رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"ساطع النعماني.... حكاية مصرية"


من المؤكد ان الشهيد العميد/ ساطع النعماني عندما التحق بكلية الشرطة لم يكن يعرف انه يوماً ما سوف يكون ايقونة للشباب المصري بصفة عامة وقدوة لرجال الشرطة وفخراً لهم بصفة خاصة.
حديثنا عن النعماني هو أحد التطبيقات العملية لتلك الحملة التي نقوم بها منذ عدة أسابيع والتي تهدف الى إعادة الوعي وبث روح الولاء والانتماء للوطن.
في حربنا ضد الإرهاب تساقط المئات من الشهداء من رجال القوات المسلحة والشرطة بل والمدنيين ايضاً وجميعهم بإذن الله عند ربهم احياء يرزقون...اما من بقي منهم على قيد الحياة فهم هؤلاء الذين يمثلون لنا روح العزيمة والقدوة والقوة لمن يريد ان يستمر في خدمة الوطن... لدرجة ان معظمهم طلبوا العودة مرة أخرى لمواجهة الإرهاب بالرغم من ان اصابتهم تعوقهم عن ذلك خاصة إذا كانت متعلقة ببتر جزء من جسده الطاهر الغالي.
ومن بين هؤلاء يسطع نجم شهيدنا ساطع النعماني نائب مأمور شرطة بولاق الدكرور والذى كان على موعد مع القدر في منطقة بين السرايات عندما اندلعت احداث العنف والإرهاب التي تزعمتها عناصر جماعة الاخوان الإرهابية والتي راح ضحيتها 15 شهيداً و60 مصاباً بالإضافة الى تدمير 70 محلاً مملوكاً للمواطنين....وعندما تصدى النعماني لتلك الفئة المارقة اطلق عليه قناصة الاخوان الرصاص من اعلى اسوار جامعة القاهرة اثناء محاولته إنقاذ العشرات من أهالي تلك المنطقة حيث أصيب إصابة مباشرة في وجهه وصدره راح بعدها في غيبوبة استمرت ثلاثة اشهر كاملة يصارع الموت واستمر علاجه 14 شهر قضاها البطل بكل ايمان وتحمل الى ان عاد لوطنه" مصر" لكنه لم يراها كما اشتاق اليها حيث كان البطل قد فقد بصره ومع ذلك كان سعيداً مبتسماً عندما استقبلناه بمطار القاهرة ومعنا السيدة العظيمة الصابرة الشاكرة والدته حيث قال لنا بكل هدوء وثقة في النفس انه اصبح يرى بعيون المصريين..
فقد البطل بصره.... ولكنه لم يفقد بصيرته وأصبح عنواناً للعطاء والفداء يسير على ارض الوطن...بل ويشارك في المؤتمرات والندوات ويتحدث بكل الحب والإخلاص والتواضع عما يقدمه رجل الشرطة لوطنه دون انتظار جزاءاً ولا شكوراً.
جمعني بالشهيد النعماني بعد اصابته أكثر من لقاء.... والغريب اننى عندما كنت اتهيأ لمعانقته والتخفيف عن اوجاعه...اجده ينشر بين الحضور طاقة إيجابية هائلة ويتحدث بوطنيه صادقة الى من لا يراهم... أصبح النعماني أيقونه لرجل الشرطة بل للمواطن المصري العاشق لوطنه.... كان ضيفاً على زملائه من الضباط والافراد الذين أصيبوا في العمليات الإرهابية يشد من ازرهم ويتمنى شفاءهم لمواصلة عطائهم.
وهنا يحضرني ما قاله البطل النقيب عصام الكومي الذي أصيب في حادث انفجار مدرعة في العريش حيث فقد نور عينيه وتم بتر ساقيه وفوجئ وهو في هذه الحالة بالبطل النعماني يقوم بزيارته في المركز الطبي العالمي بالرغم من ان كلاهما لا يرى الاخر الا بنور القلب والاحساس والايمان ويشد من ازره ويدور بينهما حوار لم يسمعه الا كلاهما فقط قائلاً له
" تحمل يا بطل...ما لناش الا بعض.... ما لناش الا بلدنا".
لقد حارب رجال الشرطة ومعهم اشقاءهم من رجال القوات المسلحة...ومازالوا.... الارهاب بكل التجرد والوطنية ولم يبخلوا على الوطن بالعطاء والدماء ليحققوا لنا أغلي سلعة في العالم الا وهي "سلعة الامن" والتي لن يشعر بها الا من فقدها.... ولابد ان نعترف اننا فقدناها بالفعل في اعقاب يناير 2011 وما تبعه من فوضى وخراب وترويع وفقدان للأمن والأمان.... الى ان شاء الله ان يخرج من رحم هذه الامة رجال صدقوا ما اقسموا عليه من حماية الوطن والمواطنين ...وتصدر المشهد رجال القوات المسلحة بقيادة رجل وهب حياته فداء لعودة الامن والاستقرار لربوع بلاده ولم يكن يعرف ما إذا كان سوف ينجح في دحر هذا الإرهاب والخراب ام سوف يكون أحد ضحاياه...
كنت متواجداً مع المئات من أبناء الشعب المصري في انتظار وصول جثمان الشهيد يوم السبت الماضي ...وكأنني اراه ايضاً مبتسماً كما استقبلناه عند عودته من رحلة علاجه واسمع صدى صوته وهو في نعشه يشد من ازرنا ويناشدنا بأنه ذاهب الى ربه راضياً مرضياً وعلينا جميعاً في مواقعنا المختلفة ان نكمل مسيرة العطاء التي راح ضحيتها مئات الشرفاء من أبناء شعبنا الأصيل حتى نطهر ارض الوطن من دنس الإرهاب بكافة اشكاله والوانه.
العظماء لا يموتون يا ساطع...كنت عظيماً في حياتك وسوف تظل كذلك في قلوبنا الى ان نلقاك في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر بإذن الله.
تحية لك أيها الشهيد ساطع النعماني يا من أصبحت "حكاية مصرية" في قلوبنا جميعاً تعطينا الامل والتفاؤل وتدفعنا الى بذل المزيد من الجهد والعطاء.
تحية الى الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أثلج صدورنا بإطلاق اسم الشهيد على ميدان النهضة الذي شهد اصابته ووافق على إقامة جنازة عسكرية مهيبة للشهيد شارك فيها شرفاء الوطن.
تحية لكل شهداء الجيش والشرطة والأبرياء من أبناء هذا الوطن.
تحية لك يا بلادي.
وتحيا مصر..