رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المرأة المعيلة لا تزال حائرة


أطالب بنظرة من الدولة لحال المرأة المعيلة كأولوية تستحق الاهتمام ووضع خطة شراكة جديدة تتعاون فيها الجهات الحكومية المنوطة بالاهتمام بالمرأة
هل من الممكن أن تتحسن أحوال المرأة المعيلة مع بداية عام جديد يطل علينا مع هذا الارتفاع المستمر فى الأسعار؟. هذا السؤال يقفز إلى ذهنى كلما سمعت شكواهن من الأسعار ولم أجد له إجابة شافية، حتى الآن، وهى مشكلة خطيرة إذا ما علمنا أن ٣٠٪ من نساء مصر معيلات وأن ٣٨٪ من الأسر المصرية تنفق عليها نساء. كنت قد استبشرت خيرًا حينما استطعنا بعد مطالبات مشروعة أن ندرج مادة فى الدستور ٢٠١٤ تلتزم الدولة بالمرأة المعيلة، ولكن حتى الآن لم تطبق هذه المادة على نطاق واسع ولا تزال المرأة المعيلة فى الفئات الفقيرة والمتوسطة تعانى من ضيق ذات اليد ومن ارتفاع الأسعار.. ولا تزال الحكومة تبحث لهذه المشكلة عن حل.
أما المرأة المعيلة نفسها فلا تزال حائرة ومهددة فى معيشتها اليومية، لأنها تريد أن تفى بالمتطلبات الضرورية اليومية للبيت وللأبناء، وفى نفس الوقت تجد أن الأسعار تقفز قفزات كبيرة كل يوم فى كل السلع والخدمات وبلا توقف.. وتجد نفسها أمام معضلة لا تجد لها حلا، فلديها أبناء وليس لديها زوج، لأنه طلقها أو لأنه تزوج غيرها وترك أبناءه بلا عائل أو سند، أو لأنه توفى، أو لأنه فى كثير من الأحوال لا يعمل؟.. فماذا تفعل الأم المعيلة أمام مسئولياتها وطلبات الحياة التى لا تقوى عليها؟، وكيف تفى بهذه المتطلبات من مواد غذائية يومية وتعليم فى المدارس وعلاج وأدوية ترتفع أسعارها أيضًا بدون معيار، وفواتير كهرباء لا تقوى عليها لأنها تكون حسب أهواء محصلى الكهرباء. ومواصلات وإيجار مسكن وملابس ضرورية؟.
ناهيك عزيزى القارئ عن احتياجات أخرى لها وهى أيضا تكون ضرورية.. وبحسبة بسيطة لأسعار كل سلعة وكل خدمة سنجد أنها معضلة يصعب حلها.. خاصة إذا كانت الأم عاملة فى الحكومة وشريفة وذات مرتب محدد كل شهر. أما إذا كان الأبناء فى سن صغيرة فإن المعضلة تكون أكثر تعقيدًا، لأن الأبناء يكونون فى سن خطرة ولا بد من توافر حضانة مناسبة لهم فى أوقات عملها وبسعر مناسب وآمنة وقريبة من البيت حتى يمكنها أن تعمل وتطمئن على أبنائها الصغار.. إن الحضانات الجيدة أسعارها مرتفعة لا تقدر عليها المرأة المعيلة ذات الدخل المحدود.. وهكذا تظل المشاكل معلقة، وتدور الأم فى دوائر مغلقة، وتعيش حالة قلق وخوف مستمر من عدم إمكانية الإنفاق على أبنائها.
أقول هذا لأننى أطالب بأن تنظر الدولة بعين العطف والتعاطف مع المرأة المعيلة، ولأنه التزام بنص دستورى، على الدولة أن تجد له آلية للتنفيذ.. فلا يعقل أن تترك الأسواق لأهواء التجار وجشعهم وفسادهم، فلا بد من رقابة أكثر فاعلية على الأسواق وعلى السلع.. صحيح أن الدولة أقامت منافذ بأسعار مناسبة ومعقولة، لكن لابد من مضاعفتها وزيادة عددها ووقف غول ارتفاع الأسعار، الذى يهدد متوسطى الدخل والأسر الأكثر احتياجًا.. ولا بد من دعم شهرى أكثر عدالة والتوسع فيه ورصد ميزانية أكبر لوزارة التضامن الاجتماعى لعمل غطاء حماية وستر للمرأة المعيلة فى الفئات الأكثر فقرًا.. هذا بالإضافة إلى ضرورة إيجاد حلول مبتكرة يتم فيها التعاون بين الدولة والمجتمع المدنى لدعم الأسر الفقيرة مع حفظ كرامة هذه الأسر.. ويبقى السؤال الأهم: كيف ندعم المرأة المعيلة الأكثر فقرًا من ارتفاع الأسعار المطرد مع ضيق ذات اليد؟.
إنه سؤال من الضرورى أن يجد إجابة مع دخول الشتاء، ومع الأخذ فى الاعتبار أنها فئة تمثل ثلث عدد سكان مصر. أى حوالى ٣٣٪ من تعداد السكان، وفقا لآخر تعداد تم رصده.. إن من ينظر إلى مشاكل الأمهات المعيلات عن قرب سيدرك أنهن يعانين معاناة يومية وأن هناك كثيرا من الوعود بتحسين أحوالهن، لكنها ليست موجودة على أرض الواقع.. فبين ردهات المحاكم سنجد أنهن لا يأخذن حقوقهن فى حالات الطلاق مع إجراءات التقاضى البطيئة التى تستغرق سنوات وسنوات.. وإن حدث وصدرت أحكام تجد النفقة لا تكفى متطلبات الإعاشة لها ولأبنائها فى ظل ارتفاع الأسعار والخدمات الأساسية.. أما فى حالة وفاة الزوج فإن المعاش غالبًا لا يكفى لتربية الأبناء وتعليمهم وعلاجهم فى الأسر الأكثر احتياجًا.
وهنا أطالب بنظرة من الدولة لحال المرأة المعيلة كأولوية تستحق الاهتمام ووضع خطة شراكة جديدة تتعاون فيها الجهات الحكومية المنوطة بالاهتمام بالمرأة مع المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية المهتمة بهذه القضية المهمة.. ربما تسفر عن إنقاذ عائلات بأكملها من الفقر والمرض والجوع. المرأة المعيلة فى بلدنا فى حاجة إلى الاهتمام بشأنها وتحسين أحوالها بشكل عاجل.