رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكايات مصرية.. أبوالشهيدين


لو رغبنا الكتابة عن عظماء محافظة الشرقية، ما تمكنا من حصرهم ولا تتسع الصفحات والمواقع لذكر أعمالهم وبطولاتهم، وفى كل المجالات من السياسة للصحافة ومن الفن للرياضة وغيرها، لكن هنا نكتفي باسم واحد منهم هو الفنان الكبير السيد بدير ابن قرية أبوالشقوق التابعة لمركز كفرصقر، أو كما أسميه أنا شخصيًا أبوالشهيدين.

يعرف السيد بدير عند عموم المصريين بشخصية عبدالموجود كبير الرحامية قبلى، ولكن غير المعروف عنه أنه مؤلف لأهم أفلام السينما المصرية منها: حميدو، وبائعة الخبز، وجعلوني مجرمًا، وفتوات الحسينية، وشباب امرأة، ولنا أن نتذكر قوة سيناريو الفيلم وإفيهاته التي باتت جزءًا من الثقافة العامة للمصريين، إلى جانب فيلم، رصيف نمرة 5، أحد أبرز أفلام العملاق فريد شوقي، وكان آخر أفلامه ككاتب للسيناريو فيلم السلخانة في عام 1982، الذي اشتهر بإفيه "ادبح يا زكى قدرة".

تقلد الفنان السيد بدير، العديد من المناصب ونال الكثير من الجوائز أهمها رئيس المؤسسة العامة للسينما والمسرح والموسيقى في عصرها الذهبي التى قدمت من خلالها أقوى الأفلام المصرية التى لم يكن يقوى على إنتاجها القطاع الخاص وحصل أيضا السيد بدير على أوسمة وجوائز تقدير أبرزها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى ووسام الجمهورية ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى إلى جانب جائزة الدولة التقديرية في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة، غيرها، لكن أهم ما حصل عليه السيد بدير من وجهة نظرى هو حصوله على لقب أبوالشهيدين العظيمين.

ولمن لا يعرف أن أغنية أم البطل التى غنتها سلطانة الطرب شريفة فاضل، قد غنتها لابنهما الشهيد طيار سيد السيد بدير أحد أبطال حرب الاستنزاف، وقد اعتزلت شريفة فاضل الغناء تمامًا بعد استشهاد ابنها، غير أن الموسيقار الكبير على إسماعيل، استطاع إقناعها بغناء هذه الأغنية بعد انتصار حرب أكتوبر، وكتبتها زوجة إسماعيل الشاعرة نبيلة قنديل، التى قيل إنها كتبت الأغنية بعدما جلست داخل غرفة الشهيد لنصف ساعة فخرجت بتلك الكلمات التى ما زالت هى الأقوى في التعبير عن آلام أمهات الشهداء والتى يصعب أن نسمعها دون أن تدمع أعيننا.

والمخرج الكبير السيد بدير هو أيضا والد العالم الفذ سعيد السيد بدير، وهو عالم مصري تخصص في مجال الاتصال بالأقمار الصناعية والمركبات الفضائية خارج الغلاف الجوي، وهو تخصص نادر ومهم جدًا، وقد تخصص فيه بعد تخرجه من الكلية الفنية العسكرية وعين ضابطًا في القوات المسلحة المصرية، حيث أصبح معيدًا في الكلية الفنية العسكرية عام 1972، ثم مدرسًا مساعدًا في الكلية نفسها، ثم مدرسًا فيها عام 1981، حتى وصل إلى رتبة عقيد مهندس بالقوات الجوية وأحيل إلى التقاعد برتبة عقيد مهندس بالمعاش بناء على طلبه بعد أن حصل على درجة الدكتوراه من إنجلترا ثم عمل في أبحاث الأقمار الصناعية كأستاذ زائر في جامعة ليبزيخ في ألمانيا الغربية وتعاقد معها لإجراء أبحاثه طوال عامين، وكان تخصصه هو كيفية التحكم في المدة الزمنية منذ بدء إطلاق القمر الصناعي إلى الفضاء ومدى المدة المستغرقة لانفصال الصاروخ عن القمر الصناعي. والتحكم في المعلومات المرسلة من القمر الصناعي إلى مركز المعلومات في الأرض سواء أكان قمر تجسس أو قمرًا استكشافيًا. وهى من معضلات الأبحاث الفضائية حتى الآن.

في أكتوبر عام 1988 حاول باحثان أمريكيان إقناعه لإجراء أبحاث معهما مقابل الحصول على الجنسية الأمريكية ومقابل مالى كبير، وهنا اغتاظ باحثو الجامعة الألمانية وبدأوا بالتحرش به ومضايقته حتى يلغي فكرة التعاقد مع الأمريكيين، وذكرت زوجته أنها وزوجها وابناهما كانوا يكتشفون أثناء وجودهم في ألمانيا عبثًا في أثاث مسكنهم وسرقة كتب زوجها، الذى شعر بأن حياته وحياة أسرته باتت في خطر، فكتب رسالة إلى الحكومة المصرية يطلب فيها حمايته، وبالفعل تلقى اتصالًا من الحكومة في القاهرة تطلب منه عودته فورًا إلى أرض الوطن.

ثم عاد إلى القاهرة في 8 يونيو عام 1988 ليحتمى من الاغتيال وقرر السفر إلى أحد أشقائه في الإسكندرية لاستكمال أبحاثه فيها، وبدأت المخابرات الأمريكية تهدده بطريقة غير مباشرة، وكي يبعد الأنظار عنه قرر أن يفتتح مصنعًا للإلكترونيات لمجرد صرف نظر المخابرات عنه.

بعد ذلك الإعلان بأسبوع، وتحديدًا في الإسكندرية في 13 يوليو (تموز) عام 1989 تلقى قسم شرطة شرق في الإسكندرية بلاغًا عن سقوط شخص من أعلى عمارة في شارع طيبة بكامب شيزار في ما يبدو أنه انتحار، وكشفت التحقيقات أن غاز الشقة مفتوح وكأنه أراد الانتحار بالغاز وعندما فشل ألقى بنفسه من العمارة، كذلك وجدوا وريد يده مقطوعًا أيضًا، فكأنه أراد الانتحار بطرق الموت كافة دون مبرر لذلك، وبالفعل قيدت الواقعة انتحارا ولكنه اسشهد ونال الشهادة على أرض وطنه، ولعلنا سنمع قريبًا خبرًا عن استكمال أبحاثه على يد علماء مصريين آخرين رحم الله الفنان الكبير السيد بدير ورحم أبناءه ورحم الله كل شهداءنا العظام.