رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخطاب الدعوي والهوية المصرية


أتفق مع ما ذهب إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي بتأكيده على مفهوم وحقيقة أن مصر في مواجهتها لقوى الإرهاب الظلامية تعيش وتواجه " حرب وجود "، وبالفعل وبالقياس لكل الحروب التي خاضها الشعب المصري كان الأمر يتوقف في درجة الخطورة على مواجهة جيوش نظامية لإعادة أرض محتلة وإزالة لآثار عدوان ونزاعات على حدود، ولم نكن في مواجهة عدو غادر من بيننا يستهدف تدمير " الهوية المصرية " بفجاجة وتخلف بهذا القدر المفزع، فهويتنا في النهاية تظل علامة ثبات لوجودنا التاريخي والإنساني والثقافي والحضاري فوق هذه الأرض العظيمة، وعلى ضفاف النهر الخالد..

في مقالة له، نشرها منذ أكثرمن 85 سنة في صحيفة " كوكب الشرق "، أشار عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين إلى الحوار الذي دار بينه وبين موظف فرنسي يعمل في المصلحة المسئولة عن إقامة الأجانب في فرنسا حول مسألة الهوية، وكان أديبنا الراحل مبعوثًا من الجامعة الأهلية ليكمل دراسته في السوربون فرنسا عام 1914، فاستدعاه هذا الموظف ليراجع معه أوراقه، وسأله عن جنسيته، وأجاب طه حسين: أنا مصري !، غير أن الموظف الفرنسي يعيد عليه السؤال مرة أخري: أسألك عن جنسيتك لا عن البلد الذي ولدت فيه، أنت ولدت في مصر، لكن مصر لا جنسية لها، لأنها ليست دولة مستقلة، وإنما هي ولاية تابعة للسلطنة العثمانية، فأنت إذن لست مصريًا، بل أنت رعية من رعايا السلطان العثماني !

الآن، ومصرنا وطننا العزيز البلد الحر المستقل، هل يقبل أحد بما جاء في كتاب "معالم في الطريق"، عندما وصف المفكر الإخواني سيد قطب الوطن أنه "ما هو إلا حفنة من تراب عفن".وفي حوار لقيادي إخواني أدلاه للكاتب الصحفي الرائع " سعيد شعيب "، هل يمكننا نسيان بشاعة المقولة الخائنة للمرشد العام السابق لجماعة الإخوان " طظ في مصر واللي جابوا مصر واللي في مصر " ؟!!. لقد قال القيادي المنشق عن جماعة الإخوان، طارق أبو السعد، إن جماعة الإخوان لا تؤمن بأي من مبادئ الوطنية أو الأرض أو السيادة والاستقلال الوطني.. ولعل في هذا الشعر، الذي قاله أحد شعراء جماعة الإخوان، ما يعبر عن وجهة نظر تلك الجماعة في ما يتصل بفكرة الوطن، حيث تقول أبياته:

ولست أرى سوى الإسلام لي وطنًا *** الشام فيه وبلاد النيل سيان

وكلما ذكر اسم الله في بلد *** عددت أرجاءه من لب أوطاني

ومن منا يمكنه نسيان ما حدث على الجانب الأخر المنافس المرافق للإخوان، التيار السلفي وقياداته.. من أرشيف " إسلام أون لاين " كتب " صلاح الدين حسن " متابعًا أولى خطوات صعودهم إلى سطح المشهد السياسي: " عقد السلفيون مؤتمرات حاشدة في عدة مناطق في مصر منها الإسكندرية، ومرسى مطروح، والمنصورة لمناقشة الأوضاع في مصر على خلفية الثورة الشعبية التي تفجرت في (25 يناير 2011) وكان من بين هذه المؤتمرات ما عقد في المنصورة يوم (18 فبراير 2011م) وحضره آلاف من أنصار الدعوة، وتحدث فيه الشيخ " محمد حسان " – أحد مشاهير السلفيين- عن ضرورة مراجعة الاجتهادات السلفية فيما يتعلق بالدخول إلى حلبة السياسة والمشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.وقد أبدت المؤتمرات السلفية الأخيرة هواجس من احتمال تغيير هوية الدولة العربية والإسلامية أو تعديل المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.وقال محمد حسان أنئذ:” البلد يصنع من جديد..ونحن سلبيون” وأكد حسان أن السلفيين وراء التاريخ، وأن أهل العلم يجب أن يكونوا متواجدين في الأزمة، وخطاب حسان يعبر عن قلق سلفي من تشكل الخارطة السياسية الجديدة في مصر دون أن يكون للسلفيين أو رؤاهم حضور في المشهد !!

وعليه، فقد طمأننا ما صرح به مؤخرًا اللواء " فؤاد علام " الخبير الأمني وعضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب، إن القوات المسلحة بذلت جهدًا خارقًا في تفتيت أغلب التنظيمات الإرهابية التي كانت موجودة في سيناء، حيث تمكنت الأجهزة الأمنية المصرية في القضاء على 90% من إمكانيات الإرهابيين في سيناء، والأهم أن إعلانه أن هناك عمل وخطط للمجلس، وكان الناس يسألون كثيرًا وينتظرون من أعضائه الكثير.. كما أسعدني قول ذلك الخبير الأمنى العظيم أنه يجب حل كافة الاحزاب الدينية في مصر، حيث أن وجودها يُعد خطأ جسيم، وشدد عضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب، على ضرورة عدم الانخداع بمطالب المصالحة مع جماعة الإخوان الإرهابية...

أرى أخيرًا أهمية متابعة الخطاب الدعوي والإرشادي ( ولا أقول الديني لمنح فرص الاجتهاد الملتزم الطيب الواقعي والوسطي والمعاصر ) في المسجد والكنيسة وعبر كل الوسائط الإعلامية والمنتديات الثقافية.. نعم خطاب تنويري داعم للحفاظ على الهوية المصرية في كل مؤسسات التنشئة والتربية والتعليم لدعم قيم الولاء والانتماء والوطنية... خطاب دعوي إنساني متطور لتكريس مفاهيم المواطنة والتسامح..لا لمدارس ومنتديات ومصارف ومشاريع اجتماعية باتت أوكارًا لضرب الهوية المصرية بأفكار ذات غطاء ديني مزيف من جانب بشر نثروا في الأجواء غاز الكراهية وعلى الأرض بذور الفتن.