رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خمر الآلهة.. معرض بأمريكا يكشف تقرب الفراعنة لله بالسُّكر والغناء

جريدة الدستور


اعتبر أئمة وفلاسفة الصوفية قديمًا عبادة الله أعلى درجات النشوة، وأن السُّكر أقصى مراحل الذوبان فى عشق الخالق، وألَّفوا فى ذلك أشعارًا وأغانى كثيرة، لعل أشهرها ما قاله «ابن الفارض»: «شربنا على ذكر الحبيب مُدامةَ.. سكرنا بها من قبل أن يُخلق الكَرْمُ».

يكشف معرض نظمته جامعة «ييل» الأمريكية، نوفمبر الجارى، عن أن تلك الرؤية فى عبادة الله، لم تكن وليدة عصور ما بعد الإسلام، وإنما تعود للحضارات القديمة خاصة المصرية، حيث اتخذ الناس من الخمر والغناء سبيلًا للوصول إلى الله، والشعور بذاته وتجلياته عليهم.
وحسب تقرير نشره موقع الجامعة، رصد علماء وطلاب «ييل» العلاقة الوثيقة بين الدين والشعور بالسُّكر والنشوة، خلال أداء الطقوس الدينية فى العصور القديمة، خاصة الفرعونية والرومانية والإغريقية، وحضارات أوروبا الغربية والصين وغرب إفريقيا، وأنه لم يكن هناك أى تعارض بين أداء الصلوات والشعور بالنشوة نتيجة احتساء النبيذ، أو الطرب من الغناء، وقد تم توثيق تلك الحالة فى كتابات من عاشوا خلال هذه الأزمة، على جدران المعابد والمخطوطات القديمة.
ويضم المعرض الذى يحمل عنوان «مشاهد وأصوات الطقوس القديمة»، نحو ٢٠٠ ألف قطعة أثرية وحديثة يمتد تاريخ بعضها إلى ٣ آلاف عام، بينها مخطوطات، تكشف تشابك مظاهر العبادة مع الآلات الموسيقية، وأوانى شرب الخمر، وإشعال البخور، الذى كان أحد أبرز مظاهر التدين والعبادة.
ويسعى المعرض لإيصال رسالة ملخصها أن الإنسان يستعين على الوصول إلى الله بتلك الأشياء، التى تجعله فى حالة صفاء روحى خالص، وليكون مؤهلًا لاستقبال التجليات والذوبان فى العشق الإلهى، مثل الموسيقى، والنبيذ، والبخور، والأطعمة الشهية، وأحيانًا الدخول فى حالات هلوسة.
ويطرح المعرض تلك الأفكار، فى توقيت يعانى فيه العالم من مخاطر التطرف الدينى، ومظاهر المغالاة والتشدد، التى تطورت إلى أحداث عنف وإرهاب لم تسلم منها أى دولة، فى سبيل تذكير البشر بحالة الصفاء الروحى التى عاش فيها الأجداد القدماء، فى عبادة الله والتفكر فى مخلوقاته، ما يحقق السلام والعيش المشترك.
وتقول الدكتورة كارولين لافريير، منسقة المعرض، وشريكة فى برنامج «ييل» لدراسة الثقافات والمجتمعات القديمة والعصرية: «نرى العالم القديم هادئًا ومسالمًا تمامًا، من خلال الأشياء المعروضة فى مساحات المتحف، فيعطينا ذلك انطباعًا حقيقيًا عن حالة الصفاء التى عاشها البشر فى تلك الحقب التاريخية».
وتضيف: «كان الدين إحدى وسائل التمتع بالحياة بالفعل، ولم يكن وسيلة للتضييق والتزمت، فامتزجت تلك الوسائل مع سبل العبادة، وتجلى ذلك فى المخطوطات والكتابات القديمة، فتجد على سبيل المثال صورة لإله الشمس وإلى جانبه إبريق خمر، وامرأة تعزف على قيثارة».
وتوضح أن المعروضات تفك الكثير من الألغاز والعلاقات الغامضة بين الكئوس والآلات الموسيقية التى ظهرت فى المعابد، على جدران المدن القديمة، وتفسر نهم البشر فى تلك الأزمة إلى شرب الخمر والغناء والرقص، وحتى الجنس، وارتباط ذلك بالآلهة والصلوات، والأناشيد الدينية التى كانت تمتدح فى الآلهة وتمجدها.
وتتابع: «المعرض يشجع الزوار على إقامة روابط روحية بينهم والدين، بعد التعرف على الآلية التى كان يتخذها البشر قديمًا فى الوصول إلى الخالق، وأداء طقوس عبادته، وهى الطقوس التى كانت تشجع على الحياة التى نفتقدها فى أيامنا هذه».
وتشير لافريير إلى أن القطع المصرية القديمة، التى يضمها المعرض، تظهر مدى تعلق المصريين القدماء بالدين والآلهة، ومدى تفننهم فى العبادة، وأداء الطقوس.
ويقول أندرو تورنر، الأستاذ بقسم الفنون القديمة بالجامعة، الذى ساعد فى تنظيم المعرض: «أعتقد أن الرسالة ستتلخص فى أن الخمر والسُّكر ليسا فقط حالة من السرور والفرح، إنها وسيلة للصفاء الروحى الدينى والعبادة الخالصة، وهو واضح فى المقتنيات والمخطوطات التى تعود للحضارتين المصرية واليونانية القديمة، حيث كانت المعابد تمتلئ بكئوس النبيذ وتشهد مظاهر الغناء والرقص».
وتضيف: «تقدم الجامعة فى معرضها خدمة ترجمة الكتابات الفرعونية واليونانية والرومانية القديمة إلى اللغات المختلفة، للزائرين من مختلف الدول والثقافات، هنا فقط سيتمكن الزائر من فهم طبيعة العبادة القديمة، حيث يستطيع أى إنسان أن يشرب الخمر ويسقى غيره، وأن ينشد القصائد ويعزف على الآلات الموسيقية، وأن يرقص على أنغامها، وهو يؤدى صلواته وطقوسه الدينية».
وتوضح لافريير: «كانت الموسيقى عنصرًا فعالًا فى تحقيق النشوة خلال الطقوس الدينية، عبر استخدام تأثيرها الروحى والنفسى لتحقيق حالة صفاء تامة، فينفصل العابد عن الموجودات والعالم المحيط، ويركز فقط على الانغماس فى روح الله، وفى صفاته، وتجلياته». وتشير إلى أن الطقوس القديمة لا تزال مليئة بالأسرار التى لم تكتشف بعد حول آليات العبادة، والوسائل التى كانت تستخدم للدخول فى حالة سلام وصفاء، مضيفة: «بعض الحضارات القديمة كانت تستخدم مساحيق تشبه المخدرات، للدخول فى حالة نشروة والتواصل مع الآلهة».