رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تكتل دول البحر الأحمر


مصر، السعودية، الأردن، السودان، جيبوتى، الصومال، واليمن. سبع دول عربية، تطل على البحر الأحمر وخليج عدن، اتفقت على تشكيل نواة لكيان يجمع هذه الدول، اسمه المختصر «آرسقا» وهدفه الأساسى تأمين حركة الملاحة البحرية، وتعزيز أمن واستقرار المنطقة، ومواجهة التحديات والتهديدات التى تواجهها. بالإضافة إلى تحقيق المصالح السياسية والاقتصادية والتنموية المشتركة.
الاتفاق جاء بعد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، انعقد الأربعاء فى العاصمة السعودية الرياض. وبعد الاجتماع، استقبل الملك سلمان بن عبدالعزيز، الوزراء المشاركين: سامح شكرى وزير الخارجية المصرى، وعادل الجبير، وزير الخارجية السعودى، وزيد اللوزى، الأمين العام لوزارة الخارجية الأردنية، ومحمود على يوسف، وزير الخارجية الجيبوتى، وأحمد عوض وزير الخارجية الصومالى، والدرديرى محمد أحمد، وزير الخارجية السودانى، ومحمد الحضرمى، نائب وزير الخارجية اليمنى. وخلال الاستقبال، جرى تناول آفاق التعاون بين تلك الدول، والدور المرتقب لـ«آرسقا»، أو للكيان الجديد: تكتل دول البحر الأحمر.
التكامل بين تلك الدول أصبح ضرورة، فى ظل الوضع الاقتصادى العالمى، ومع التحولات الكبرى فى السياسات الاستثمارية، واتجاه الشركات العالمية نحو إفريقيا. وغير وجود فرص للاستثمار والتجارة بين تلك الدول، هناك تحديات أمنية تتمثل فى القرصنة، والتهريب والاتجار بالبشر، كما أن هناك تحديات عديدة فرضت أو أوجبت إنشاء كيان واحد يجمع تلك الدول. ولأن تلك المنطقة، والمنطقة العربية والقارة السمراء، إجمالًا، ما عاد بإمكانها أن تتحمل أكثر مما تحملته، طبيعى أن نكون مع أى خطوة للتكامل والتعاون، ومع إعادة ترتيب الأولويات العربية والإفريقية، حتى نتمكن من مواجهة أى تهديدات أو تحديات.
للولايات المتحدة، وذيولها، ولكل الدول والكيانات الانتهازية، مطامع فى البحر الأحمر. ومع اللعب الإسرائيلى والقطرى، هناك محاولات إيرانية للعبث، شرقًا، تحقيقًا لمصالحها. وغربًا، تسعى تركيا جاهدة لإيجاد موطئ قدم لها، بقاعدة عسكرية، للاستفادة من هذا الموقع الاستراتيجى فى تحقيق أهدافها الإقليمية. كما أن المنطقة، والمنطقة العربية والقارة السمراء، إجمالًا، تواجه تهديدات وتحديات، وجودية ومصيرية، تنذر بخرابها، أو تضعها، على الأقل، تحت «ضرس» عدو شرس، بشكل مباشر أو عبر وكلاء، خلق (أو استغل) حالة عدم الاستقرار التى عاشتها المنطقة طوال السنوات الماضية، ليستنزف ثرواتها.
من هنا، تأتى أهمية الكيان وفكرة إنشائه، لكن الأهم هو ترجمة هذه الفكرة بشكل عملى، يضمن أمن واستقرار هذه المنطقة الحيوية، المهمة للتجارة الدولية، ويحافظ على أن يظل البحر الأحمر وخليج عدن، ممرين مائيين آمنين ومفتوحين. ويمنع تدخلات أى دول أو قوى خارجية تحاول أن تلعب دورًا سلبيًا، ويحفظ استقرار وسيادة كل دولة من دول المنطقة، فى ظل المتغيرات الإقليمية والدولية الراهنة.
برامج عمل متنوعة، وضعتها أول قمة عربية إفريقية استضافتها القاهرة، سنة ١٩٧٧، حددت الأساس القانونى والسياسى للتعاون العربى الإفريقى والمبادئ التى يستند إليها هذا التعاون والأهداف التى يسعى إلى تحقيقها سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا. غير أن هذه البرامج ظلّت حبيسة الأدراج وحالت دون تنفيذها ظروف وأوضاع دول المنطقة بالإضافة إلى وجود خلل فى آليات التعاون الدولى أفرزت هذا الواقع الذى نتطلع لتغييره بالإرادة والمثابرة والشجاعة فى اتخاذ القرارات الصعبة. وقبل انعقاد هذه القمة العربية الإفريقية الأولى، بسنوات وسنوات، كانت الدائرة الإفريقية واحدة من ثلاث دوائر تحركت فيها السياسة الخارجية المصرية فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر: الدائرة العربية، ثم الإفريقية، ثم الإسلامية. غير أن توجهه نحو القارة السمراء كان قويًا للغاية، وكان يصفها دائمًا بـ«القارة النابضة بالثورة».
ما يطمئن، هذه المرة، هو أن البيان الختامى لاجتماع دول «آرسقا»، أشار إلى أن الاجتماع جاء تأسيسًا على الاجتماع الذى انعقد بالقاهرة، منذ سنة، تحديدًا فى ١١ و١٢ ديسمبر الماضى. كما يطمئن، أيضًا، أن المجتمعين اتفقوا على تشكيل فريق من الخبراء لبحث كل ما يتعلق باستكمال آليات بناء هذا الكيان، وسيكون هناك لقاء قريب فى القاهرة، لهذا الفريق. كما تم الاتفاق، على عقد اجتماع لكبار مسئولى تلك الدول، لاستكمال الإجراءات المتعلقة بالأمور الفنية والتقنية والقانونية ووضع اللمسات النهائية على ميثاق هذا الكيان الجديد، يتناول كافة جوانبه الاقتصادية والبيئية والتجارية والاستثمارية والتنموية والأمنية والعسكرية.
تكتل دول البحر الأحمر، «آرسقا»، لن يربط فقط الدول المطلة على الممرين المائيين، بل سيربط أيضًا الدول العربية بإفريقيا، وسيسهم فى تكثيف التعاون والتكامل بينهما. والأكثر من ذلك، هو أنه محاولة لتغيير آليات التعاون الدولى، نتمنى لها النجاح، وأن تكون نواة لتكتل أكبر قادر على مواجهة أى تهديدات أو تحديات، ويستطيع التغلب على أى عقبات أو صعوبات.