رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

انطلاقة جديدة لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي


نحن بحاجة فى مصر لزيادة عدد المهرجانات الدولية.. بل ومضاعفة عددها.. إن المهرجانات الدولية الثقافية والفنية هى جسور آمنة للتواصل مع العالم، وضرورة من ضرورات التقدم والتنوير والتفاعل مع حركة الثقافة والفنون العالمية، فضلًا عن أهميتها فى تنشيط السياحة، وتقديم صورة حضارية عن بلدنا للعالم.

لا شىء يضاهى الدعاية لمصر وتوافر الأمان والاستقرار بها أكثر من إقامة مهرجانات فنية وثقافية عديدة، على أن تكون ناجحة متكاملة وذات تنظيم جيد ومردود إيجابى يدعم مكانة مصر ودورها الرائد ثقافيًا فى المنطقة.. إن صناعة السينما فى بلدنا هى صناعة عريقة بدأت منذ ١٩١٧ فى الإسكندرية، وكانت صناعة السينما ثانى مصدر للدخل القومى لبلدنا فى الأربعينيات من القرن الماضى، كانت صناعة يعمل بها عدد كبير من الفنانين والمبدعين والفنيين والعاملين والمهتمين بها.

ومنذ أربعين عامًا أسس الناقد والصحفى الكبير الراحل كمال الملاخ مهرجان القاهرة السينمائى الدولى.. وهذا العام شهد مهرجان القاهرة الدولى السينمائى فى دورته الأربعين انطلاقة جديدة إذ تضمن المهرجان أفلامًا أجنبية تعكس لنا قضايا جديدة ومشاكل وصورًا من الحياة عن قرب فى أحياء ومواقع لم نعهدها، فرأينا الفيلم الفيتنامى والبلغارى والكولومبى.. وكان واضحًا ظهور أشكال جديدة من التعاون من خلال السينما بين عدة دول.

فالفيلم الفائز بالهرم الذهبى فى حفل ختام المهرجان مثلًا.. كان فيلم «ليلة الاثنى عشر عامًا».. وهو إنتاج مشترك بين إسبانيا والأرجنتين وأوروجواى وفرنسا.. وذهبت جائزة الإخراج لفيلم تايلاندى، وجائزة التمثيل للمجر، وأفضل سيناريو «طيور الممر» إنتاج مشترك بين كولومبيا والدنمارك والمكسيك وفرنسا.. وتميزت هذه الدورة بروح مختلفة وجديدة باختيار السيناريست محمد حفظى.. وهو أحد أبناء الوسط الفنى ومتفاعل مع المهرجانات العالمية.. وكنت دائمًا ما أراه فى افتتاح مهرجان القاهرة خلال السنوات الماضية، الذى أحرص منذ بداية مسيرتى الصحفية والنقدية على حضوره، كما أحرص على حضور كثير من المهرجانات خارج مصر.

وهى المرة الأولى التى يتم فيها اختيار سيناريست ومنتج لرئاسة المهرجان، وقد اختارته وزيرة الثقافة د. إيناس عبدالدايم، وكان عادة ما يتم اختيار نجم كبير رئيسًا، مثل حسين فهمى وعزت أبوعوف، أو كاتب كبير مثل د. سعدالدين وهبة. كما تم اختيار النجم المصرى العالمى عمر الشريف رئيسًا شرفيًا أثناء تولى الفنان فاروق حسنى وزارة الثقافة.

والحقيقة أن ثمة عددًا من الملاحظات لى من منطق «ما له وما عليه» أولاها: عودة المهرجان إلى حضن وزارة الثقافة وإقامة حفلى الافتتاح والختام فى دار الأوبرا المصرية، وهذه خطوة جيدة لما لها من مكانة فنية وثقافية لا تضاهيها مكانة، ولأنه من الطبيعى أن تكون فعالياته الأساسية فى مواقع تابعة لوزارة الثقافة، وهكذا عاد إليه رونقه وثقله.

ثانيتها: وجود عدد كبير من الأفلام الأجنبية وصل إلى ١٦٩ فيلمًا من مختلف أنحاء العالم، مما يعد نجاحًا فى حد ذاته.

ثالثتها: أن عددًا كبيرًا من الفنانين والفنانات حضروا حفل افتتاح المهرجان من مختلف الأجيال، وحرصوا على أن يدعموا المهرجان التابع لوزارة الثقافة المصرية وأيضًا، كما علمت، دعم محمد حفظى، رئيس المهرجان.

رابعتها: لقيت الأفلام المعروضة إقبالًا جماهيريًا وفى بعض العروض لم تستوعب دور السينما الإقبال الكبير، ما أدى لاعتذار كثير من الراغبين فى مشاهدة العروض.

خامستها: جاء اختيار فيلم الافتتاح موفقًا إلى حد كبير، وهو فيلم أمريكى مستقى من قصة حقيقية بعنوان «الكتاب الأخضر» وسبق فوزه بجوائز فى مهرجانات دولية، ويتناول مشكلة التفرقة العنصرية فى الولايات المتحدة الأمريكية سنة ١٩٥٦ من خلال رجلين من عالمين مختلفين تضطرهما الحياة لأن يكونا معًا.

سادستها: جاء الافتتاح متميزًا بالديكورات الأنيقة على السجادة الحمراء، وبالألوان الذهبية والأضواء المنتشرة عليها.

سابعتها: كانت لفتة طيبة أن تم تكريم النجمين الكبيرين سمير صبرى وحسن حسنى خلال حفل الافتتاح.. وقبل فوات الأوان.

ثامنتها: احتفل المهرجان بالمرأة العربية لأول مرة من خلال إنشاء قسم المخرجات العربيات، وهى خطوة إيجابية لدعم مشاركة المرأة فى صناعة السينما بالدول العربية.

ومن ناحية أخرى، كانت هناك بعض الأخطاء التى يمكن تلافيها فى الدورات المقبلة، أولها: تأخر بدء فعاليات الافتتاح ساعة كاملة، رغم التنويه بأن الأبواب ستغلق فى السابعة تمامًا، حيث تبدأ الفعاليات فى السابعة والنصف، لكنها بدأت فى الثامنة والنصف كما حدث هذا فى حفل الختام أيضًا.. ثانيها: نسى بعض المتحدثين الذين وقع عليهم الاختيار ليشاركوا فى حفل الافتتاح ما كان عليهم أن يقولوه، كما أن هناك كلمات طالت أكثر مما ينبغى لبعض الفنانين الذين صعدوا لتقديم الفقرات فى حفل الافتتاح.

ثالثها: من الضرورى أن تنتبه الفنانات أن مهرجان القاهرة السينمائى الدولى هو واجهة للفن المصرى، وأن تدرك كل فنانة وفنان أن عليه وعليها مسئولية أن يكونوا نموذجًا يحتذى به فى الرقى والأناقة والسلوك السوى. رابعها: كان هناك عدد أكبر مما ينبغى من شباب شركة التنظيم الذين لم تكن لهم ضرورة وبعضهم ليس لديه خبرة بالإتيكيت والبروتوكول وأصول تنظيم المهرجانات.

وكان يمكن الاكتفاء بعدد قليل للتنظيم، إلى جانب رجال التنظيم والعلاقات العامة بالأوبرا.. ومن الذى كلّف كل هؤلاء المنتشرين للتنظيم بشكل مستفز بين الضيوف والنجوم والمبدعين، بينما يمكن اختصار هذا العدد الغفير إلى الربع.

انتهى المهرجان، لكن لم ينته النقاش عن الأفلام الأجنبية والعربية المعروضة والمتميزة التى تضمنها المهرجان فى دورته الأربعين، والتى قدمت لنا رحلة ممتعة فى الحياة اليومية والأحياء الشعبية من مختلف أنحاء العالم، وإطلالة ضرورية لنا فى مصر تضيف إلى ثقافتنا ومعلوماتنا وعقلنا وتجعلنا فى قلب العالم وتجعل فنانى ومبدعى وضيوف المهرجان من مختلف دول العالم يرون أفلامنا وبلدنا فيصبحون بدورهم خير دعاية لنا، وهذا بدا واضحًا فى كلمات الإشادة بمصر وبالمهرجان التى قالها رئيس لجنة التحكيم فى حفل الختام.