رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كل إنسان يدافع عما ينقصه



يوافق اليوم ١٠ ديسمبر ٢٠١٨، مرور سبعين عامًا على تأسيس واعتماد الميثاق العالمى لحقوق الإنسان، وربما، يكون مصطلح «حقوق الإنسان» هو أكثر المصطلحات التى يكثر حولها الجدل، ويواجه تحقيقه الكثير من المعوقات، محليًا، ودوليًا، ليس فقط، من جانب الأنظمة، والحكومات، ولكن أيضا، من جانب الشعوب، التى من المفروض أن هذا الميثاق قد تم تشريعه لمصلحتها، ورفع معاناتها، فى جميع المجالات.
سبعون عامًا مرت منذ اعتماد الوثيقة العالمية لحقوق الإنسان، لكن المفارقة المؤسفة، أن السبعين عامًا، من ١٩٤٨ حتى ٢٠١٨، هى أكثر الفترات التى شهدت تدهورًا فى حقوق الإنسان، وارتفاع سقف انتهاكات حقوق الإنسان، وانخفاض الحد الأدنى من الحياة الآدمية الكريمة، لغالبية سكان الأرض.
وأنا لست مندهشة من هذه المفارقة، فهذا أمر طبيعى مع كل الأيام العالمية، التى ابتدعتها الأمم المتحدة، لكى تخدعنا، وتغطى على الحقيقة الغائبة، وهى أن النظام العالمى الذى يحكم العالم، بكل مؤسساته، وعلى رأسها الأمم المتحدة نفسها، فى تناقض جوهرى مع «حقوق الإنسان». و«الإنسان» المقصود هو الذى يمثل الغالبية العظمى من البشر، نساء، ورجالًا، وأطفالًا، الذين لا يملكون شيئًا من أمرهم، غير أجسادهم المستغلة فى الإنتاج والاستهلاك.
أما «الإنسان» المنتمى للطبقات العليا، التى تملك كل شىء، فمن البديهى أنه لا يحتاج «ميثاقًا عالميًا، أو وثيقة عالمية» لحقوق الإنسان. فالنظام كله مسخر للحفاظ على حقوقه، وتدعيم ملكيته، وهيمنته، وسطوته، وبقائه، وذكوريته، وعنصريته.
«اليوم العالمى للمرأة» لا يعنى إلا غياب حقوق المرأة، على مستوى العالم، ولكن لا بأس من الاحتفال به. و«اليوم العالمى لنبذ العنف» ما هو إلا شعار أجوف، لتغطية العنف، وتزايد سفك الدماء، وضحايا الإرهاب الدينى، على مستوى العالم.
وفعلًا «شر البلية ما يضحك»، فالدول التى ترعى، وتمول، وتستفيد، من انتشار الإرهاب الدينى، هى التى تحرص على الاحتفال باليوم العالمى لنبذ العنف. وهذه الآلية المتناقضة معروفة منذ قديم الأزل. فالاهتمام بالشكل، وتحسين الصورة، وطلاء المنزل من الخارج، وإنفاق الموارد على الزخرفة الخارجية المظهرية، ما هى إلا «تأكيد»، على انعدام الجوهر.
وهى آلية يستخدمها الجميع، أفرادا وجماعات، ومؤسسات، وأحزابا، وحكومات، وتنظيمات، على مستوى العالم. فالزوج القاهر، القابض على أنفاس زوجته، ويعاملها كما السيد مع جاريته، ومملوكته، هو أكثر الأزواج كلامًا عن حقوق المرأة. والحزب الذى يعيش على التمويل المشروط هو الذى يزعق بضرورة النزاهة الوطنية. والمجتمع الذى ينخر فى عظامه الفساد الأخلاقى، والفسق، والفجور، والكذب، والانحلال، هو الذى يعطى المحاضرات عن العفة، والصدق، والفضيلة.
واللصوص، والنصابون، والمحتالون، والمرتزقة، والقوادون، والجواسيس، هم أبرع الناس فى الحديث عن الأمانة، والشرف، والاستقامة الدينية، والصراط الأخلاقى المستقيم. ومنْ يسفك الدماء يطالب بحق الحياة. وأجمل منْ يغنى، ويرقص، للحرية، لا يزدهر إلا على إيقاعات القمع. عندما عاد جورج برنارد شو، ٢٦ يوليو ١٨٥٦- ٢ نوفمبر ١٩٥٠، والذى أحبه كثيرًا، من زيارته لأمريكا، سُئل عن رأيه فى تمثال الحرية، فأجاب بسخريته المعتادة: «الناس عادة ما يصنعون التماثيل للموتى».
وعندما خاطبه «ونستون تشرشل» ٣٠ نوفمبر ١٨٧٤- ٢٤ يناير ١٩٥٦، لينزِّل من أصله الأيرلندى: «أنتم الأيرلنديون تحاربون من أجل المال.. أما نحن الإنجليز فندافع عن الشرف». رد شو بابتسامة هادئة: «كل قوم يدافع عما ينقصه».
من بستان قصائدى
فى كل زمان ومكان.. يختلف البشر
فى كل الأشياء.. فصيلة الدم.. والجينات الموروثة
الأفكار والأحلام.. الطباع والمزاج
حسابات البنوك.. أرصدة الأوهام
عقائد ديانات ملل طوائف.. لكنهم على شىء واحد يتفقون
وإن تغير الزمان.. وإن تبدل المكان
كلهم يحتاجون إلى لمسة حنان.. منزهة عن المصالح والأغراض
إلى منْ يقدم واجب العزاء.. وإن لم يلبس السواد
أو استعصى فى عينيه البكاء