رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"شارع بورسعيد".. حكاية عوانس القاهرة ومجد حكومة يوليو

جريدة الدستور

شارع بورسعيد "الخليج المصري سابقًا"، هو أطول شوارع قلب القاهرة على الإطلاق، فهو يفصل بين عالمين "الأسطوري" للقاهرة الأولى أو القديمة، و"الحديثة".

على مشارفه تقع بقايا أصل العمارة الإسلامية في مصر وقارة أفريقيا، وهي أطلال الفسطاط، لذلك فإن المنشآت المعمارية المقامة على ضفتي شارع بورسعيد عبارة عن خليط غير متجانس من العمارة الإسلامية والقبطية والأوروبية.

شارع بورسعيد، عريض على غير عادة شوارع القاهرة القديمة أو الحديثة، بل يمكن القول إنه أعرضها جمعيًا، لأنه لم يحتل مكانه الحالي نتيجة لأفكار وأوامر الحكام أو جهود المهندسين مثل أشهر شوارع القاهرة، لكنه فرض نفسه كنقطة التقاء لأشتات القاهرة، منقطة وسط فرضتها ظروف معمارية ومرورية وجغرافية ومائية جمعت بين ملامح القدم والبدائية العشوائية التي تحتضنها من الشرق حيث أجواء وحواري ومنعطفات ومنشآت القاهرة الفاطمية، وبين صفات الحداثة ودقة التنظيم التي تهب عليه من ناحية الغرب حيث القاهرة الأوروبية التي خططها الخديو إسماعيل، كما يقول حمدي أبو جليل "في القاهرة شوارع وحكايات".

كان شارع بورسعيد ممرًا مائيًا متسعًا ومزدحمًا بمختلف أنواع السفن والمراكب، هذا الممر حفره الرومان وقيل الفراعنة من أجل نقل بضائعهم من النيل إلى البحر الأحمر وسموه خليج "ترجان"، وعند الفتح العربي ردم الكثير من أجزائه وعندما أحس عمرو بن العاص بأهميته بالنسبة لحركة التجارة استأذن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في إعادة شقه فسمح له ومن يومها عُرف بخليج أمير المؤمنين، وعادت السفن تجري فيه لتصل إلى البحر الأحمر ومنه إلى الحجاز مُحملة بالغلال ومختلف أنواع البضائع، وظل يؤدي أعمالًا ملاحية جليلة حتى أهمل في زمن عبد العزيز بن مروان ومن جاء بعده من الولاة، غير أنه عاد مرة أخرى إلى سابق مكانته بعد أن أنشأ جوهر الصقلي مدينة القاهرة وعرف باسم الخليج المصرى ثم الخليج الحاكمي وخليج اللؤلؤة نسبة إلى قصر اللؤلؤة الذي كان قائمًا في العصر الفاطمي على مشارفه وتحديدًا في المنطقة التي احتلتها مدرسة "الفرير" بشارع الخرنفش، غير أنه سرعان ما عاد إلى اسمه القديم "الخليج المصري"، وفي سنة 1899 اختفى الى الأبد فقد رُدم وحل محله شارع اتخذ نفس الاسم إلى أن جاءت ثورة يوليو لتطلق عليه اسم مدينة بورسعيد عام 1957.

ظل شارع بورسعيد يعاني من قسوة الإهمال إلى عام 1954 لكن حكومة ثورة يوليو انتبهت إلى أنه يمكن الاستفادة منه كطريق رئيسي يتيح الربط بين مداخل القاهرة وطرفها الجنوبي، فقامت بتوسعته، لكنه تم هدم بعض المباني الأثرية التي كانت على جانبي الشارع، ومنها سوق الجمالية التاريخي الذي كان أهم مراكز تجارة الجملة في مصر وسوق بين الصورين، وإن كان أعيد إنشاؤه بالقرب من مكانه القديم، ولكي تحفظ حكومة الثورة لنفسها مجد توسيع هذا الشارع غيرت اسمه القديم ليصبح شارع بورسعيد متجاهلة تاريخ الخليج الذي روى القاهرة، ومدها بالبضائع وكان أبرز معالمها لمدة طويلة، حسبما ذكر "أبو جليل".

في منتصف شارع بورسعيد تقع المدرسة الخديوية بمبناها الذي ينتمي إلى أسلوب العمارة الأوروبية لتدافع عن تاريخ الأسرة العلوية، والتي تأسست عام 1936 في نفس العام الذي صدر فيه المرسوم الملكي الذي ينص على تجديد الشارع وتوسعته، بالقرب من شارع بورسعيد تقع الساحة التي كانت تتسلل منها عوانس القاهرة للوصول خفية إلى صحن جامع البنات القريب أثناء صلاة الجمعة بعد أن زعم أحد السحرة أيام المماليك أن اجتياز أرض جامع البنات الذي يقع في شارع بورسعيد كفيل بالزواج المبارك.