رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كلما جاء اليوم الأخير


أكتب هذه السطور يوم الجمعة ٣٠ نوفمبر ٢٠١٨. ماذا يعنى هذا التاريخ؟. أكيد أنه يوافق ميلاد آلاف الأطفال، إناثًا، وذكورًا، هنا، وهناك. وأكثر تأكيدا، يوافق موت ملايين الأطفال، إناثًا، وذكورًا، هنا، وهناك، فى بلاد ابتليت بالفقر، والجوع، والأمراض البيئية، وانعدام الحد الأدنى للبقاء فى ذمة الطفولة.
المفارقة التى لاحظتها، وتتكرر هنا وهناك، أنه كلما زادت المليارات المخصصة للتنمية، ومكافحة الفقر، ازداد عدد الفقراء، ومآسى الخراب، وضحايا البيئة المتدهورة.
أكتب هذه السطور، يوم الجمعة ٣٠ نوفمبر ٢٠١٨. وما الذى يهم فى هذا التاريخ؟. أكيد أنه يوافق يوم ميلاد ناس، ويوم رحيل ناس، على هذا الكوكب المحترق، البائس، المسكين، الذى يلف، ويدور، بأوامر من ماكينات الدم، وحماقات الجشع، وأمراض التملك، والسيطرة.
سر يحيرنى.. كيف لا يتعظ البشر من عبث الحياة، واللاجدوى المملة، والتكرار المهين، لكل منْ يتطلع لإيجاد معنى، وجدوى، وتوهج متجدد؟. الأخطاء تتكرر.. فساد الأخلاق يتكرر.. آليات القمع تتكرر.. التجارة بالأديان تتكرر.. الوصايا على النساء تتكرر.. اللصوصية تتكرر.. الكذب المتسرطن يتكرر.. الوعود الخادعة تتكرر.. السحابة السوداء تتكرر، والسجادة الحمراء.
الجمعة ٣٠ نوفمبر ٢٠١٨، ماذا يعنى؟. لا شىء، سوى المزيد من أعداد القتلى فى حوادث الطرق.. وارتفاع أعداد المشوهين والمشوهات بحقن البوتكس، وجراحات التجميل، وانخفاض سقف الأحلام التى لم تكن تؤمن بالمستحيل.
قرأت اليوم فى إحدى الجرائد الصباحية أن جميع البحوث والدراسات العالمية، الحديثة، تؤكد أن عمر المرأة أطول من عمر الرجل. وهى ميزة تخص جنس النساء، لا يتمتع بها جنس الرجال.
بالطبع، شىء يدعو إلى السخرية. ماذا يعنى تمتع المرأة بعدد أكبر من السنوات؟. إن متابعة أحوال النساء فى العالم توضح أن عمر المرأة الأطول، لا يعنى شيئا، إلا عمرا أطول فى القهر، والاستعباد الظاهر، والملغم بالثوابت الدينية، والعرف الاجتماعى، والعادات والتقاليد من السلف الصالح، والسلف الطالح.
هناك مثل شعبى، فى غاية الحكمة يقول: «طول العمر نكد».
وهو أكثر مصداقية، للفئات، والطبقات، والشرائح، والأجناس، الأكثر تعرضا للاضطهاد، والقمع.
فى أعياد الميلاد، تدهشنى التهنئة القائلة: «عقبال مية سنة.. عقبال ألف سنة.. عقبال مليون سنة». طبعا، غير أن التهنئة فى منتهى السذاجة، والكذب الذى لا يفرح إلا امرأة فى غيبوبة، أو رجلا قصير النظر، وقصير العمر. فإن «طول العمر»، كما يقول المثل الشعبى، «نكد»، خاصة إذا كان طول العمر، معناه طول المعاناة الجسدية والنفسية، على كوكب بائس، وتعيس، وغير إنسانى.
أكتب هذه السطور، اليوم الجمعة ٣٠ نوفمبر ٢٠١٨. تاريخ عادى، ضمن كل التواريخ، التى يطويها الزمن. لا.. ليس عاديا، وليس مثل غيره من التواريخ.. إنه اليوم الأخير، فى شهر نوفمبر.
وهذا يعنى لى الكثير. لقد لاحظت بعد خبرة طويلة، أننى دائما، أبتهج، وأفرح، وأستعيد نشاطى، وحيويتى، ويروق بالى، ومزاجى، كلما جاء اليوم الأخير من الشهر، واليوم الأخير من الأسبوع، واليوم الأخير من السنة.
أستطيع طبعا، تقديم التفسير النفسى، لهذه الحالة. لكننى وكنوع من التغيير، لن أفعل. سأترك الأمر مفتوحا، للقارئات، والقراء. من ناحية، أننى مللت استعادة هذا التفسير. ومن ناحية أخرى، ربما تتوصل قارئة، أو قارئ، إلى تفسير آخر مختلف. مين عارف.. ربما هناك منْ يشبهنى، ويتضامن معى. ربما نؤسس «ملتقى الأيام الأخيرة».
من بستان قصائدى
الحقيقة رغم مرارتها
رغم كل ما بها من قسوة
تحرقنى تمزق قلبى تمرضنى
ترمينى أشلاءً فى أرض خراب
أفضلها عن أوهام تخدعنى
تغشنى.. تسرقنى.. تهزأ بعقلى
تتوجنى ملكة دون سُلطة
وتبنى لى قصورا
فى مدن السراب.