رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"معارك القديس".. خطابات بخط يد وديع فلسطين عن زكي مبارك وأنور الجندي ومحمد نجيب

جريدة الدستور

- أنور الجندى عاد إخوانيًا بعد انتهاء «فترة الكمون» فى عهد ناصر
- زكى مبارك كان يجالس الولدان ويشرب الخمور الرخيصة
- بعض المرشحين لجوائز الدولة يقبلون أحذية النساء حتى يرضى الأزواج عنهم ويختاروهم للجوائز
- محمد نجيب كتب مقالًا فى شهر الثورة عن «الفاروق العظيم»

لم تكن كتابات وديع فلسطين تحمل شيئًا من الوداعة بل كانت دائمًا مليئة بالاشتباك، وأشبه بـ«كرة النار» التى يلقيها فى وجه الآخرين. وأحد أقوى تلك الاشتباكات الملتهبة جاء فى مجموعة من الخطابات، حصلت عليها «الدستور»، مكتوبة بخط يد الأديب والصحفى المخضرم، وتكشف عن رأيه فى عدة قضايا ثقافية مهمة. الخطابات مرسلة من فلسطين إلى صديقه الشاعر الدكتور حسين على محمد الذى كان مقيمًا فى الرياض فترة التسعينيات، حيث كان يعمل أستاذًا للأدب الحديث والدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

أنور الجندى بدأ إخوانيًا ثم تحول.. وزكى مبارك كان يهرب من دفع حساب الخمور

فى خطاب بتاريخ ١٩٩١، يصف وديع فلسطين، أنور الجندى، (الأديب والمفكّر الإسلامى)، بـ«المتحول من جماعة الإخوان إلى الناصرية»، فضلًا عن انتقاده زكى مبارك، (أديب وشاعر وصحفى وأحد تلامذة طه حسين)، واتهامه بالتهرب من دفع حساب الخمور التى كان يشربها فى أحد البارات.
بدأ وديع فلسطين خطابه إلى صديقه برسالة ترحيب، قائلًا: «أخى الحبيب الدكتور حسين على محمد، دُمت مع الأسرة الكريمة فى أحسن حال من الصحة والعافية، وشكرًا على رسالتك المؤرخة فى ١ ٧ وأحمد الله أنها طمأنتنى عليك وعلى أحوالك».
ويقول وديع فى خطابه إنه قرأ مقال حسين الذى نُشر فى جريدة «الهلال»، وتحدث فيه عن طه حسين وأنور الجندى: «طبعًا قرأت مقالك فى الهلال عن طه حسين وأنور الجندى وأشفقت على شيخوخة الجندى وهو يواجه الناس بمثل هذا التحول من النقيض إلى النقيض».
ويستفيض شارحًا: «أنور بدأ إخوانيا وله كتاب عن حسن البنا، وحينما بدأت الهجمة الناصرية الشرسة على الإخوان تحول إلى الأدب وأخرج عددًا من الكتب الأدبية التى مسح بها قرنًا كاملًا من الحياة الأدبية وتفرغ تماما للمباحث الأدبية».
ويتابع: «حينما انتهت فترة الكمون أو التقية أو البيات الشتوى عاد إخوانيًا متفرغًا للمباحث الدينية وفى فترة التقية كتب عن طه حسين وسواه من الأدباء، مشيدًا بأعمالهم وفى الفترة الأخيرة راجع نفسه بشأن آرائه الأدبية فى ضوء نظرته الإخوانية وصحح كثيرًا من المفاهيم دون أن يشير إلى فصوله السابقة اعتمادا منه على أن الناس تنسى».
وتطرق وديع فى خطابه إلى زكى مبارك فيقول: «زكى مبارك عرفته عن قرب وإن كنت تجنبته دائما، لأنه كان مع الأسف يجالس الولدان ويشرب الخمور الرخيصة فى البارات المفتوحة ويتهرب من دفع الحساب، وقد سجلت صورته فى أحد الأحاديث المستطردة التى نشرتها فى (الأديب) فى يونيو ١٩٧٥ وتطرقت فى الحديث إلى كتاب حسين رشيد، وكتاب أخينا الراحل عبدالرازق الهلالى الذى توفى فى أوائل أكتوبر ١٩٨٥ـ وقد أخبرنى صديق تونسى أن أسرة الهلالى نشرت له كتابا مخطوطا عنوانه (هؤلاء قالوا لى) جعلنى من ضمن الهؤلاء، ولكن لم أطلع على هذا الكتاب ولا صلة لى بأسرته».
ولم ينس «وديع» جوائز الدولة فى تلك الفترة فتحدث عنها قائلًا: «الحديث عن جوائز الدولة متعدد الجوانب ولو قرأت مقالة أنيس منصور اليوم فى الأهرام وكيف بعض المرشحين كانوا يقبلون أحذية النساء وأقدامهن حتى يرضى الأزواج عنهم ويختاروهم للجائزة لعرفت مدى (سفالة) أخلاق بعض الفائزين بالجائزة التى باتت قيمتها المادية تافهة».
ويواصل: «وهناك أسئلة بديهية تطرح: هل يعقل مثلًا ألا يفوز بالجائزة الدكتور عبدالرحمن بدوى (فيلسوف مصرى بارز) (ولست أحبه) أو المرحوم عبدالغنى حسن (الشاعر والباحث محمد عبدالغنى حسن الذى كان عضوًا بمجمع اللغة العربية) فى حين يفوز بها تلميذهما أنيس منصور؟ وهل يعقل أن يبقى خالد محمد خالد بعيدا عن الترشيحات وبالتالى عن الفوز بالجائزة؟ وهل يعقل مثلا أن توزع نياشين على الصحفيين ولا يمنح مصطفى أمين نيشانا ولا ينال حسنين هيكل وساما ولا يكرم أستاذ الصحافة الجامعية الأكبر خليل صابات؟ وأيهما أحق بجائزة الدولة التقديرية: شكرى عياد أم الطاهر مكى؟».
ويعقِّب: «إن الجوائز كالقدر تصيب أو تخيب ولا شأن لها بأى قيمة أدبية لأنه لا توجد أصلا معايير لاختيار الفائزين بها إلا معيار العلاقات الشخصية والمساعى التحتية».
وتناول وديع فلسطين فى نفس الخطاب عدة أمور منها الأزمة التى أثارها مقال للشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى، فى الإصدار الثانى لمجلة (إبداع)، عدد أبريل ١٩٩١، إبان رئاسة تحرير المجلة عن نوعية الجمهور المستهدف، يقول: (حكاية الصفوة والحرافيش التى أثارها الشاعر حجازى فتحت عليه بطاريات المهاجمين من جميع الاتجاهات ورئيس التحرير فى كل زمان ومكان هو المسئول الأول عن اختيار ما يراه جديرا بالنشر دون أن يسأله أحد: لماذا؟ فإذا كانت المجلة مملوكة لمحررها كان له أن يسهم فى السياسة التى يريدها دون تدخل من مخلوق أما إذا كانت المجلة مملوكة لجهة رسمية أو غير رسمية فالمفروض أن ينفذ المحرر السياسة التى تضعها هذه الجهة أو أن يقنعها بصواب سياسته حتى لا يكون موضع مؤاخذة).
ويشرح أكثر: «فى ضوء هذه القواعد البديهية كان من الحماقة أن يقول حجازى إن سياسته أن ينشر للصفوة ويغلق الباب أمام الحرافيش ولكن يبدو أن الرياسات والصداميات أمران متلازمان، فكل رئيس لمشروع هو (صداع) هذا المشروع ولا فائدة من أى نقاش معه حتى ولو تورط فى عاصفة صحراء».

هيكل الناصرى الثورى كتب عشرات المقالات فى مديح «مولاه فاروق».. وما زلت أحتفظ بها

فى خطاب آخر قبل سنوات على الخطاب السابق، أرسله وديع إلى حسين بتاريخ ١٩٧٨، يقول: «لاحظت فى عدد حديث من مجلة صوت الشرق أنك تعاقبنى على سكوتى، ثم تتطوع وتعد قراءك بمزيد من الحوارات معى، وكأننى فابريقة حوارات». ويوضح وديع سبب توقفه عن الكتابة فيقول: «أما توقفى عن الكتابة فسببه مشاغلى الآخذ بعضها بخناق بعض، ثم اعتقادى بأن الأدب غير مجدٍ، فهمومه أكثر من فائدته». وينتقل للرد على أسئلة «حسين» التى أرسلها له فى خطاب من قبل كما يوضح الكاتب فيقول: «خليل مطران عرفته فى سنوات عمره الأخيرة، وكتبت عنه كثيرا فى حياته وبعد وفاته، غير أننى لم أجمع هذه الكتابات وهى متناثرة فى مجلة الأديب والمقطم، ورسالة الزيات ورسالة بيروت ومنبر الشرق، وسواها، وقد عثرت اليوم على عدد قديم من الأديب فيه فصل لى عن مطران نشرته بعد وفاته، وأنا موافيك بالعدد غير ضامن وصوله إليك ما دام سبيلى هو البريد والبريد خوَّان».
ويتابع: «أما جلاد باشا (الصحفى إدجار فيليب جلاد صاحب جريدة الزمان فى الأربعينيات) فكان متصلًا بالملك فاروق، وهذه حقيقة تاريخية إلا لمجرد كون شقيقه يوسف جلاد باشا مديرًا للإدارة الأوروبية فى القصر الملكى، بل لأن الدنيا كلها فى ذلك العهد كانت تتمسح فى أعتابه وحتى محمد حسنين هيكل الذى يتوهم الناس أنه كان ثوريًا ناصريًا منذ النظام كتب عشرات المقالات عن (مولاى الفاروق) وأنا محتفظ ببعضها ضمن أوراقى».
ويؤكد وديع: «كان جلاد باشا يجرى كل سنة مسابقة بين شباب الصحفيين يمنح الصحفى فيها جائزة فاروق الأول للصحافة الشرقية ومقدارها مائة جنيه، وهى جائزة تقدم إليها وفاز فيها محمد حسنين هيكل، إحدى السنين وفزت أنا فيها فى سنة أخرى، وفاز بها حلمى سلام فى سنة أخرى، وكانت لجنة التحكيم تضم رجالا مثل أنطون الجميل باشا، رئيس تحرير الأهرام، وفكرى أباظة باشا، رئيس تحرير المصور، ومحمود أبوالفتح، ومحمد زكى عبدالقادر».
ويلفت وديع: «بل إن عبدالناصر نفسه وكل ضباط الثورة أقسموا اليمين للملك فاروق عند تخرجهم، وكانوا مدعوين على مائدة غدائه يوم ٢٦ يناير ١٩٥٢ عندما كانت القاهرة تحترق فكانوا يشاركون الفاروق فرحته بميلاده وولى عهده الأمير أحمد فؤاد، بل لقد كنت أحتفظ بعدد قديم من مجلة المدفعية صدر فى يوليو ١٩٥٢، أى فى شهر الثورة نفسه وفيه مقال بقلم اللواء محمد نجيب عن الفاروق العظيم وقد تاه هذا العدد فى أوراقى أو لعله ضاع».
ويوضح: «مع أن الثورة أذت كثيرين من الصحفيين الذين اتصلوا بفاروق مثل كريم ثابت باشا فإنها لم تؤذ جلاد باشا، وظلت جريدته الفرنسية تصور بوصفها جريدة مملوكة ملكية خاصة له دون أن تؤمم أو تلحق بالاتحاد الاشتراكى المأسوف على شبابه العقيم، وتتولى أسرة جلاد (زوجته وابنه وابنته) إصدار الجريدة يوميًا إلى تاريخه». ويتحدث «وديع» فى خطابه عن فتحى رضوان، (المحامى والسياسى والأديب المخضرم، وأول وزير للإرشاد القومى فى عهد الثورة)، فيقول: «أعرفه منذ قابلته للمرة الأولى فى منزل صديقنا المجاهد المنسى الشيخ على الغاياتى، صاحب ديوان (وطنيتى) المشهور، وكان فتحى رضوان يومها من شباب الحزب الوطنى، حزب مصطفى كامل ومحمد فريد، وحافظ رمضان من بعدهما، لكنه كان يختلف عن هؤلاء الزعماء الزاهدين الذين رفضوا تولى أى منصب وزارى «باستثناء رمضان باشا»، لأنه كان ذا طموح سياسى، فانشق عن حزب الزاهدين، وأنشا لنفسه فرعًا خاصًا من فروع الحزب الوطنى جعل نفسه رئيسًا، وأصدر مجلة سماها اللواء الجديد، وارثًا بذلك اسم اللواء».