رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ترقب..

جريدة الدستور



يلفح وجهه هواء شديد السخونة، رطوبة متعاظمة.. ينتظر حقيبته- يصادفه الموظف المختص بتسلم حقائب الشركة السياحية التى يسافر معها، يأخذ منه حقيبته، قائلًا: انتظر هناك.. ويشير بيده.. يمشى فى الاتجاه الذى أشار إليه، بعد أن يترك له حقيبته الكبيرة أما حقيبة أوراقه، وحقيبة صغيرة يأخذهما معه.. بعد خمس دقائق، يصل إلى مظلة مخصصة لشركته السياحية التى سافر معها.. يجد عددًا قليلًا من رفقاء الرحلة، ينتظرون حقائبهم، ومشرف كل مجموعة كى يوجههم ما هى الإجراءات التالية.. بعد انتظار مرير، يظهر مشرف المجموعة الذى لم يره، منذ دخوله الصالة الموسمية بمطار القاهرة حتى فى الطائرة لم يلمحه.. يرحب بأفراد المجموعة، ويحمد الله بسلامة الوصول إلى جدة.. - يبحث عنها وسط الحقائب القادمة من صالة الوصول بمطار جدة.. لا يجد شيئًا.. القلق يستبد به.. من التعب يجلس على الرصيف.. لم يجد مقعدًا شاغرًا.. يرقب ما يجىء من حقائب، يترامى إلى مسامعه أن هناك حقائب أخرى وصلت، لكنها تبعد أمتارًا قليلة.. يترك حقيبة الأوراق والنظارات الطبية بجوار الرصيف، ويسارع بالبحث عن حقيبته- الرئيسية - وسط مجموعة كبيرة من الحقائب.. لا يجد شيئًا أيضًا..
قبل السفر تسربله السكينة والرضا، يتهيأ لرحلة العمر، يسلم على أقاربه، يسألهم الدعاء، يوصونه بالدعاء أمام الكعبة المشرفة، يعدهم بأنه لن ينسى.. يذهب إلى صالة السفر الموسمية بمطار القاهرة الدولى.. يقف فى طابور الوزن.. يختم جواز السفر.. يحدد الكرسى الذى سيجلس عليه بالطائرة.. يُعرض فيلم تسجيلى لمناسك الحج، وتكبيرات الإحرام: لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
يعود إلى مكانه.. يفاجأ باختفاء حقيبة الأوراق.. الخيبة والحسرة، تتملكانه.. يسأل من حوله عن الحقيبة، لا يجد إجابة شافية.. الغالبية يستغربون سؤاله، والبعض يبحثون معه.. لا يعرف ماذا يفعل؟ وإذا لم يجدها كيف يقضى أيامه هنا من غير أوراقه المهمة ونظارة القراءة، والنظارة الاحتياطى.. يدخل فى دوائر من القلق اللا متناهى.. يروح ويجىء بلا هدف محدد.. الحقائب كلها متشابهة- هدية من الشركة السياحية المنظمة- فتزيد من حيرته.. يلمح حقيبة يشك فى أنها حقيبته.. يحملها أحد المسافرين معه بالرحلة، يرنو إلى الكارت الموضوع على جانب الحقيبة المدون به بيانات صاحبها، يفاجأ أنه اسمه.. دون تردد يعلو صوته: هذه حقيبتى.. ينظر له حاملها باستغراب: كيف؟ وقبل أن يكمل كلماته، يشير إلى اسمه المدون على الكارت.. فيعطيها له بأسف مبرر بتشابه الحقائب جميعها، فالخطأ متوقع.. يهز رأسه، ويمشى، ليبحث عن حقيبته الرئيسية.. يخشى أن تفوته صلاة الظهر، يتوضأ ويصلى فى مصلاة قريبة من مكان تجمع المسافرين.. يبحث عنها فى أرجاء صالة الوصول.. العرق يتفصد من جبينه، ينهمر على عينيه، ونظارته الطبية.. رؤيته تمسى غائمة.. رداء الإحرام يلتصق بجسده... «تمور الأفكار برأسك المتعب.. ماذا تفعل إذا لم تظهر حقيبتك.. كيف ستقضى مناسك الحج.. كل ما تحتاجه من ضروريات فى هذه الحقيبة التائهة.. يارب».
يجىء بخلده أن يرجع من نفس الطريق الذى أشير إليه بالتجمع عنده؛ لعله يجدها.. يلمح حقيبة تشبه حقيبته بجانب الطريق مع حقيبة أخرى.. يقترب.. كم كانت سعادته؟.. إنها حقيبته بالرباط الأخضر المميز.. يأخذ حقيبته، وينتظر فى المكان الذى حددته الشركة السياحية.
بعد وقت طويل من الانتظار والترقب، يظهر مشرفو المجموعات، ويطلبون التوجه إلى السيارات، المخصصة لنقل فوج الحج، وعلى كل مجموعة أن تصعد إلى الأتوبيس المدون عليه رقم المجموعة.. يحمل حقائبه جميعها، للتوجه للحافلة المدون عليها رقم مجموعته.. يمشى مسافة طويلة، وهو يحمل حقائبه الثقيلة.. يضع حقيبته الرئيسية فى مكانها المحدد، ويصعد إلى الحافلة بحقيبتيه الأخريين.. يجلس فى انتظار التوجه إلى الفندق بمكة المكرمة.. بالرغم من التعب الذى يشعر به إلا أنه ثمة سكينة وطمأنينة تسرى فى قلبه.. يفكر فى مناسك الحج، وكيفية أدائها بشكل صحيح.. يختار بعناية بعض الكتب التى تعكف على شرح مناسك الحج بالتفصيل.. فضلًا عن كتيبات تأخذها كهدايا فى مطار القاهرة قبل الإقلاع إلى جدة.. يطلب منه مشرف المجموعة جواز السفر، ومن باقى أفراد المجموعة كى يتم تقديمها إلى مكتب تفويج الحجيج.. والتعليمات عدم النزول من الحافلة حتى تمام الإجراءات، والوصول إلى مكة المكرمة.. فى أثناء الانتهاء من الإجراءات والانتظار وقت طويل.. توزع زجاجات صغيرة – هدايا – من ماء زمزم، الغبطة تملأ قلبه، أن تروى ظمأه، ويدعو ما يقسم له به، ويحمد الله كثيرًا..