رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ترخيص بالكلام!



سيكون الدكتور سعدالدين الهلالى هو أول الحاصلين على هذا الترخيص، ترخيص بالكلام، وأول الملتزمين بقرار رئيس جامعة الأزهر رقم ١٢٢٤ لسنة ٢٠١٨، مع أن توقيت صدور القرار جعل كثيرين يعتقدون أن الهدف منه هو منع «الهلالى»، تحديدًا، من الكلام.. أو الظهور فى وسائل الإعلام!.
الهلالى، الذى يعمل أستاذًا للفقه المقارن فى كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، تقدم بطلب رسمى، يوم الثلاثاء، إلى مكتب رئيس الجامعة، للحصول على ترخيص بالظهور فى وسائل الإعلام، تنفيذًا، أو عملًا بمقتضى القرار الذى صدر، يوم الإثنين، وألزم أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم (معيد، مدرس مساعد) بالحصول على موافقة أو ترخيص منه قبل مزاولة المهنة خارج الجامعة، أو القيام بالتدريس أو إلقاء دروس أو العمل أو الظهور أو التصدى للفتوى فى وسائل الإعلام المختلفة، أو العمل فى دعوى أو قضية تحكيم بصفته مُحكمًا أو خبيرًا أو محاميًا، أو.... أو... إلخ.
جامعة الأزهر أوضحت، فى بيان أصدرته الثلاثاء، أن القرار ما هو إلا تفعيل لنصوص اللائحة التنفيذية لقانون ١٠٣ لسنة ١٩٦١م، الصادرة بالقرار الجمهورى رقم ٢٥٠ لسنة ١٩٧٥، ويشتمل على عدد من الإجراءات التنظيمية التى تحافظ على رسالة جامعة الأزهر وتنظم شئون أعضائها؛ بما يتناسب وثقة جماهير المسلمين الذين يستمعون إليهم ويثقون برأيهم. وأوضحت الجامعة أنها لم تستهدف أحدًا بعينه، بالتأكيد على هذه الإجراءات التنظيمية، وأن تنظيم الظهور الإعلامى لأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم أو التصدى للفتوى العامة، لا يُعد تخليًا عن منهجها الذى يرتكز على الاجتهاد والتنوع وقبول الاختلاف.
فى البيان نفسه، جدّدت جامعة الأزهر تأكيدها على أنها لا تمنع أحدًا من علماء الأزهر وأساتذته من الظهور الإعلامى اللائق بالمؤسسة العريقة، فهذا دور علماء الأزهر فى بيان الدين والأحكام الشرعية للناس، ولكن من حق الجامعة مثلها مثل كل مؤسسات الدولة أن تنظم شئونها وشئون أعضائها بما يحافظ على كرامتها ومسئوليتها تجاه أمانة تبليغ الدين، وتجاه الوطن والمجتمع، وعلى كل من يرغب من السادة أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم فى الظهور الإعلامى أو العمل فى مجال الإعلام أو التصدى للفتوى بوسائل الإعلام، تقديم الطلبات إلى إدارة الجامعة، للحصول على موافقة السلطة المختصة؛ إنفاذًا لصحيح القانون.
طبيعى أن يعيدنا هذا الكلام إلى محاولة فض الاشتباك، أو توضيح الفرق بين الحكم الشرعى، والحكم الفقهى، والرأى الإنسانى. لكننا بدلًا من ذلك عدنا إلى «واجبات هيئة التدريس» فى اللائحة التنفيذية للقانون الذى أشار إليه البيان، وقرأنا المواد من ١٧٤ إلى ١٨١، مرارًا، ولم نجد بها أى ذكر للظهور فى وسائل الإعلام أو التصدى للفتوى. كما عدنا، أيضًا، إلى عقوبات سبق أن هدد المجلس الأعلى للإعلام، منذ سنة تقريبًا، بفرضها على وسائل الإعلام غير الملتزمة بقائمة أصدرها تضم ٥٠ أو ٥١ أو ٥٣ أو ٧٣ اسمًا هم فقط المصرَّح لهم بالفتوى!.
قائمة الـ٥٠ صدرت بالاتفاق بين المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام و«دار الإفتاء» و«الأزهر الشريف»، وضمت ٣٠ اسمًا رشحتهم مشيخة الأزهر، و٢٠ آخرين رشحتهم دار الإفتاء. وأضيف واحد واثنان وثلاثة، ثم قيل إن القائمة مفتوحة وليست مغلقة. ووقتها، دخلت وزارة الأوقاف على الخط، وأعلن وزيرها الدكتور محمد مختار جمعة أنه قام بتسليم قائمتين إلى الأستاذ مكرم، الأولى للمرشحين للبرامج الدينية العامة والإفتاء وتضم ٢١ اسمًا، والثانية بها ١١٥ وتخص المرشحين للبرامج الدينية العامة. وأكد فى تصريحات صحفية عقب اللقاء، أن الوزارة تنتظر أن يقر البرلمان قانون الفتوى، لحسم أى جدل يُثار بشأن الأمر.
القانون الذى لا زلنا ننتظره مع وزير الأوقاف وافقت عليه لجنتا الشئون الدينية والشئون الدستورية والتشريعية، بمجلس النواب بشكل نهائى، منذ أكثر من سنة ونصف، وحدّد فى مادته الأولى الجهات المنوط بها إصدار الفتاوى. وبالنص قالت مادته الثانية: «للأئمة والوعاظ ومدرسى الأزهر الشريف وأعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر أداء مهام الوعظ والإرشاد الدينى العام بما يبين للمصلين وعامة المسلمين أمور دينهم ولا يعد ذلك من باب التعرض للفتوى العامة».
من ذلك كله، يمكنك بسهولة استنتاج أن «اختراع» الحصول على ترخيص بالكلام أو بالظهور فى وسائل الإعلام، لم يستند إلى اللائحة التنفيذية للقانون التى زعم بيان جامعة الأزهر أنه استند إليها، وأنه سيكون مخالفًا للقانون الجديد، حال إقراره. والأهم، هو أنه يخالف ويصطدم بنص المادة ٦٥ من الدستور التى قالت إن «حرية الفكر والرأى مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر».