رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"شومان": الإيمان بالتعددية المذهبية واجب على كل مسلم

الدكتور عباس شومان
الدكتور عباس شومان

قال الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء، إن وحدة الأمة الإسلامية مقصد عظيم من أهم مقاصد الإسلام، وهدف نبيل وغاية سامية عبر عنها رب العزة في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وأضاف خلال كلمته بمؤتمر رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، أن الوحدة المنشودة ينبغي أن تكون هدفًا يسعى إلى تحقيقه الجميع على أسس سليمة ورؤية جادة يمكن ترجمتها إلى واقع ملموس يناسب الزمان والمكان، كما ينبغي تناول هذه الوحدة مقترنةً بالتعددية بأشكالها المختلفة، والتنوع الفكري الذي يقره الإسلام ويؤكد أهميته للتعارف والتكامل والتلاقح الفكري بين البشر، يقول الله تعالى مخاطبًا الناس جميعًا: {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا}، غير أن هذه التعددية وهذا التنوع لم يُفهَم من بعض الناس على وجهه الصحيح، فترك في نفوسهم عصبية لمناهجهم وأفكارهم حجبتهم عن رؤية الهدف الأسمى، وهو وحدة الأمة واجتماع أهلها على كلمة سواء، خاصة في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها أمتنا الإسلامية، بل العالم كله.

وتابع: إذا كانت وحدة الأمة الإسلامية مما يدعو إليه الوحي الشريف ويرغِّب فيه؛ فإن تنوع الناس واختلافهم آيةٌ من آيات الله في الكون، يقول عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ}، ولا مانع من أن يتناول الاختلافُ الأفكار والثقافات والحضارات كذلك؛ فهذا التنوع الذي يراه الإسلام واقعًا لا ينكر، يشمل كل شيء؛ فيتعدى الألسنة والأفكار والألوان والأجناس، إلى التنوع في قضية الإيمان والكفر، وهي أعلى وأكبر القضايا، وعليها مدار النجاة، يقول الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}.

وأكد أن الإيمان بالتعددية المذهبية والفقهية واجب على كل مسلم، ويقتضي عدم سعي فريق للاستحواذ على آخر أو النيل من معتقداته؛ فالتعدد سواء في الأديان أو المذاهب في الدين الواحد، لا يعد مشكلة بين المنتمين إلى بلد واحد، ولا ينبغي أن يُسمح باستغلال التعدد المذهبي لإيقاع الشقاق بين المسلمين، وإحداث التناحر وإذكاء روح الخلاف بينهم، ليصل الأمر إلى اتهام بعضهم بعضًا بالبعد عن الإسلام! وليس من الصواب أن يكون الخلاف الفقهي من الأسباب المؤثرة في استقرار المجتمعات المسلمة، أو المعوِّقة لانطلاقتها نحو التنمية والتقدم، بل ينبغي أن يكون من عوامل التيسير على الناس في حياتهم؛ حيث إن الخلاف بين المذاهب الفقهية المتعددة يرجع إلى أسباب علمية معروفة كما ذكرت، وهو ينحصر في الفرعيات التي لا يضر الامتثال إليها على أي مذهب فقهي معتبر؛ فكل مجتهد مصيب، وقد بُنيت هذه القاعدة على قول رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم: «إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ».

وقال شومان أن هناك بعض الصور التي تدعم اتجاه الأمة الإسلامية إلى الوحدة المنشودة، منها:

أولًا: الوحدة الفكرية
ويراد بها الاتفاق على معايير ومنطلقات محددة تضبط حركة الفكر الإسلامي؛ ليكون هناك خطاب غير متنافر ولا متضارب ينطلق من ثوابت الدين، مستفيدًا من تراثنا ومناسبًا لزماننا، وهذا يقتضي تبني مناهج تعليمية متوازنة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتراعي التفاوت الثقافي بين الدول والشعوب، مع تبادل الخبرات بين المؤسسات التعليمية والدعوية والثقافية في الدول الإسلامية.

ثانيًا: الوحدة الاقتصادية
هذه الوحدة لا تعني بالضرورة انتقال ثروات الدول الإسلامية الغنية إلى الدول الفقيرة، ولكنها تعني الاستثمار في البلاد الفقيرة زراعةً وصناعةً وتجارةً، فيعم الخير على الجميع بزيادة غنى الأغنياء وتحقيق التنمية للدول الفقيرة، وتعني كذلك إقامة الأسواق المشتركة التي تحقق التكامل بين الدول الإسلامية، وتغني إلى حد كبير عن الاعتماد على الأسواق الأوروبية والغربية التي تتأثر بالاختلافات السياسية، وتُستخدم في كثير من الأحيان للتأثير على قرارات الدول الإسلامية وتوجهاتها، الأمر الذي يُرجى معه تحقيق الكفاية والاستغناء عن تلك المساعدات التي تقدم لبعض الدول ممزوجةً بشروط تقتضي الهيمنة وفرض الوصاية، واستمرار ضعفنا وتراجعنا وتبعيتنا لدول لا ترجو لنا خيرًا، ولا تحمل لنا ودًّا، وإن أبدت غير ذلك.

ثالثًا: الوحدة العسكرية
إن التكامل العسكري بين الدول الإسلامية أمر غاية في الأهمية، وليس بالضرورة أن يكون للمسلمين جيش واحد وقيادة واحدة، ولكن توقيع اتفاقات بين الدول الإسلامية للدفاع المشترك ضد أي اعتداء يقع على أي دولة إسلامية، ولا مانع من تكوين تحالف عسكري على غرار (حلف الناتو) مثلًا، تشارك فيه جميع الدول الإسلامية، وتحدد اتفاقياته كيفية تعامله وتدخله عند حدوث الأزمات، دون تعقيدات ومفاوضات قد لا يحتملها الوقت عند حدوث الأزمة.