رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إبراهيم سالم محمدين


على كورنيش النيل بمنطقة إمبابة، وعلى مساحة ٣٥ ألف متر مربع، يقف مبنى هيئة المطابع الأميرية، الذي حمل قرار إنشائه الصادر في أول سبتمبر ١٩٥٦ توقيع الدكتور عزيز صدقي، وزير الصناعة وقتها، وحملت لوحة «لافتة» افتتاحه في ٢٨ يوليو ١٩٧٣ اسم وزير صناعة لاحق، هو المهندس إبراهيم سالم محمدين.

المبنى، الذي مررت أمامه منذ ساعات، ليس أكثر من تكأة أو «تلكيكة» للربط بين عظيمين راحلين، يحمل أولهما لقب «أبوالصناعة المصرية»، والثاني يوصف بأنه «رجل الصناعة الأول في مصر»، ويُعد واحدًا من أكبر رجال الصناعة المصريين في القرن العشرين. وكلاهما تخرج في هندسة القاهرة، وكلاهما تولى وزارة الصناعة مرتين. وكما كان أبرز منجزات عزيز صدقي إنشاءه مجمع الحديد والصلب بحلوان، وكان الإنجاز الأبرز لمحمدين إنشاءه شركة الإسكندرية الوطنية للحديد والصلب «الدخيلة»، التي صار اسمها الآن وبكل أسف «عز الدخيلة».

في المرتين، اللتين تولى فيهما «محمدين» وزارة الصناعة، كان رئيس الوزراء هو الرئيس محمد أنور السادات الذي منحه وسام الجمهورية من الطبقة الأولى، تقديرًا للدور الذي قام به خلال حرب أكتوبر. وقبل الوزارة كان رئيسًا لمجلس إدارة شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى. وبعدها، قام بإنشاء شركة «الدخيلة»، وتولى رئاسة مجلس إدارتها منذ إنشائها سنة ١٩٨٢ وحتى نشرت «الأهرام»، في ٩ مارس ٢٠٠٠، استقالته في إعلان «مدفوع»، بعد نحو ٦ أشهر من زرع أحمد عز، الذي كانت أسهمه وقتها لا تزيد نسبتها على ١٠٪، ومع ذلك، صار رئيس مجلس إدارة الشركة والعضو المنتدب!.

الشركة، كانت ولا تزال، أكبر شركة مصرية تنتج خامات الحديد والصلب بكل أنواعه، وقصتها منذ إنشائها إلى زرع واستيلاء أحمد عز على نسبة حاكمة من أسهمها، تحتاج إلى مجلدات لروايتها، من كل زواياها وأبعادها والأطراف المتداخلة فيها. لكن قصة نحاجها لخصها أحد كبار العاملين فيها بكلمات معدودة: «كان إبراهيم سالم محمدين يسهر ليلًا مع العمال ويشرف بنفسه على سير العمل بالشركة التي كانت بمثابة منزله، فكان يعيش داخل أسوارها طوال ساعات العمل، وكان التشجيع والتحفيز السمة الأساسية في أسلوب إدارته».

بدأ إنتاج الشركة سنة ١٩٨٦ بـ٧٤٥ ألف طن سنويًا، وظل الإنتاج يتزايد حتى وصل إلى مليون و٧٠٠ ألف طن. وقفز رأسمالها من ٤٠‏ مليون جنيه، سنة التأسيس، ليصل سنة ٢٠٠٠ إلى مليار و٢٠٠ مليون جنيه. غير أن اللافت هو أن منحنى أرباح الشركة ظل يرتفع بشكل مطرد، وفجأة حدث هبوط حاد في ١٩٩٨ و١٩٩٩، وكان السبب هو أنه خلال هاتين السنتين، مورست ضد الشركة ضغوط هائلة، بدأت بسياسات إغراق ولم تنتهِ بتعنت من مصلحة الجمارك «وزارة المالية». وتكفي الإشارة إلى أن الشركة لم تجد طريقًا (أو طريقة) للوصول إلى رئيس الجمهورية إلا عبر إعلان مساحته ربع صفحة، رفضته الصحف القومية، ولم تنشره إلا جريدة الوفد!.

ولأن القدر، كما هو شائع، يعبث ويلهو ويلعب، صار مؤسس الشركة متهمًا في القضية المعروفة إعلاميًا بـ«قضية عز الدخيلة». وأن يحيله النائب العام مع أحمد عز وخمسة من مسئولي الشركة إلى محكمة الجنايات، بتهم التربح دون وجه حق، والإضرار العمدي الجسيم بالمال العام. والأكثر من ذلك، هو صدور حكم بحبسه سنة (مع إيقاف التنفيذ). ومع أن هذا الحكم تم نقضه، وأعيدت المحاكمة أمام جنايات القاهرة، إلا أن القدر واصل عبثه ولهوه ولعبه، وانقضت الدعوى بالتصالح الذي دفع بموجبه أحمد عز نحو مليار ونصف المليار جنيه. وبالتالي، لم يتمكن الفقيد من استصدار حكم ببراءته المستحقة والثابتة في تقرير لجنة الخبراء التي انتدبتها محكمة جنايات القاهرة.

الرجل، إذن، بريء جنائيًا بشهادة تقرير لجنة الخبراء. لكن يمكنك، وأنت تضع يدك في الماء الباردة، أن تدينه سياسيًا، أو أدبيًا، بزعم أنه كان يمكنه أن يفضح الصفقة، لكنه آثر السلامة، واستسلم خوفًا من النظام وبطشه. لكنك إن فعلت، تكون قد ظلمته وتحاملت عليه، كما فعل كثيرون، تجاهلوا، بحسن أو بسوء نية، أن للموضوع (للصفقة) أبعادًا أخرى وتفاصيل أكثر، غير تلك التي لاكتها وسائل الإعلام أو جرى تداولها في ساحات المحاكم.

ـ وزاوية حادة

مساء الإثنين، كنت أشاهد، للمرة الـ«مش عارف كام»، الفيلم الأرجنتيني الإسباني «العاهرة والحوت»، وحرمني خبر وفاة الفقيد من استكماله. كما منعني من الكتابة، اليوم، عن نائبة (نايبة) في مجلس الأمة الكويتي، لعب الشيطان وآخرون، في رأسها. وعليه، قد تكون لنا وقفة أو وقفات مع النائبة الكويتية.. والعاهرة والحوت.