رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منى طه: الإخلاص لمن يحتاجوننا هو الأهم


رأت الكتابة منى طه الإخلاص لمن هم في حاجة إلينا، أهم كثيرًا من الذهاب، لمن لا يحتاجوننا في الحقيقة, كان ذلك في عملها الأدبي الأول بنات الأصول ، الصادر مؤخرًا عن دار العين للنشر.

كانت طه ، تريد أن تكتب شيئا عن البنات والحلم والحياة، عن البساطة في التمسك بأشياء بحياة القراء ذات ثقة، عن معاني أشبه بالمداعبات البسيطة الراقية، والحكي الناعم المعبأ بالحميمية والألفة، لغة مليئة بمودة الفتاة المحبة للتفاصيل، لا يحتاج الأمر هنا لتعقيد ما، لا تحتاج الكتابة لمداهمات أكثر عمقا، إذا فضلت الكاتبة جعل الطريق ممهدا خاليا من المتاعب أمام قارئها.

ففي مجموعتها القصصية الأولى، تردد حكايات عن أشخاص قريبين من مشاعر وسلوك وأصول, القراء، التي لا تحتاج أكثر من سرد حكاية تلك الممرضة في مستشفاها، وهي تقع في حب هذا الطبيب، تتحدث عن الحب الذي لا يعرف تلك الفوراق الاجتماعية، ثم ترصد هذا الصراع عندما تعرف بخبر خطوبته وخبر زواجه، في كل المرات يكون هناك رد فعل ما، وفي كل المرات يكون هناك خطًا آخر موازيًا ومرتبطًا بهذا المريض، الذي تم تكلفتها برعايته الكاملة، كيف يمكن لتلك الممرضة أن تجد في هذا المريض حياتها، ليس بحبه هو الآخر، وإنما بتخليصها من الهرولة وراء الآخرين في قلق، الإخلاص لمن هم في حاجة إلينا أهم كثيرا من الذهاب لمن لا يحتاجونك في الحقيقة، أصبحت إنسانة تحترم نفسها، تعتز بكرامتها، وكم كانت سعيدة بشفاء مريضها الحميم، وتكليفها برعاية مريض آخر.

مثل تلك الحكاية وتلك الفتاة، الكثير من الشخصيات تعبث مع القارئ في مجموعة بنات الأصول تتحاور معه في خفة، كما تقرأ مثلًا في قصتها سارق الأمنيات ، حيث رولا وزملائها الأربعة، الذين يشاركونها الغرفة؛ وحيث لعبة الأماني والكرات المطاطية، تلك الكرات التي تضعها في كوب الماء الكبير بعد أن تتمنى أمنية ما، على أمل أن يأتي الغد ويشاهد الجميع أي الأفراد سوف تتحقق أمنيته قبل بقية الزملاء، الشخص الموعود صاحب الكرة المطاطية التي ستكبر أولا، وبينما اشترك الجميع وسارعوا في تصور الأمنيات وإلقاء الكرات، كان هناك في نهاية اليوم محسن عامل البوفيه، الذي التقط كوب الماء في بساطة ووضعه ضمن الأكواب والفناجين الأخرى، وقام برمي الكرات في سلة المهملات, هكذا تسير الكاتبة بهذا الرفق واللطف في بقية الحكايات، شخوصها تتحدث بحقيقتها المرصودة لا بحبكة مصنوعة، تحاول الالتقاء بقرائها في أقرب معنى ممكن، وأقرب صورة ممكنة، وأقرب لغة ممكنة.