رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مهنة الدعارة.. حكايات من زمن "بهية الزياطة و فريدة ينّي"

 الدعارة
الدعارة

ارتبطت مهنة "الدعارة" في جانب منها بشكل كبير بالأجانب الذين حصلوا على معاملات خاصة في ظل وجود الامتيازات الأجنبية، وكان من بين القوادات وأصحاب بيوت الدعارة: مثل بهية الزايطة، شاهور شان، فريدة ينّي، وأنجليكا خريستو.

كان "البغاء" ولا يزال، مكروهًا ومحل مطاردة ومضايقة من جانب السلطات في مصر في أغلب الفترات التاريخية، لكنه كان يحظى ببعض التقنين والتسامح في أوقات أخرى.

ففي الربع الأخير من القرن الـ17 كانت "البغايا" تسجلن في سجلات الشرطة، وتحصى أعدادهن، وتحفظ الشرطة هذه السجلات التي تضم أسماء محترفي البغاء من النساء ومن الذكور لأغراض الضرائب.

وكما يقول عبد الوهاب بكر في كتابه "مجتمع القاهرة السري"، إن هناك 3 وظائف لمن يسمون "شيوخ العرصات" يعمل أحدهم في القاهرة، والثاني في بولاق، والثالث في مصر القديمة، كانت مهمة هؤلاء الشيوخ، جمع الضريبة من النساء والصبية، وكان تحت إدارة قائد الشرطة "الصوباشي" 40 رجلًا يعرفون بجاويشية باب اللوق مهمتهم حصر الصبية والبغايا ومعرفة من قضى منهم الليل خارج منزله أو داخله، وظل هذا النظام ساريًا حتى أبطله الوالي حسين باشا.

وخلال وجود الحملة الفرنسية في مصر، أقامت في "غيط النوبي" المجاور للأزبيكة في القاهرة، أبنية لـ"البغاء" على هيئة خاصة، وفرضوا على من يدخلها رسومًا معينة، إلا إذا كان مصرحًا له بورقة يحملها صادرة من السلطة الفرنسية تبيح له الدخول دون أجر.

كما ظل "البغاء" معمولًا به في عهد محمد علي، حتى أصدر في يونيه 1834 قانونًا حظر فيه الرقص العمومي للنساء والبغاء في القاهرة، وتقرر عقاب المخالفات لهذا القانون بالجلد 50 جلدة في المرة الأولى، وبالأشغال الشاقة لمدة سنة أو أكثر في حالة تكرار المخالفة، كما تضمنت العقوبات ابعاد المومسات والراقصات إلى "إسنا"، "قنا"،"الأقصر"، في محاولة منه على لتطهير العاصمة من هذا النشاط أو تهميش نشاط العموميات بدفعهن إلى حافة المجتمع.

لكن عواقب القانون، كما يقول "بكر" في كتابه: جاءت سلبية فقد دخلت المغنيات والراقصات إلى البغاء باعتباره مهنة تتم في الخفاء ولا تثير الضجيج كما هو حال الغناء والرقص، فامتلأ الجنوب من البلاد ببؤر "البغاء"، حيث كان الأجانب يسعون للاستمتاع بهذه الحرفة المحرم ممارستها في القاهرة، والعاصمة المحروسة استبدلت الراقصات والمغنيات النساء بذكور يتزينون بزى النساء ويقلدنهن في حركاتهن.

وفي عهد "عباس الأول"، رفع الحضر عن البغاء والرقص والغناء وعادت المشتغلات بهذه الحرف لممارسة نشاطهن في العاصمة، وزادت الضرائب التي كانت تحصل منهن.

وفي الثمانينيات من القرن الـ19 انحصر اهتمام السلطات في مصر فيما يخص قضية "البغاء" في الجوانب الصحية فقط.

ففي 11- 11- 1882 صدر منشور يفيد تشكيل لجنة للكشف على النساء العاهرات لمنع انتشار "الداء الزهري"، حسبما ذكر "فيليب يوسف جلاد" في كتابه "قاموس الإدارة والقضاء".

وفي يوليو 1885 صدرت لائحة مكتب التفتيش على النسوة العاهرات، وفيها تقرر لأول مرة إنشاء مكاتب لفحص النساء المشتغلات بـ"صناعة الفواحش" في كل من القاهرة والإسكندرية، فقضت اللائحة على كل امرأة عاهرة بأن (تقيد اسمها بواسطة البوليس في مكتب الكشف الذي يعطي لها شهريًا تذكرة موضحًا بها الكشوفات الطبية التي صار إجراؤها عليها والملحوظات اللازمة"، كما ألزمت اللائحة الراقصات بالكشف الطبي الأسبوعي عليهن كالعاهرات، مع استثناء "العايقات" اللواتي يبلغن من العمر 50 سنة.

عام 1905 كانت البداية الحقيقة لـ"البغاء" في مصر، فقد صدرت في نهايات العام لائحة بيوت العاهرات، التي نظمت المشتغلين بالدعارة بالبلاد في 28 مادة، كان أهم تلك المواد: (كل محل تجتمع فيه إمرأتان او أكثر من المتعاطيات عادة فعل الفحشاء ولو كانت كل منهم ساكنة في حجرة منفردة منه او كان اجتماعهن فيه وقتيًا) بيتًا للعاهرات تنطبق عليه مواد اللائحة.

واشترطت المادة الثانية من اللائحة على طالب الترخيص المذكور بأن يقدم قبل فتح البيت قائمة بأسماء العاهرات والخدم وكافة الأشخاص المقيمين بالبيت أو الذين يؤدون خدمة فيه، وحددت سن الـ18 للعمل في بيوت العاهرات.

وبالنسبة لسكان مدينة القاهرة، كان مستشفى الأمراض التناسلية (بالحوض المرصود) بحي السيدة زينب هو المكتب المخصص للكشف عن المومسات كل أسبوع.

وكخطوة نحو إلغاء "البغاء" المنظم أصدرت الحكومة عام 1939 أمرًا إداريًا بإيقاف صرف تراخيص جديدة لبيوت "البغاء"، وخلال الحرب العالمية الثانية 1942 صدر أمر عسكري بإغلاق بيوت العاهرات في البلاد ما عدا عواصم المديريات والمحافظات، أي المدن بما فيها القاهرة التي ظلت مسرحًا لممسارة الدعارة المنظمة، تبع ذلك صدور أمر عسكري لسنة 1943 بإعطاء الحق للمديرين والمحافظين في إغلاق بيوت العاهرات بعواصم المديريات والمحافظات التي كانت مستثناة من الإغلاق في الأمر العسكري، وفي النهاية صدر أمر عسكري لسنة 1949 بإغلاق بيوت العاهرات في جميع أنحاء البلاد.