رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مُنقذ ركاب "معدية بشتامي": صوتهم يتردد في أذني.. لم استطع إنقاذهم جميعا

جريدة الدستور

قرية تضم بين دفتيها مواطنين بسطاء، أغلبهم يعملون باليومية، يخرجون فى كل صباح وجثامينهم فى وضع الاستعداد من أجل توفير «لقمة عيش» لذويهم.. تعودوا منذ سنوات ركوب «المعدية» لتنقلهم من قريتهم بشتامي في المنوفية إلى الجهة المقابلة، لم يشتموا رائحة الموت يوما رغم علمهم بتهالك المعدية، يرفعون شعار ما باليد حيلة دائما.

عقارب الساعة تُشير إلى السادسة صباحا، خيوط الشمس تُشرق لصباح يوم جديد، القرية بأكملها تتحول إلى ما يُشبه ماراثون المشي نظرا لكثرة قاصدي المعدية.. قارب متهالك لا يصلح إلا للصيد، الجميع يتصارع لصعود القارب، صوت «جودة» ابن الريس «قطب» يُطالب الجميع بالركوب «دفعة واحدة»، ساعة العمل تُجبرهم على الصعود ٢٥ شخصا رغم عدم تحمّل المعدية ذلك العدد الضخم.

انطلق «النعش النائم» صباح الأحد الماضي، لكن الرحلة لم تكن كسابقيها، ففي تلك المرة رست في قاع البحر حيث شاء القدر أن تصعد أرواح ٦ من ركابها إلى بارئها من ذلك المكان بعد أن غمرت المياه المركب بسبب الحمولة الزائدة التي وصلت لـ ٢٥شخصا، لكن الأقدار كانت رحيمة بـ 17 شخصا آخرين التقطهم صياد اتسم بشجاعة «ولاد البلد»، حيث حملهم واحدًا تلو الآخر بقاربه الصغير.

الريس السيد خليف، صياد، يبلغ من العمر 51 عامًا، ومقيم بعزبة الطويلة مركز الشهداء، ألقاه القدر إلى هناك، بعد أن استعد للصيد بقاربه الصغير.

فوجئ «خليف» بالصرخات قادمة من أعماق البحر بعد غرق المعدية، ليتخذ قرارًا دون تفكير، ويهرول مسرعًا بقاربه تجاه ركاب المعدية.

خليف تحدث لـ «الدستور» بعد أن وصف دقائق الغرق وساعات الإنقاذ بالمرعبة.

قال خُليف فوجئت بالصرخات تأتي من عرض البحر من الأطفال والنساء.. انطلقت إليهم مسرعًا، كانوا جميعًا يصرخون ونظراتهم تكاد أن تخبرك أنَّها الأخيرة مع كل غطسة وصعود، مُضيفًا أن كل اثنين كانوا يحاولون التمسك ببعضهما.

استكمل «الصياد»، استخدمت «عصا» لـ لفت انتباههم حاولت سحبهم إلى قاربي الصغير، مُشيرًا إلى نجاح الطريقة، فتابع عملية الإنقاذ بـ«العصا» حتى تمكن من إنقاذ 17 شخصا من الموت المحقق في عرض النهر.

وعن الـ ٥ ضحايا، قال، لم يكن الـ5 غرقى بعيدين عن نظري، حيث أكد أنه رأهم يصارعون الغرق وحاول الإسراع نحوهم إلا أن الموت كان أقرب إليهم منه كما أن عدد الركاب كبير جدًا، مما أسهم في تأخير الوصول إليهم، الأمر الذي أصابه بالحزن الشديد ودخل في نوبة بكاء ولم يستطع النوم يومين متتابعين حزنًا عليهم.

خليف يروي أن شهامة وجدعنة أهل القرية بدأت رحلة الظهور عندما وصل بالـ17 شخصًا إلى البر وقام بعملية إسعافهم برفقة الأهالي الذين تجمعوا على الصرخات.

بعد ذلك حضرت فرق الإنقاذ النهري وأرشدهم عن مكان غرق الـ5 أشخاص وتم انتشالهم سريعًا حيث كانت كل جثتين ممسكة بالأخرى كحال من تم إنقاذهم.

لم يكن لـ الريس خُليف سوي مطلبًا واحدًا.. لم يكن متعشمًا بقيادات المحافظة ولم يتوسل يومًا لطلب شئ من أحد، ولم يأمل فى أى «شغلانة» سوى التى نشأ بها.. لكن مطلبه الوحيد «كوبري» يربط قريته بالبحيرة.

جدير بالذكر أن اللواء سعيد عباس محافظ المنوفية، قرر كصرف إعانات عاجلة لأسر ضحايا ومصابي المعدية بواقع 10 آلاف جنيه لأسرة كل متوفى و5 آلاف جنيه للمصاب.