رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مولانا.. تجليات أحمد عمر هاشم

جريدة الدستور

- رأيت الرسول بالمنام خلال دراستى بالسنة الرابعة بكلية أصول الدين.. وكان يطوف حول الكعبة وأنا أطوف خلفه
- ألقيت أول خطبة فى سن 11 عامًا.. وكانت ارتجالية لكن الناس أعجبوا بها وطلبوا منى أن أكرر الأمر
- حصلت على جوائز كثيرة مثل التقديرية ووسام العلوم والفنون.. لكننى أنتظر الجائزة الكبرى من المولى وهى الجنة

عُرف بالوسطية وحبه لآل بيت النبى وأولياء الله الصالحين، مفكر وفقيه ومحدث، مولود فى قرية الشيخ أبوهاشم بمركز الزقازيق فى محافظة الشرقية. إنه الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، ولد فى السادس من فبراير من عام 1941، ألف أكثر من 120 كتابًا خلال مسيرته العلمية، آخرها كتاب «فيض البارى فى شرح البخارى»، وهو عبارة عن 16 مجلدًا، كل مجلد 600 صفحة، واستغرق فى إنجازه 17 عامًا، لذا يعتبره رجال الدين «إمام الحديث». «الدستور» التقه فى حوار تحدث فيه عن نشأته بالشرقية، ورحلته العلمية والعملية، وتطرق إلى ملف تجديد الخطاب الدينى، والحرب على الإرهاب.
■ بداية.. كيف نشأ الدكتور أحمد عمر هاشم؟
- نشأت على حفظ القرآن الكريم فى كُتّاب قرية الشيخ أبوهاشم بمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، وأتممت، بفضل الله، حفظ القرآن، ثم التحقت بمعهد الزقازيق الدينى، ثم كلية أصول الدين، وقد نشأت على يد مجموعة متعددة من العلماء الذين كانوا يدرسون لنا أو من الأندية الثقافية.
■ هل أثرت الحياة الريفية على مسيرتك العلمية؟
- بالتأكيد، كان الطلاب قديمًا يتنافسون فيما بينهم فى الابتكار والإبداع والقراءة، فكان أول كتاب ألفته فى المرحلة الأولى الابتدائية، وكان عبارة عن قصة، ثم فى المرحلة الثانوية عن مسرحية عن قصة عنوانها «أصحاب الجنة»، وطبعت القصة والمسرحية، وكان أول ديوان «نسمات إيمانية»، وثانى ديوان «أصحاب الجنة».
والتحقت بكلية أصول الدين التى كانت تعمل على خدمة كتاب الله وسنة رسوله، وكان عميدها آنذاك الدكتور عبدالحليم محمود، الذى تولى مشيخة الأزهر بعد ذلك، وكان يفتح بابه لجميع الطلاب والقاصدين وينظم ندوة أسبوعية فى كلية أصول الدين، ويبين للطلاب أن الثقافة ليست فى الكتاب فقط وإنما السماع أيضًا.
كنت شغوفًا بالاطلاع على العلوم الإنسانية والقراءة والكتابة، وعملت مدرسًا فى كلية أصول الدين قسم الحديث، وقدمت كتابا وترقيت إلى درجة أستاذ مساعد، ثم قدمت ما يقرب من ٣٠ كتابا، وترقيت إلى درجة أستاذ بقسم الحديث، ثم ترقيت لرئيس قسم الحديث، ثم عميدا لكلية أصول الدين بالزقازيق لمدة ٦ سنوات، ثم نائبا لرئيس جامعة الأزهر لمدة ٦ سنوات، ثم رئيسا لجامعة الأزهر لمدة ٨ سنوات، والآن عضوا بهيئة كبار العلماء، نقوم برسالتنا فى الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.
وكنت منقطعا للعلم والدراسة والتأليف، وكنت معتكفًا على تأليف الكتب الدينية، فقد ألفت ١٢٠ كتابا، آخرها كتاب «فيض البارى فى شرح صحيح البخارى»، ويقع فى ١٦ مجلدًا كل مجلد ٦٠٠ صفحة واستغرق ١٧ عامًا.
■ ذكرت من قبل أنك رأيت الرسول بالمنام.. كيف كان ذلك؟
- خلال دراستى بالسنة الرابعة بكلية أصول الدين، رأيت الرسول بالمنام، كان يطوف حول الكعبة وأنا أطوف خلفه، وحين سألت والدى عن تلك الرؤية قال إنك تقتدى بالرسول عليه الصلاة والسلام، فإذا أكملت الدراسات العليا، فعليك أن تتخصص فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبرنى أننى سوف أحج بيت الله لأنى رأيت الرسول.
وكنت مستبشرًا خيرًا، وبالفعل لم يمر أكثر من أسبوع إلا ودُعيت من رئيس جامعة الأزهر آنذاك، الدكتور محمد أحمد سليمان، وأخبرنى بأنه وقع الاختيار علىّ لأداء فريضة الحج، وكانت أول مرة أؤدى فريضة الحج عام ١٩٦٧.
كان لها مذاق عظيم، فقد كنا مجموعة من الشباب، ولم نترك فى زيارتنا مكانًا من المقدسات، إذ صعدنا غار حراء الذى نزل فيه الوحى على الرسول، وذهبنا إلى كل البقاع والأماكن، لذلك أنصح كل من كان فى استطاعته أداء فريضة الحج فى شبابه ألا يتاخر يومًا، فهو متعة.
■ هل تتذكر المرة الأولى التى صعدت فيها على المنبر؟
- كانت فى سن الحادية عشرة، وكانت خطبة ارتجالية فكانت فاتحة خير، وأعجب الناس بها وطالبوا بأن أكررها عدة مرات.
■ خلال مسيرتك العلمية حصلت على عدة تكريمات.. أى التكريمات أقرب إليك؟
- حصلت على جائرة الدولة التقديرية، ووسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى، وجائزة النيل، أما الجائرة التى أنتظرها فهى من المولى عز وجل أن يمنّ علينا بالجائزة الكبرى وهى الجنة.
■ إذن انتقالًا لملف آخر.. ماذا عن تجديد الخطاب الدينى؟
- هناك خطوات جادة نحو التجديد، فإطلاق الأكاديميات للتدريب والتأهيل يساعد فى تجديد الخطاب الدينى، ونحن نحتاج إلى مؤلفات تراعى الظروف الحالية وتصحح المفاهيم المغلوطة، حتى يعرف الناس الحق من الباطل.
ولا بد من أن نشير إلى أن تجديد الخطاب الدينى، هو أحد الأمور التى أمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم، والأزهر يقوم بدوره نحو التجديد الذى لا يعنى تغيير نصوص القرآن أو السنة، ولكن تحديث الفكر.
وأحب أن أشير هنا إلى أن جميع المؤسسات الدينية تعمل فى توافق وتناغم، سواء كان الأزهر الشريف، أو وزارة الأوقاف المصرية، أو دارالإفتاء، وليس صحيحًا ما يدعيه الواهمون من أن هناك خلافًا بين المؤسسات أو العلماء، كلنا نسير على كتاب الله وسنة رسوله، والأكاديمية العالمية لتدريب الدعاة خطوة فى طريق تجديد الخطاب الدينى، سوف ينتفع بها الدعاة فى الداخل والخارج، وندعو إلى مزيد من الدعم للأكاديمية، حتى يستطيع الدعاة تجديد الخطاب الدينى بالمعنى الصحيح.
■ كيف نقضى على التشدد والتطرف؟
- الفكر المتطرف لا يواجه إلا بالفكر المعتدل، وبتقديم نموذج القدوة فى كل المؤسسات والحكومات، يكون فيها المسئول رجلًا عادلًا يفتح بابه للناس ولا ينظر إلى أصحاب المصالح، ومن جهة العلماء. فالمؤسسات الدينية عليها عبء كبير وستسأل أمام الله على جهل الجاهلين، ولمَ لمْ تنصح العابثين؟.
من الواجب تكثيف الجهود وتقديم الإسلام السهل الرحيم الذى يدعو إلى التراحم والتآلف والتعاطف، هذه مهمة الدعاة والمؤسسات الدينية، مهمة الإعلام أن يوصل للجمهور ولا ينغلق على نفسه، ونطالب بمساحة الرقعة الإعلامية للعلماء.
■ كيف ترد على من يطالبون بتنقية «البخارى»؟
- لا يوجد حديث واحد ضعيف فى «صحيح البخارى»، كلها أحاديث صحيحة، ومن يزعم العكس فهو جاهل، ولا يقرأ كتب الحافظ بن حجر والإمام العينى والكرمانى فى شرح البخارى، وأجدد حديثى بأنى ألفت ١٦ مجلدًا فى شرح صحيح البخارى ولم أجد حديثًا واحدًا ضعيفًا.
الإمام البخارى كتابه أصح كتاب بعد كتاب الله، فهو نفيس صحيح تلقته الأمة بالقبول.
■ كيف تنظر إلى الهجوم على الأزهر من قبل بعض الأطراف؟
- لا نخشى على الأزهر من شىء، والإنسان عدو ما جهل، فالذين يجهلون الأزهر ومكانته، علماؤه يجهلونه، ولكن لا عبرة لهم لأن الله حافظ أزهره وعلماءه، لأنه قاله فى كتابه العزيز: «إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ».
ورب العالمين هو الذى طمأننا على الأزهرالشريف، وحفظ الذكر وهو القرآن الكريم يكون بحفظ آلياته بالجامعات والمدارس والعلماء، ومقدمة هؤلاء هو الأزهر الشريف فهو محفوظ بحفظ الله له.
■ كيف تنظر إلى دعاة السلفية؟
- أولًا نود أن نصحح أن السلف يراد بهم الذين تقدموا من عهد رسول الله، كصحابة الرسول، والتابعين ومن تابعهم الذى صاروا على الكتاب والسنة وحسابهم على الله، ولكن الذين يستبيحون دماء الناس ليسوا من السلف فى شىء، والمنبر يجب أن يحترم ويُصان، وألا يخرج منه إلا الكلمة الحكيمة الرحيمة التى تدعو إلى التراحم والتوبة، والرسول قال: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»، وحين يضرب البعض رقاب البعض يكون قد رجع عن الإسلام.
■ ماذا تقول لمن يستخدم آيات الله فى القتل؟
- استخدام غير معقول لا يقوم به إنسان لديه عقل، الإسلام دعا إلى حرمة النفس والحفاظ عليها، وبين أن من يقتل مؤمنًا متعمدًا، فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا، فالنفس الإنسانية جاء الحفاظ عليها من القرآن، يقول تعالى: «وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا»، هذا الحق بينه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما من يقول إن الإسلام دين عنف أو تشدد، هم أناس لا يفهمون الإسلام، فالإسلام دين رحمة ودين تسامح وإنسانية، والله سبحانه وتعالى لخص الدعوة لرسوله فى قوله «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين».
أنا أنصح شبابنا بعدم الانحراف عن الإسلام، أو الالتفات إلى ما يسمع أو ينشر أو ما هو مخل بالدين، وأن يتبعوا كتاب الله، وسنة رسوله، فقد قال النبى: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدًا؛ كتاب الله وسنتى»، فنجد أناسًا تحللوا من الدين وانحرفوا لدرجة إنكار وجود الخالق، وهناك من غلوا فى الدين وتشددوا وأغرقوا فى غلوهم، وتطرفوا إلى درجة أن أصبحوا عدوانيين على الأمة، فلا هذا ولا ذاك هو الإسلام، فالإسلام يعنى الوسطية والتسامح، لم يُبح القتل إطلاقًا ومن يُبح القتل لا يكون مسلمًا.
ونحن فى هيئة كبار العلماء نصوب المفاهيم المغلوطة، فالأزهر يواجه الفكر بالفكر، والحجة بالحجة، ونحن فى حاجة ملحة الآن لعودة ندوات الرأى فى صورتها الأولى، كما كانت من قبل لتصحيح المفاهيم المغلوطة وإسقاط الحجة عن الظالمين.
■ هل تخشى على مصر فى شىء؟
- لا نخشى على مصر تحت قيادتها الحكيمة للرئيس عبدالفتاح السيسى، وقواتها المسلحة التى تضرب الإرهاب فى ربوع مصر، فحب الوطن من درجات الإيمان، والدين الإسلامى شرع الجهاد فى سبيل الله، من أجل الدفاع عن الوطن والدين والعقيدة، وأدعو جموع المصريين للاصطفاف حول قيادة الدولة فى حربها ضد الإرهاب، وألا نتفرق وألا نسمح للتيارات المتطرفة أو الفتنة أن تتسلل بين صفوفنا، فهذا واجب وطنى، وستصل مصر لبر الأمان بمشيئة الله.