رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لوتس عبدالكريم تخص الدستور بأسرار كتابها الجديد «زوجات الأدباء»

جريدة الدستور

كاتبة بدرجة فنانة، وصحفية شاء القدر أن تقترب من كبار المشاهير، ما جعل ذكرياتها التى روتها فى كتاب «سيرتى وأسرارهم» كنزًا لكل راغب فى التعرف على رموز الأدب والفكر والثقافة فى مصر. إنها لوتس عبدالكريم، الاسم الذى ارتبط برئاسة تحرير مجلة «شموع» الثقافية لعدة سنوات، والتى تفتح خزائن أسرارها لـ«الدستور»، وتروى فى السطور التالية بعضًا من حكايات كتابها المقبل الذى يحمل اسم «زوجات الأدباء» لتفتح بابًا ساحرًا نطل منه على فصول مجهولة فى تاريخ الفن والثقافة المصرية.

■ بداية.. يتزين بيتك بكثير من صور العهد الملكى.. فما أسباب محبتك لذلك العهد؟
- لأننى لا أرى أن هناك إنسانًا فاشلًا أو ناجحًا ١٠٠٪، وهكذا أرى أيضًا الملوك والرؤساء، والملك فاروق لم يكن يختلف عن ذلك، فقد حكم مصر فى سن ١٦ عامًا دون أن يمتلك الخبرة الكافية، ورغم ذلك لم تكن له أخطاء جوهرية فى رأيى، خاصة أن أحوال الوطن كانت راقية فى عهده.
وإذا عدنا إلى جديه محمد على أو إسماعيل، سنجد أنهما حاولا صناعة حضارة وتحويل مصر إلى قطعة من أوروبا، لذا لا يمكن إغفال هذا العهد، كما أنى كنت على علاقة متميزة بالملكة فريدة، ونظرًا لعشقى للفن التشكيلى كنت معها عند افتتاح أول قاعة فنون تشكيلية فى مصر ومعنا الفنان صبرى راغب وآخرون. وفى هذه السنوات كان الفن متألقًا، لكن سافرت بعدها لعدة سنوات ثم عدت لأجده قد تراجع كثيرًا، كما اكتشفت أن القاعة التى افتتحناها قد أغلقت.
■ كتبتِ عن كثيرين لكننا نلاحظ دائمًا أن الموسيقار محمد عبدالوهاب كان له نصيب الأسد فى كتاباتك.. فما السر فى ذلك؟
- كان صديقى وكنت عاشقة له منذ الطفولة، فأمى كانت تعزف موسيقاه على البيانو وكذلك فعلت أنا، لذا كان أبى يثور علينا ويصرخ فينا حين نستمع إليه على الراديو قائلًا: «عبدالوهاب بيبوظ البنات»، لكنى ورثت حبه عن أمى، وعندما كبرت أصبحت أريد رؤيته، ومن حظى الجميل أننى اقتربت منه، وكنت فى هذا الوقت أعيش فى الخارج نظرًا لزواجى من دبلوماسى.
وحدث أن تلقيت دعوة سفر إلى لبنان بدعوة من رئيس دار نشر «الصياد»، فسألونى: من أكثر الشخصيات الذين أود رؤيتهم؟، فقلت: نزار قبانى، فأخبرونى أننى سأقيم فى فندق يجمع المشاهير ويقيم به «عبدالوهاب» وفريد الأطرش وآخرون، فشعرت بسعادة لأنى لم أتوقع لقاءه هناك. وحين دخلت الفندق وجدت «عبدالوهاب» جالسًا أمامى وإلى جواره السفير المصرى ويدندن بالعود أغنية «ما أقدرش أنساك»، وبعدها رأيته مرة أخرى يسير ذهابًا وإيابًا فى بهو الفندق، فسألت زوجته عن ذلك فقالت: «بيتمشى عشان يهضم الكوستين اللى أكلهم»، وبعدها تعرفت عليه.
وحين عدت إلى مصر هاتفته، وذكرته بنفسى فرد قائلًا: «ما أقدرش أنساك»، وبعدها أصبحنا أصدقاء مقربين، وكان يبوح لى بكثير من أسراره، وأحيانًا كنا نلتقى فى باريس التى كان يقيم بها عدة أشهر كل عام، وأذكر أننى حضرت تلحينه أغنية «بأنده عليك» التى غنتها الفنانة وردة.
■ ما حقيقة هواجسه الخاصة بالصحة والموت وشائعات اتهامه بالبخل وغير ذلك؟
- عبدالوهاب كان يعانى فعلًا من هاجس الموت، ولديه وساوس كبيرة فى هذا الأمر، كما أن أحد المعتوهين حاول طعنه بسكين فأصبح يستعين بحراس. أما البخل فغير حقيقى، لكنه كان حريصًا ويخاف من المستقبل ويرى أن المال هو الأمان من بطش الأيام عند الكبر، ورغم ذلك كان يصر على دفع الحساب على المقاهى لأصدقائه.
وكان  معتادا عند ذهابه إلى باريس الجلوس على كافيه «دو لابيه»، بصحبة «سفرجى» من السودان كان يعمل معه، وحين سألته عن هذا الأمر قال لى: «هؤلاء يمثلوننى، ويجب أن يعيشوا حياة يشعرون فيها أنهم آدميون»، وهذا يعكس كثيرًا عن طباعه وشخصيته.
■ ما علاقة الموسيقار الكبير بمجلة «شموع» التى اشتهرت برئاسة تحريرها؟
- المجلة بدأت فى صالون بيت «عبدالوهاب»، حيث كنا نناقش كل شىء، وهو الذى طلب من الصحفى الكبير أحمد بهاء الدين رئاسة تحريرها، وقال لى: «هو صحفى عملاق ونحن أيضًا عمالقة وسنقنعه بفكرتها». ورغم أنى كنت كاتبة لا صحفية وأكتب فى الفلسفة والأدب والفن، إلا أن «بهاء» أقنعنى بالعمل صحفية، وهو من اختار للمجلة اسم «شموع» قائلًا لى إن الاسم يعبر عن الجمال فى الفن والأدب والحياة.
وبعدما بدأنا العمل، وعرفنا «بهاء الدين» على رتيبة الحفنى لتشرح معنى الموسيقى، اقترح علينا «عبدالوهاب» أن نستعين بيوسف إدريس الذى تحول لعنصر أساسى فى المجلة، كما كتب لنا توفيق الحكيم مقدمة العدد الأول، وكان شعارنا فيها: «علم ابنك إنه ما يدوسشى على الوردة»، وبدأنا على صفحاتها مناقشة المعمار والنظافة والموسيقى والفن والأدب والتربية وغير ذلك.
■ كيف ترين اتهام أسرته بعدم الحفاظ على ممتلكاته؟
- هذا صحيح، وأبرز من كتب فى ذلك كان الكاتب الصحفى الراحل محمد تبارك، والحقيقة أن زوجة «عبدالوهاب» باعت بعد وفاته كل ما يمت له بصلة، وكل أوراقه وملابسه وتحفه وممتلكاته اختفت، ولم يبق من أشيائه سوى سجادة مفروشة على الأرض ثم اختفت أيضًا فى ظروف غامضة.
وقد سافرت إلى عدة دول فى العالم، ورأيت كيف يحافظ الجميع على ممتلكات الفنانين الكبار مهما كانت أشياء بسيطة، وسبق لى أن رأيت «متحف بيتهوفن» وفيه نظارته وملعقته وشوكته إلى جانب البيانو الذى عزف عليه، وكذلك كان «متحف موتسارت»، أما متعلقات «عبدالوهاب» فاختفت تمامًا.
■ هل هذا ما دفعك لتأليف كتابك المقبل عن زوجات المبدعين والأدباء؟
- إلى حد ما.
■ من أكثر الزوجات تأثيرًا فى حياة زوجها من وجهة نظرك؟
- «دولت» زوجة الأديب يوسف السباعى، فقد كانت «ست الكل»، ومثالية فى كل شىء وكانت ملهمة وعاقلة وذكية ونقية ومحبة لزوجها وست بيت ومثقفة وحنونة على أولادها، فكيف لبيت مثل هذا ألا يفرز أديبًا مثل يوسف السباعى؟
وكانت تقول عنه: «هو زوجى وابنى وأبى وكل شىء»، ومنحته الجو المريح فى الحياة والعمل، وإذا ذكره أحدهم بسوء تقول: «لا أعتقد عنه ذلك»، أو «اثبت لى»، وساعدها على ذلك أنه كان عاقلًا للغاية فى تصرفاته.
ومثلها كانت «لولا» زوجة إحسان عبدالقدوس، لأن طبع «إحسان» كان عنيفًا وكانت له نزوات ومحاطًا بالجميلات، أما هى فكانت عاقلة جدًا ومتزنة، ولم تكن غيرتها تظهر على وجهها أبدًا، وكانت تقول: «هو يحبنى.. وما دام يحبنى فليفعل ما يشاء»، لذا كانت مثل «مُروّض الأسود» الذى استطاع احتواءه وترويضه إلى أن مات.
■ ما سر علاقتك الخاصة بالدكتور مصطفى محمود؟
- تعمقت فى الدين على يديه، وفى هذا الوقت كان كل الناس يذهبون إلى الشيخ محمد متولى الشعراوى، لكنى كنت أراه أعمق، لأنه كان عالمًا لا فقيهًا وفيلسوفًا ومتبحرًا فى علمه، أما «الشعراوى» فكان متفوقًا فى اللغة والتفسير، لذا لم يكن يروى غليل التائبات من الفنانات وقتها. كنت أميل لدخول الدين من باب العلم والإقناع.
■ يقول البعض إن الدكتور مصطفى محمود كان صريحًا وموجعًا لأقصى درجة.. فما حقيقة ذلك؟
- هذا صحيح، لكننا كنا نتحمله، وأذكر أننى أول مرة قابلته قال لى: «إنتى أهلك ماربوكيش»، ووقتها غضبت فأوضح لى أنه يقصد بذلك أنى لم أكن بحاجة لأحدهم ليعلمنى الصواب والخطأ، بل أنا أقدر على معرفته بنفسى.
وأذكر أن الفنانة شادية طلبوها لمنحها جائزة التفوق لما قدمته من إسهامات فى عالم الفن، فاستنكر عليها ذلك وقال لها: «أنت لا تستحقين الجائزة وذهابك لاستلامها خطأ»، فاقتنعت بكلامه ورفضت التكريم من الأساس.
■ سبق لك ارتداء الحجاب عامًا كاملًا.. فما أسباب ارتدائه وخلعه بعد ذلك؟
- فى هذا العام كنت قد بدأت التعمق فى الدين بـ«غباء» على يد الشيخين الشعراوى وعبدالحليم محمود، الذى كنت أقدسه تقديسًا، لأنه كان فاهمًا حقيقيًا للدين بثقافة وذكاء وفن، كما تعلم فى باريس وحصل منها على الدكتوراه مثل طه حسين، لذا كنت أستمع إليه وأنا مغمضة العينين، وحينما أمرنى أن ألبس طويلًا وأضع غطاء للرأس استجبت له رغم أنى لم أكن مقتنعة، لكننى بعد فترة خلعت الحجاب أمامه فقال لى: «على كيفك»، لذا أكره ما يحدث حاليًا من كون المحجبات لا يفقهن معنى الحجاب، ولا أفهم كيف ترتديه إحداهن ومن تحته بنطلون محزّق لا يتناسب فى الأساس مع فكرة الحجاب.
■ سبق أن كتبت مقالًا عن مى زيادة وصالونها.. فلماذا انتقدتها؟
- «مى» كانت سيدة اشتهرت بصالونها الثقافى، لكن شخصيتها كانت تعانى من بعض العُقد ومركبات النقص التى لم تكن تعجبنى فيها.
■ عاصرت عدة عصور فكرية.. فما أفضل وزراء الثقافة فى رأيك؟
- ثروت عكاشة دون أن ننكر أدوار آخرين، لأنه أكثر من خدم الثقافة المصرية، لأنه كان مثقفًا وعميق الفكر وشديد الإخلاص، لذا قدم خدمات ثقافية لمصر لا أعتقد أن هناك من سيقدمها مستقبلًا.
■ كيف تقيمين أداء هذه الوزارة فى الوقت الحالى؟
- رغم أن رأيى يبدو متطرفًا، إلا أننى لا أحبذ توظيف المرأة كمسئولة كبيرة، فالمرأة لا تصلح للعمل وزيرة، ومن الخطأ أن تكون الوزيرات كثيرات بهذا الشكل، فالرجل أكثر فهمًا لهذا الدور، وهو أنجح ألف مرة فى هذا المنصب. ورغم أن أوروبا شهدت وجود وزيرات ومسئولات فى ألمانيا وإنجلترا وغيرهما، إلا أنهن فى الحقيقة لسن نساء بل مجرد رجال بحكم ما تربين عليه، حتى إنهن نسين تمامًا أنهن نساء.