رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

.. وماذا عن دعم السينما؟!


فرحتنا السنوية بمهرجان القاهرة السينمائى، كانت مضاعفة، هذا العام بانطلاق الدورة الأربعين للمهرجان الوحيد فى المنطقة العربية الذى يحمل الصفة الدولية. لكن ما كدنا نفرح، حتى فوجئنا بالوزيرتين اللتين حضرتا حفل الافتتاح، تشتركان بعد ساعات فى اقتطاع جزء من لحم السينما المصرية، بزعم إطعامه لمن هم أكثر احتياجًا!.
مساء الثلاثاء، كانت إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، وغادة والى، وزيرة التضامن الاجتماعى، فى دار الأوبرا لحضور حفل افتتاح المهرجان. وصباح الأربعاء شاركت الوزيرتان فى اجتماع مجلس الوزراء الذى وافق على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٤٢ بشأن فرض رسم إضافى لصالح الأعمال الخيرية. ونص التعديل على أيلولة (ذهاب) حصيلة الرسوم المفروضة على تذاكر السينما والمسرح، والسكة الحديد، والتلغراف والمكالمات التليفونية، إلى صندوق دعم الجمعيات والمؤسسات الأهلية. وطبقًا للبيان الصادر عن مجلس الوزراء، فإن الهدف من التعديل هو تحقيق أهداف العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعى بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين.
طبعًا لا خلاف على أن الهدف نبيل وجميل، لكن كان الأكثر نبلًا وجمالًا، فى تصورى، هو أن تذهب الرسوم المفروضة على تذاكر السينما والمسرح إلى دعم الصناعتين، اللتين تصارعان من أجل البقاء. ونتمنى أن يتدارك مجلس النواب ذلك، حين يصله مشروع القانون لإقراره.
قد تعتقد أن السينما غائبة عن بال مجلس النواب، أو عن لجنة الثقافة والإعلام والآثار بالمجلس. لكن هذا الاعتقاد ليس صحيحًا، وما يؤكد عدم صحته هو أن اللجنة ناقشت، منذ أيام، طلب إحاطة قدمه أحد النواب، ينتقد فيه وزارة الثقافة، لعدم إنتاج أفلام توثق حرب أكتوبر وغيرها من بطولات القوات المسلحة. ولا أعرف كيف فات على الأستاذ النائب أن ميزانية كل الأجهزة التابعة للوزارة لا تكفى لإنتاج مشهد واحد من فيلم يليق بحرب أكتوبر، أو حتى ربع فيلم يقوم ببطولته الأستاذ «حامد عبده»، صاحب الأغنية الشهيرة «الدنيا خربانة»!.
دنيا «صناعة السينما» خربانة فعلًا. ولم يقلل حجم الخراب محاولة وزارة الثقافة دعم السينما وانتزعها قرار منح الإنتاج السينمائى ٢٠ مليون جنيه سنويًا من وزارة المالية، للمساهمة فى الإنتاج السينمائى. غير أن السينما لم تحصل على هذا الدعم إلا مرتين. ومع ذلك، أصدر رئيس الوزراء قرارًا بزيادة الدعم إلى ٥٠ مليون جنيه، لكن هذا القرار، قرار الزيادة لم يتم تنفيذه، لأن المركز القومى للسينما لم يستطع إدارة الدعم بشكل صحيح. وظل قرار الزيادة بلا فائدة أو جدوى لعدم وجود آلية لتنفيذه. وطوال سنوات سمعنا كثيرًا عن آليات دعم جديدة، وعن ملف تم تقديمه إلى مجلس الوزراء يضم سلبيات وعيوب التجربة السابقة فى الدعم، لإنشاء صندوق له قانون خاص، يجعله بعيدًا عن الروتين، فى التعامل مع وزارة المالية.
مثلًا، حدث منذ سنتين تقريبًا، تحديدًا فى أكتوبر ٢٠١٦، أن أعلن وزير الثقافة (وكان وقتها زميلنا حلمى النمنم) أن صندوق دعم السينما سينطلق بميزانية، قدرها ١٥٠ مليون جنيه. ووقتها قال الوزير إن مشروع القانون موجود بالفعل، وتقوم وزارة العدل بدراسته ومراجعته تمهيدًا لطرحه على مجلس النواب. وإلى الآن لا نعرف مصير هذا المشروع، كما لا نعرف مصير الصندوق، ومصير دعم السينما إجمالًا، حال اقتحام وزارة الثقافة مجال الإنتاج السينمائى.
اقتحام الوزارة لمجال الإنتاج، يجرى التمهيد له منذ نحو ثلاث سنوات، حين أصدر رئيس الوزراء قرارًا بعودة أصول السينما المصرية إلى الوزارة، وإنشاء الشركة القابضة للصناعات الثقافية. وظل القرار فى الدرج حتى أصدرت وزيرة الثقافة، مشكورة، قرارها بإصدار لائحة النظام الأساسى للشركة القابضة، التى كان من المفترض أن تكون هى المنظم الأساسى للحركة السينمائية فى مصر. وفور أن نشرت الجريدة الرسمية القرار الوزارى فى ١٠ يونيو الماضى، أعلنت الوزيرة أنها أصدرت تعليمات بإنهاء الإجراءات الخاصة بتأسيس الشركة، والعمل على إقامة الشركات التابعة، ومنها شركة الصناعات التراثية وشركة السينما وشركة الثقافة العامة والفنية. وكما مرت الثلاث سنوات على بقاء قرار رئيس الوزراء فى الدرج، مرت خمسة شهور، على قيام الوزيرة بإخراجه (أو بمحاولة إخراجه) من الدرج، والنتيجة «زمش» أو «زى ما إنت شايف»!.
نعود إلى قرار مجلس الوزراء، الذى يريد أن يدعم الجمعيات والمؤسسات الأهلية، بحصيلة الرسوم المفروضة على تذاكر السينما والمسرح، لنقول إن «جحا أولى بلحم ثوره». ولو امتعضت من نزولنا إلى مستوى «جحا» و«ثوره»، يمكنك أن تبحث عن مثل آخر يؤدى الغرض نفسه أو يقود إلى المعنى ذاته، ويقنع أعضاء مجلس النواب حين يصلهم القانون لإقراره، بتدارك هذا الخطأ، أو ما أعتقد أنه كذلك.