رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قليل من الحب قد يغيرنا


من يصبح الحب منهجًا ودستورًا له فى حياته فإن قلبه لن يعرف الكراهية والغل والعنف والتشدد وسيصبح أكثر إقبالًا على الحياة وعلى النجاح فى علاقاته وفى عمله وفى بلده
قليل من الحب قد يكفى ليُغير ما بداخلنا إلى الأفضل.. إن الحب هو شعاع من نور يدخل إلى الروح ويحرك المشاعر الإيجابية تجاه الآخرين.. أو تجاه إنسان معين.. إن الحب كلمة من حرفين، لكنها تحمل فى داخلها مواقف وأفعالًا وأحاسيس تجعل الحياة أفضل.. لأنها تطرد مشاعر الكراهية والبغض والنفور.. إن الحب أنواع ودرجات وفى أسمى معانيه حب الوطن والأسرة والأصدقاء والمحبوب.
هذا لأننا فى خضم الأحداث الدولية وزخم الفعاليات المهمة، التى شهدها بلدنا مطلع شهر نوفمبر، نسينا أن نحتفل بعيد الحب المصرى، الذى يحل يوم ٤ نوفمبر من كل عام.. وها أنا أذكر به القارئ لأن كثيرًا من الشباب لا يعرفونه ويعرفون فقط عيد الحب العالمى، أو الفالنتين، الذى يحل فى يوم ١٤ نوفمبر من كل عام.. وأنا أرى أن من حقنا طالما لدينا عيدان للحب، فالأفضل أن نحتفل بهما؟! إن فكرة الاحتفال بالحب مرتين فى العام، مرة من خلال دعوة مصرية فى نوفمبر، ومرة من خلال احتفال مع العالم فى فبراير، هو دليل حبنا للحياة والمشاعر الإيجابية، ودليل إنسانيتنا وإقبالنا على الحياة.. فدعونا نحتفل به بإهداء وردة لكل من نحب.. لقد شهدنا هذا الشهر عدة أحداث مهمة تعبر عن حيوية مصر وطبيعة شعبها العريق المحب للحياة وللبهجة أيضًا.. رغم الصعاب.. ففى بداية الشهر تجمع ٥٠٠٠ شاب وشابة من أنحاء العالم فى مدينة السلام بدعوة للسلام والتنمية والحوار، وتبادل الخبرات الدولية، الذى افتتحه الرئيس عبدالفتاح السيسى مرحبًا ومؤكدًا على مسيرة مصر نحو التنمية ومحاربة الإرهاب ومحذرًا العالم من عواقبه، ومطالبًا بضرورة التعاون بين الدول والشعوب للتصدى له. ومنذ بداية الشهر تزينت شوارع القاهرة استعدادًا للاحتفال فى يوم ٢٠ من الشهر بالمولد النبوى الشريف، وامتلأت الأحياء الشعبية بعروسة المولد والحلويات التقليدية التى يقبل عليها المصريون وأبناؤهم مما يؤكد أن عادات المصريين فى الاحتفال بالأعياد لم تتغير، رغم كل الأحداث الأليمة التى شهدناها من الإرهاب.. وفى يوم ٢٠ الشهر الحالى أيضًا يتم افتتاح مهرجان القاهرة الدولى بحضور بعض النجوم العالميين والمصريين، ونتمنى له النجاح هذا العام بعد تغير إدارته.. ثم أعود إلى حدث عربى احتفالى مهم نجح نجاحًا كبيرًا وهو مهرجان الموسيقى العربية، الذى أقبل الجمهور على حفلاته بدار الأوبرا المصرية إقبالًا منقطع النظير، الذى استطاع أن يعزز مكانة مصر الثقافية والفنية هذا العام بمشاركة كبار نجوم الغناء والطرب من الدول العربية الشقيقة، وبحضور د. إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، ود. مجدى صابر، رئيس دار الأوبرا المصرية، ومن دلائل نجاحه فى دورته الـ٢٧ مشاركة قمم الطرب الراقى من الدول العربية ومن مصر، مثل ماجدة الرومى وعاصى الحلانى وصابر الرباعى ووائل جسار ورامى عياش ومدحت صالح وعمر خيرت وأنغام ونادية مصطفى وهانى شاكر ومحمد الحلو ومحمد ثروت.. ونجوم جدد سيستكملون مسيرة الطرب الأصيل. فأهلًا بكل الزائرين من العالم ومن الدول العربية الشقيقة، لأن مصر على عهدها تفتح ذراعيها لكل المحبين والزائرين القادمين حبًا وإعجابًا ومشاركة إيجابية فى الفعاليات على أرضها. أما يوم ٤ نوفمبر فهو عيد الحب المصرى، وهو عيد يهتم به من يعرفون قصته مثلى، ممن يحرصون على التمسك بمشاعر الرومانسية فى حياتهم، وفتح نافذة بهجة وأمل بداخل حياتهم.. وهنا أتوقف لأذكّر القراء، خاصة الشباب، بأن من حقهم أن يحتفلوا أيضًا بعيد الحب المصرى كما يحتفلون بالفالنتين، حيث لاحظت أن غالبية الشباب لا يعرفونه ولا يهتمون به. رغم أن له قصة طريفة، حيث نشأت فكرة عيد الحب فى مصر من خلال الكاتب الصحفى المصرى الكبير، الراحل مصطفى أمين. فقد كتب فى عاموده اليومى فى عام ١٩٨٨ أن القرّاء يطالبون بإحياء عيد حب مصرى، نابع من مصر، وكان مصطفى أمين قبلها فى عام ١٩٧٤ قد شاهد جنازة لرجل سبعينى لا يسير فى جنازته إلا ٣ أشخاص فقط، فلما سأل أحدهم عن هذا الموقف الذى رآه غريبًا قال له: إنه لم تكن علاقته جيدة بكثيرين، فتعجب من الموقف وجاءته فكره دعوة الناس ليوم عيد الحب. ومضت السنوات وحينما جاءه اقتراح القرّاء بأن تتحول الدعوة إلى احتفال بعيد مصرى للحب نشرها فى ١٩٨٨.. ورغم أنه لقى هجومًا وقتها باعتباره يدعو لمشاعر العشق والغرام فإنه مع مرور السنوات وجد المصريون فيها دعوة مناسبة لإظهار مشاعر الحب ونبذ الكراهية.
وها أنا أذكر القرّاء والشباب بهذه الدعوة التى أعتقد أنه من المهم إحياؤها حتى لا تندثر مع الوقت.. إنها دعوة جميلة هدفها أن نوقظ بداخلنا مشاعر الحب للآخرين وأن نعبر عنها.. وأن تتسع هذه المشاعر لتكون منهجًا للحياة وإحياءً لمشاعر الحب للوطن والمدرسة والجامعة والأسرة والأصدقاء والبيت.
ومن المؤكد أن من يصبح الحب منهجًا ودستورًا له فى حياته فإن قلبه لن يعرف الكراهية والغل والعنف والتشدد، وسيصبح أكثر إقبالًا على الحياة وعلى النجاح فى علاقاته وفى عمله وفى بلده، إن الحب هو مفتاح النجاح لأى إنسان.. إن من يعرف الحب لن تعرف الكراهية قلبه.. أما من لا يعرف الحب فإنه يتحول إلى كائن فاقد لإنسانيته، ولقدرته على التواصل مع الآخرين ولقدرته على الاستمتاع بمباهج الحياة ذاتها.. حبوا واملأوا الدنيا حبًا حتى ننتصر على كارهى الحياة وكارهى المشاعر الإنسانية الراقية.. إن انتصارنا للحب هو انتصار لإنسانيتنا.. إن من حقنا الاحتفال بالحب طوال العام حتى ننتصر لإنسانيتنا.