رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نهاية «فيلم» خاشقجى!


أحداث مملة، أفقدتها الروايات المتضاربة أى قدر من الإثارة. وصارت أكثر مللًا بعد التشكيك الأمريكى فى أهمية «تسجيلات صوتية» أعلن عنها الرئيس التركى، ونفى وزير الخارجية الفرنسى وجودها من الأساس. والخميس، كشفت النيابة العامة السعودية، فى بيان ومؤتمر صحفى، عن نتائج تحقيقاتها بشأن مقتل جمال خاشقجى. ومن النتائج التى تضمنها البيان والمؤتمر، يمكنك بسهولة أن تتوقع مشهد النهاية: نهاية الفيلم!.
أذكرك، لو كنت نسيت، بأن «خاشقجى» مواطن سعودى، دخل القنصلية السعودية فى إسطنبول فى ٢ أكتوبر الماضى، ولم يخرج منها، وبعد أخذ ورد، أعلنت السلطات السعودية أنه لقى مصرعه، وقامت بإلقاء القبض على عدد من الأشخاص قالت إن لهم صلة بالجريمة. ولأننا لا ناقة لنا فى الموضوع ولا جمل أو خروف، كنا نتمنى أن نبتعد عن «الهرى» و«الهرى المضاد». غير أن ارتفاع سقف التوقعات أو الأمنيات، جعلنا ننتهز فرصة ظهور نجلى المذكور، منذ أيام، على شاشة «سى إن إن» لنقول لمن توقعوا أو تمنوا: «بالشفا.. إن شاء الله». وطبيعى أن نكرر الدعاء نفسه بعد إعلان نتائج التحقيقات، ليس لثقتنا المطلقة، أو النسبية، فى نزاهتها، ولكن لأنها قدمت رواية أكثر تماسكًا، على الأقل نظريًا، أو على الورق. ولن نختلف لو تشككت فيها، فقط سأطالبك بما يدعم تلك الشكوك.
فى البيان، أو فى المؤتمر الصحفى، أوضحت النيابة العامة السعودية، أنها أحالت عددًا من المتهمين إلى المحاكمة، مع استمرار التحقيقات مع متهمين آخرين للوصول إلى حقيقة وضعهم وأدوارهم، وطالبت بإعدام خمسة، بزعم أنهم أمروا بارتكاب الجريمة وباشروا وقاموا بتنفيذها. استنادًا لما ذكره البيان، وما جاء فى المؤتمر، يمكننا تلخيص القصة (الفيلم)، فى أن نائب رئيس المخابرات (السابق) قام بتكليف مستشار (سابق) باستعادة خاشقجى (الضحية)، وأن قبل الأخير قرَّر قتل الأخير، حين فشل فى استعادته. وبعد تقطيع الجثة (تجزئتها)، تم نقلها إلى خارج القنصلية، وتسليمها إلى متعاون تركى، تم التوصل إلى صورة تقريبية (تشبيهية) له، بناء على وصف من قام بتسليمه الجثة أو الأجزاء!.
غير وجود اعتقاد بأن المجنى عليه «تلقفته منظمات ودول معادية للمملكة وأن وجوده فى الخارج يشكل خطرًا على أمن الوطن»، كما جاء فى النتيجة أو النقطة رقم ٤، سيلفت نظرك فى بيان النيابة العامة السعودية، أيضًا، أن القرار (أو الأمر) الذى أصدره نائب رئيس المخابرات كان «باستعادة المجنى عليه بالإقناع وإن لم يقتنع يعاد بالقوة»، وتلك كانت النقطة أو النتيجة الأولى. وقطعًا، ستتوقف أمام النقطة أو النتيجة رقم ١٧ والأخيرة، التى جاء نصها كالتالى: «تم التوصل إلى أن قائد المهمة قام بالاتفاق مع مجموعة التفاوض ورئيسهم الذين قرروا وباشروا القتل، القيام بتقديم تقرير كاذب لنائب رئيس المخابرات العامة السابق، يتضمن الإفادة بخروج المواطن المجنى عليه من مقر القنصلية بعد فشل عملية التفاوض أو إعادته بالقوة».
بين النتيجتين الأولى والأخيرة، ستلفت النقطة أو النتيجة رقم ٥ وفيها أن إخصائى الأدلة الجنائية، الذى قام بمسح الآثار الحيوية المترتبة على العملية، فعل ذلك «بشكل فردى» دون علم جهة عمله التى وصفها البيان بـ«مرجع الإخصائى». وبإضافة تلك النقطة إلى النقطتين الأولى والأخيرة، ولو جاز تقسيم السلطات السعودية إلى خمسة مستويات، فإن النقاط الثلاث تنفى صلة المستويات الثلاثة الأعلى بالعملية كلها، بل إنها تنفى أيضًا مشاركة المستوى الرابع (نائب رئيس المخابرات) فى جريمة القتل. وقبل أن تسأل عن المستويات الثلاثة الأعلى أجيب بأنها الملك.. ولى العهد.. ورئيس المخابرات خالد الحميدان، الذى تاه اسمه فى الزحام.
تبقى النقطة الرابعة، أو الاعتقاد بأن «منظمات ودولًا معادية للمملكة»، تلقّفت خاشقجى، وأن «وجوده فى الخارج يشكل خطرًا على أمن الوطن». ولا جديد فى تلك النقطة أو النتيجة، التى سبق أن استنتجنا محتواها من ردود الأفعال المبالغ فيها والاهتمام الزائد على الحد من دول، هيئات، مؤسسات. كما أن هذا الاعتقاد يجدد الأسئلة بشأن علاقات «الضحية» القوية بتنظيمات إرهابية أو على الأقل بقيادات فيها، وبشأن مساره المهنى والسياسى والمناصب التى تولاها وأبرزها عمله مستشارًا لمدير المخابرات السعودية.
.. وأخيرًا، لا نعتقد أن الفيلم قد تكون له نهايات أخرى، غير تلك التى يمكنك أن تتوقعها أو تستخلصها من نتائج تحقيقات النيابة، ومن الرواية الأكثر تماسكًا، على الأقل نظريًا أو على الورق: معاقبة نائب رئيس المخابرات السعودية بحكم مخفف أو مشدّد (مش حتفرق)، ومعاقبة الخمسة بالإعدام، وربما يتم تخفيف الحكم، لاحقًا، إلى السجن المؤبد. وعندئذ، قد لا نختلف لو اعتقدت أن العقوبات، هى الأخرى، نظرية أو على الورق!.