء الاختيار بحكم تخصصى ودراستى، ويرجع تصميمى على ذلك إلى الآية الكريمة التى تقول «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون»، وجاءت البداية بتقديم برنامج «حديث الصباح»، ومع ذلك أيضا فقد قدمت برنامج «حديث السهرة الأدبية»، ونجحت من خلاله فى استضافة العديد من الرموز الدينية والاقتصادية والصحفية.
■ وكيف حدثت النقلة الكبرى فى مسيرتك، بانضمامك لإذاعة القرآن الكريم، خاصة أنك أول سيدة فى تاريخ تلك المحطة العريقة؟
- حدث ذلك فى العام ١٩٩٥، وقتها كانت إذاعة القرآن الكريم قد أعلنت حاجتها لمدير عام لبرامج الأسرة والمجتمع، وتقدمت لها بهدف حفظ حقى فى العمل كمديرة فى البرنامج العام، وتمت الموافقة على طلبى. ومنذ اللحظة الأولى التى جلست فيها على كرسى المدير داخل إذاعة القرآن، عرضت على رئيس الشبكة وقتها الدكتور عبدالصمد دسوقى تقديم برنامج «فقه المرأة فى رمضان»، فوافق ورحب بالأمر، رغم وجود قوى معارضة للفكرة، وكانت الحجة أنه لا يوجد اختلاف بين فقه المرأة أو الرجل، لكننى لم ألق بالًا لتلك الأقاويل، وبدأت تقديم البرنامج، لتتوالى حلقاته ونجاحاته، حتى حاول البعض تقليد الفكرة لاحقًا.
■ مجرد عمل سيدة فى إذاعة القرآن الكريم كان أمرا شديد الصعوبة.. فكيف استطعت لاحقًا تحقيق ما يشبه المستحيل بالصعود لرئاسة الشبكة؟
- بعد نجاحى فى تقديم البرامج، تمت ترقيتى لمنصب نائب رئيس الشبكة، المستحدث آنذاك، وتبعتها رئاستى الإذاعة، وذلك بفضل النجاحات التى حققتها فى المناصب التى أسُندت إلىّ سابقًا، فمنذ جلست على كرسى مدير الشبكة، بدأت تنفيذ خطط التطوير مثل إنشاء مكتبة خاصة بالقرآن الكريم، وتدشين قسم خاص لمراجعة كل ما يقدم فى الإذاعة.
ومع ترقيتى لمنصب الرئيس، وبفضل من الله وتوفيقه، استطعت تغيير النمط والإيقاع السائد، فتميزت البرامج بالسرعة، ثم أضفنا إليها «أسماء الله الحسنى، الختامات القرآنية، القراءات مع الشرح» وبالفعل دبت الحركة والروح داخل جدران الشبكة، وأذكر أننا كنا نعقد اجتماعات شهرية، لأجل التدقيق والتطوير فى البرامج، فإذاعة القرآن ليست مجرد محطة، بل هى جامعة شاملة.
وانعكست حالة التطوير التى خضناها على المستمع والذى شعر بالبهجة والفرحة، وكان هناك مردود رائع لكل ما يقدم.
■ بصراحة.. هل سعيت لأجل مد فترة رئاستك لشبكة القرآن الكريم؟
- رضائى التام عن الفترة التى قضيتها كان السبب فى عدم السعى لذلك.
■ طيلة مسيرتك الإعلامية قدمت العديد من البرامج الإذاعية الناجحة.. فأى منها الأقرب والأعز لقلبك؟
- كل برامجى قريبة من قلبى، لكن أعتز كثيرا بتسجيلاتى مع الدكتور عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر الأسبق، فقد كان ضيفا شبه دائم فى «حديث الصباح»، وكنا نذهب أحيانا إلى منزله فى جسر السويس الساعة ٦.٣٠ صباحا وننتهى فى الثامنة، كانت تلك من أمتع اللحظات التى لا أنساها.
أيضًا محاوراتى مع الشيخ عطية صقر، فى «إلى بيت الله العتيق» و«فقه المرأة فى رمضان»، من أفضل المحطات المهنية التى تسترجعها ذاكرتى، وكذلك أحاديثى مع الدكتور محمد الغزالى والشيخ الباقورى.
■ أنتِ من الإذاعيات القليلات التى جمعها الميكروفون مع مشاهير ورموز العمل الدعوى الإسلامى.. فهل هناك شخصية لم تتحقق رغبتك فى الحوار معها؟
- الشيخ الشعراوى هو الشخصية الوحيدة التى تمنيت محاورتها عن مقربة، وقد اتفقت معه على تقديم برنامج، لكنه اعتذر بسبب انشغاله ببعض الأعمال.
■ بدايتك داخل إذاعة القرآن كانت عبر بوابة برامج الأسرة والمجتمع.. فما الفارق بين البيت المصرى الآن وسابقًا؟
- أثناء فترة تقديمى برامج الأسرة، تميز البيت المصرى بالبساطة والهدوء، أما الآن فمواقع التواصل الاجتماعى والانفتاح الفضائى وغيرهما من المستجدات قلبت الأمور رأسا على عقب، لتتغير طريقة التفكير داخل الأسر، وأصبحت بمرور الوقت تشكل عائقًا كبيرًا فى التواصل والترابط بين أبناء البيت الواحد، ونصيحتى لكل أب وأم تتمثل فى ضرورة تحصين أبنائهم بالعلم والدين والثقافة، وفتح مجال للحوار معهم لاحتوائهم.
■ لو أنك ما زلت المسئولة عن إذاعة القرآن الكريم، كيف سيكون تعاملك مع ملف تجديد الخطاب الدينى؟
- لى رأيان أود ذكرهما، الأول هو ضرورة تضافر جهود القوى الناعمة، المدرسة مع المسجد والكنيسة، إلى جانب المؤسسات الثقافية، ثم يأتى من بعدهما دور الأسرة، إضافة إلى ضرورة تكامل رؤية مؤسساتنا الدينية مع نظيراتها فى العالم الإسلامى، عن طريق خطط قصيرة وطويلة الأمد، يمكن قياس ما تحقق عنها لاحقا، وهذا لن يتحقق إلا فى ظل اعتماد القرآن كمرجعية ثابتة.
أما الرأى الثانى، فهو عبارة عن رسالة أوجهها إلى الإعلام بضرورة استضافة المتخصصين فى الشأن الدينى، فليس من المقبول ظهور المتطرفين على الشاشة، فمناقشة أفكار هؤلاء تحتاج إلى أناس على قدر عال من الثقافة والمعرفة، وفى غرف مغلقة، وليس على الملأ، وإلا نكون من مروجى ذلك الفكر الردىء دون أن نشعر.
■ إذاعة القرآن قدمت مشاهير القراء للعالم بأسره.. فهل نضبت دولة التلاوة فى مصر، ولم يعد بمقدورنا تقديم نماذج جديدة؟
- الفترة المقبلة ستشهد ظهور عدد من الأصوات الجيدة، فمعلوماتى تقول إن لجنة القراء بدأت فى النزول إلى القرى والنجوع لاكتشاف تلك المواهب مثلما حدث من قبل.
■ فى بداية الحديث تحدثنا عن عائلتك الكبيرة.. فماذا تقول الدكتورة هاجر سعد الدين عن أسرتها الصغيرة؟
- زوجى الراحل كان ضابطا سابقًا بالقوات المسلحة، وترقى فى المناصب حتى وصل للعمل كنائب لمدير سلاح المهندسين العسكريين، وكان من أكبر الداعمين لى طيلة رحلتنا، وخلال فترة الماجستير والدكتوراه كان معى فى كل خطوة أخطوها، وكان مهتما بشراء أمهات الكتب الدينية والفقهية التى أثرت فى ثقافتى وساهمت فى استيعابى للدين بصورة كبيرة.
أما عن ابنى فنحن صديقان، وكم تمنيت أن يعمل بالحقل الإعلامى، فقد كنت أراه الامتداد الطبيعى لمسيرتى الإذاعية، وكانت لديه ميول قوية نحو الإعلام، وبالفعل تقدم للاختبارات ونجح فى امتحان الهواء والميكروفون، لكن لم يوفق فى النهاية، لكننى لم أتدخل لفرض اسمه، لأن الأمور فى النهاية «قسمة ونصيب».
أما عن أحفادى فهم جيل مختلف تماما، فوسائل الاتصال الحديثة غيرت شكلًا ومضمونا من المفاهيم القديمة والتقليدية، وأسعى لنقل وتنمية مترادفات الإخلاص وحب العمل والإتقان ومراعاة الله فيهم، وشخصيا أتمنى أن يكونوا نموذجا حقيقيا للإنسان المصرى.
■ أخيرًا.. هل حققت كل أحلامك المهنية.. وهل وجدت التكريم المستحق؟
- حققت معظم أحلامى باستثناء بعض الأشياء البسيطة، وراضية عن مسيرتى ورحلتى مع الميكروفون، وبخصوص مسألة تكريمى فقد حصدت جائزة «رسول السلام» من الأمم المتحدة، لكن أعتقد أن أكبر تكريم حصدته يتمثل فى تقدير وحب المستمعين لشخصى.
ما أبرز الذكريات التى لا يمكن نسيانها خلال رحلتك؟
- ذاكرتى لا تنسى تلك اللحظة التى تم فيها نقل شعائر ليلة الإسراء والمعراج من المسجد الأقصى، والذى كان سبقًا، فتلك من اللحظات التى لا يغفل عنها قلبى وعقلى. وبشكل عام فإن أيامى داخل إذاعة القرآن الكريم، تحمل ذكريات جيدة وجميلة، وكل هذا ما كان ليتحقق لولا تمسكى بالإخلاص فى العمل وإيمانى بالإحسان، لأن «من يتق الله يجعل له مخرجا».