رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من أجل أن يفهم الشباب القرآن



لكل زمان أدواته وطرقه التى تختلف عن الأزمنة الأخرى، فما كان يصلح بالأمس، ليس بالضرورة صالحًا لهذا الزمن، وما يميز هذا الزمن هو السرعة اللامتناهية، التى تجعل الإنسان فى سباق مع الوقت، فهو لم يعد كما كان فى السابق، لديه استعداد لأن يطالع كتابًا قد تستغرق قراءته أيامًا وأسابيع، بل وربما شهورًا، هو يريد «الخلاصة الموجزة»، التى تحمل له المعلومة فى أقل وقت، وأقصر زمن.
إيمانًا بتلك الحقيقة التى أعتقد أن كثيرين يوافقوننى الرأى حيالها، فإنه من الضرورى أن نعيد النظر فى تقديم ما يعين الشباب، خصوصًا على فهم آيات القرآن وتدبر أحكامه ومعانيه فى سهولة ويسر، بلغة مبسطة، لا تهبط إلى مستوى «العامية»، ولا ترتفع إلى مستوى المتخصصين فى علوم اللغة العربية، بل هى بين هذا وذاك.
ذلك أدعى أن يفهم الشباب غير المتعمق فى اللغة، فى سهولة ويسر ما تحمله الآيات البينات من كتاب الله من معانٍ، وما تشتمل عليه من أحكام وقيم ومضامين، جاء بها القرآن إلى الإنسانية جميعًا، وليس قصرًا على المسلمين وحدهم، فالقرآن كتاب عالمى، لكل الناس، يخاطب الإنسان فى المقام الأول، ويولى الاهتمام بما يعانيه من مشاكل وأزمات فى الحياة، ويكفل له سبل العيش بسلام وأمان.
وحتى يستطيع شباب العصر فهم القرآن العظيم، مصداقًا لقوله تعالى فى سورة القمر: «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ»، فلابد من الاعتراف بأن هناك أسبابًا جعلت فهم القرآن العظيم أمرًا صعبًا على شباب العصر، ومنها طريقة التربية، حيث اعتاد الشباب فى المناهج المقدمة إليهم على عرض هدف رئيسى، ومن بعده بعض العناصر ثم توضيح النتائج.
فضلًا عن نمط الحياة ووتيرتها المتسارعة، إذ إن جيل الإنترنت يعتمد فى الأساس على المعلومة السريعة، فتجده يتنقل من موقع لآخر، ولا يتوقف طويلًا أمام القراءة فى موضوع واحد، فهو يريد تحصيل أكبر كم من المعلومات فى أسرع وقت، فكيف يملك أن يقرأ ٦ مجلدات لتفسير القرآن.
هذا لا يعنى بالضرورة، التقليل من جهد العلماء الذين أفنوا حياتهم وسنوات عمرهم فى إفادة الناس من علومهم، وكانت لهم اجتهاداتهم فى علوم القرآن وتفسيره، لكن لا بد من الأخذ فى الاعتبار طريقة تفكير هذا الجيل، خاصة أنه يشكل القاعدة العريضة داخل المجتمع الآن، وإن لم ندرك تلك الحقيقة سنضيع جهدنا فى إيصال صحيح الدين إليهم هباءً منثورًا.
إياك أن تظن أن الأجيال الحالية هى أول من وجدت صعوبة فى فهم القرآن، فالأجيال التى قبلنا أيضًا كانوا مثلنا، لكنهم كانوا يبذلون الجهد لتيسير القرآن، فلا بد من التجديد لفهم القرآن، فنعمل كما فعل الذين من قبلنا، نبتكر الأفكار، ليبقى القرآن سهل الفهم.
فعندما كان يظهر جيل لا يستصعب لغة القرآن، كان الإبداع يظهر لتيسير فهم القرآن على الناس، لأن القرآن كتاب الحياة للمسلمين، لكن الآن أصبح هناك جمود فكرى، وتقيد بالتقليد، خوفًا من الإبداع، وازدادت الأجيال بعدًا عن القرآن، مما أدى إلى ظهور مفاهيم فاسدة ومتطرفة نتيجة الجهل بالقرآن رسّخت التطرف والإلحاد!.
ولقد أنزل الله القرآن هداية للبشر، فإذا كان الناس لا يستطيعون فهمه جيدًا بفهم الصحابة والتابعين وسلف الأمة الصالحين، فإن هذا يُؤدى إلى استغلال جهل الناس بالفهم الصحيح لترسيخ التطرف والإرهاب، لذا، وجب على علماء المسلمين ابتكار حلول إبداعية لتيسير فهم القرآن فهمًا صحيحًا قويمًا كما كان علماء كل عصر يقومون بهذا الأمر فى عصـرهم.
ولا بد أن نخاطب الشباب بلغتهم وبطريقتهم، إن أردنا أن نجذبهم، لا أن نخسرهم، إذا أردنا أن ينشأوا على دراية وفهم لكتاب الله، وحتى لا يقعوا يومًا فريسة لأصحاب الفهم المتطرف، وطريقتهم الجامدة فى النظر للإسلام، التى تخلو من أى روح وإنسانية. من هنا، أقترح أن يتم تفسير القرآن الكريم بالطريقة التى يفهمها شباب العصر، عن طريق تحديد الأهداف الإنسانية للقرآن، وذلك بأن نجعل لكل سورة هدفًا إنسانيًا يعينهم على فهم الآيات بطريقة سهلة عصرية، فكل سورة من سور القرآن لها هدف محدد، وكل مقاطع السورة تخدم هذا الهدف، حتى كلمة سورة هى تشبيه بالسور الذى يحيط بكل ما هو داخله.
فكل سورة تحقق هدفًا محددًا، وكل آية تخدم هذا الهدف، حتى اسم السورة له علاقة بهذا الهدف، والقصص وآيات قدرة الله تصب فى الهدف، بحيث لو فهمنا هدف أو أهداف كل سور القرآن، لفهمنا القرآن كله، ولا نتعامل معه آية آية.
مثال سورة «البقرة»، حيث الهدف الإنسانى منها وهو «أن الإنسان مسئول عن الأرض» وذلك من خلال عرض ٣ قصص، هى: قصة آدم- عليه السلام- وهى قصة إنسان مسئول عن الأرض، ومن بعدها بنى إسرائيل وهم نموذج فاشل لم يستطيعوا الحفاظ عليها، ثم إبراهيم الخليل وهى تجربة ناجحة للحفاظ عليها والإتقان فى العمل.
مثال آخر، سورة آل عمران، حيث الهدف الإنسانى منها هو «دعوة للحوار»، وفيها تم عرض أدبيات الحوار، وكيف تصنع حوارًا، والنقاط المشتركة بين المتحاورين.
أما سورة النساء، فهدفها «الدفاع عن حقوق الإنسان خاصة المرأة» وذلك قبل وضع ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وهدف سورة الكهف «عرض فلسفة الحياة» أما سورة النمل «فهى تسعى لتوظيف التكنولوجيا»، وسورة النحل تركز على «الإدارة».
ويمكن أن نضع خريطة توضح هذا التفسير، وفق تلك الأهداف المشار إليها، وتصميم «إنفوجراف» وشرحه بصور متحركة، وترجمته إلى كل لغات العالم حتى يقرؤه الغرب. ليس معنى كلامى هذا أننا لن نقرأ القرآن، بل سنقرؤه، لكن قراءته ستكون أحلى وأرق، لأنك تقرأه بفهم وتذوق للمعنى. فنحن نريد أن يكون القرآن فى قلب وعقل كل شاب مسلم وغير مسلم سهلًا وواضحًا يعود إليه يوميًا ليراجع خطوات حياته نحو العمل.. الإنتاج.. الأخلاق.. الحوار.. التعايش.. خريطة ذهنية واضحة.. لن ننجح بعلماء دين فقط.. بل لا بد من إسهام الشباب حتى نربط القرآن بالحياة والإنسانية بأسلوب العصر.