رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ليسوا كفارًا وليسوا مسلمين


نحن الآن فى رحاب الأيام التى تستقبل المولد النبوى الشريف، وقد ولد الرسول، صلى الله عليه وسلم، ليكون خاتم الأنبياء، أرسله الله سبحانه وتعالى ليكون رحمة للعالمين، وليكون للعالمين بشيرًا ونذيرًا، كان هو الرحمة المهداة من رب العالمين، وكانت البينة التى أرسلها الله لنا حينما أوحى بها للرسول هى القرآن الكريم.
وقد وصف الله القرآن بأنه هدى للمتقين، ولكن إبليس لم يتركنا على نهج الرسول، وما كان له أن يتركنا وقد توعدنا عندما قال لله «فبعزتك لأغوينهم أجمعين»، أما طريقته فى الإغواء فهى أن يقعد لنا فى طريق الإيمان ليبعدنا عنه، وقد قال إبليس ذلك وأخبرنا الله بأنه سيفعل، «لأقعدن لهم صراطك المستقيم»، ولذلك لم ينتبه المسلمون أن الشيطان سيأتى لنا من خلال طريق الدين ليجعلنا ننحرف عن الصراط المستقيم، وإذا كان الله قد أنزل لنا نسخة الإسلام النقية الصحيحة، فقد أرسل لنا إبليس نسخة مزيفة للإسلام، وإذا بنا نترك النسخة الأصلية ونعتنق النسخة المزيفة، وقد تفرعت النسخة المزيفة للإسلام إلى عشرات بل مئات النسخ، وقد حذرنا الله من أن نتبع تلك النسخ المزيفة فقال «ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله»، وكانت أخطر نسخة للإسلام المزيف هى النسخة التى قدمها لنا حسن البنا، صانع الإرهاب فى العصر الحديث، وقد تفاخر البنا فى رسائله بأن الإسلام دين الإرهاب، وأنه وجماعته يجب أن يستخدموا القوة لفرض أنفسهم على الناس، حتى إنه فى إحدى رسائله قال: لو توافر لى اثنا عشر ألفًا من المجاهدين لغزوت بهم الدنيا، ثم قال: إيمان الإخوان هو الإيمان اليقظ الحى الحقيقى، أما إيمان الأمة فهو إيمان زائف مخدر. ولكن لماذا أراد البنا من جماعته أن تكون جيشًا مقاتلًا لا يفهم شيئًا إلا أن يقاتل، ولا يعرف شيئًا إلا أن يحمل السلاح؟، وكيف حرص البنا على أن يكون أفراد جماعته من السطحيين الذين لا ينبغى لهم أن يدخلوا إلى مدارج العلم والفقه والدراية؟.
سأضرب لكم أمثالًا واقعية لا يستطيع أحد أن يكذبها، فعندما حصل مهدى عاكف على الثانوية العامة ذهب إلى حسن البنا، وقال له: أريد أن أدخل كلية الحقوق، فقال له البنا: كلية الحقوق ليست لك، ولكن ادخل التربية الرياضية، لأننا نريد شبابًا صحيح الجسد، قوى البنيان، وعلى ذات المنوال طلب البنا من كثير من شباب الجماعة أن يدخلوا إلى التعليم الصناعى أو الزراعى المتوسط، أما الذين كانوا قد حصلوا على شهادات عليا فما الذى كان البنا يقوله لهم؟، قال لعبدالعزيز كامل، الذى كان مثقفًا قارئًا: أعلم أنك تفكر فإذا اختلف رأيك مع رأيى فدع رأيك وخذ رأيى فهو الأصلح والأنفع!.. هكذا! لا يجوز لعضو الجماعة أن يفكر بشكل مستقل بعيدًا عن مسئوله.
وقد كانت فكرة الجيش هذه هى الفكرة الأولى التى استحوذت على البنا، فقال فى رسائله صراحة: أيها الإخوان أدعوكم للجهاد العملى بعد الدعوة القولية، سندعو كل الهيئات إلى الإسلام، فإن أجابوا الدعوة آزرناهم، وإن لجأوا إلى المراوغة والدوران فنحن حرب عليهم ولا هوادة معهم حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين.
وفى رسالة أخرى قال: أمر الله المسلمين أن يجاهدوا فى الله حق جهاده بنشر هذه الدعوة بين الناس بالحجة والبرهان، فإن أبوا فبالسيف والسنان.. والناس إذا ظلموا البرهان واعتسفوا فالحرب أجدى على الدنيا من السلم!!.
وقد حرَّف حسن البنا فى نفوس أصحابه معنى الإسلام، ويا لفجاجته حينما قال لأعضاء الجماعة: «سيقول الناس ما معنى هذا وما أنتم أيها الإخوان؟، إننا لم نفهمكم بعد، فأفهمونا أنفسكم وضعوا لأنفسكم عنوانًا نعرفكم به كما تعرف الهيئات بالعناوين، هل أنتم طريقة صوفية أم مؤسسة اجتماعية أم حزب سياسى؟، كونوا واحدًا من هذه الأسماء والمسميات لنعرفكم بأسمائكم وصفتكم، فقولوا لهؤلاء المتسائلين: نحن دعوة القرآن الحق الشاملة الجامعة، وطريقة صوفية نقية، وجمعية خيرية، ومؤسسة اجتماعية، وحزب سياسى نظيف، وقد يقولون بعد هذا كله: ما زلتم غامضين فأجيبوهم: نحن الإسلام!.
وضع حسن البنا فى ضمير أتباعه أنهم دعوة القرآن وبما أنهم القرآن فلا ضير لو قال عنهم إنهم هم الإسلام، هذا هو نبى تلك الجماعة الذى قدَّم لهم إسلامًا مزيفًا لا نعرفه ولا علاقة لنا به، ثم كانت الفكرة الثانية التى جعل جماعته تؤمن بها هى أن هذا المجتمع كافر لا يؤمن بالإسلام، وقد وضع سيد قطب بعد ذلك نظريته الكاملة عن تكفير المجتمع، ولكن حسن البنا قدَّم نظريته عن تكفير المجتمع وهو يقدم رِجلًا ويؤخر الأخرى، فزعم أن إيمان الأمة نائم ومخدر، ثم حصر الإيمان فى جماعته فقط فجعله إيمانًا يقظًا منتبهًا، ولذلك ادعى حسن البنا عند أصحابه أنه لا حرمة لغير المسلم إلا إذا كان معاهدًا أو مستأمنًا أو ذميًا، وحتى الذمى لا حرمة له إذا أراد أن يمارس شعائر دينه، وسيد قطب فى مقدمة كتابه الأشهر «فى ظلال القرآن» نظر إلى نفسه ثم إلى العالم، فجعل من نفسه فى مكانة علية سامقة لا يقترب منها بشر، وجعل العالم كله أسفله، فقال: «عشت فى ظلال القرآن أنظر من علو إلى الجاهلية التى تموج فى الأرض، وإلى اهتمامات أهلها الصغيرة الهزيلة، أنظر إلى تعاجب أهل هذه الجاهلية بما لديهم من معرفة الأطفال، وتصورات الأطفال، واهتمامات الأطفال، كما ينظر الكبير إلى عبث الأطفال، ومحاولات الأطفال».. كشف قطب فى مقدمته عن غروره وتعاليه، ثم كشف عن رؤيته للعالم كله، شرقه وغربه، مسلمه وكافره، هو عند نفسه يجلس فى مكان مرتفع، وكل البشر من دونه كالأطفال، حضارات العالم وثقافته، وتصوراته هى تصورات جاهلة كتصورات الأطفال.
كانت تلك هى النفسية التى صاغت نظرية الإسلام السياسى، نفسية متعالية حاقدة على البشرية كلها، ثم إذا بقطب يسترسل عن العالم كله قائلًا: «نحن اليوم فى جاهلية كالجاهلية التى عاصرها الإسلام أو أظلم. كل ما حولنا جاهلية.. تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم. حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراجع إسلامية، وفلسفة إسلامية، وتفكيرًا إسلاميًا.. هو كذلك من صنع هذه الجاهلية». هكذا كان قطب يرانا، كلنا أهل جاهلية كالجاهلية التى عاصرها الإسلام فى بدايته، حتى ما نظن أنه فكر إسلامى أو ثقافة إسلامية هو عند قطب جاهلية!.
هذه هى الركائز التى أقام عليها قطب فكره، أما سبب كل ما انتهى إليه فهو أنه يعتبر أن البشرية تتحاكم إلى غير ما أنزل الله، وأن الحاكمية هى المعيار الذى يجعل من هذا مسلمًا وذاك كافرًا، إن قول قطب فى هذا الصدد يحمل تكذيبًا لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذى قال: «إن الله يبعث على رأس كل مائة من يجدد للأمة أمر دينها»، الرسول هنا يخبرنا بأن الإسلام لن يغيب أبدًا وبأنه سيظل قائمًا وبأنه كلما استجدت أحداث تجعل من الضرورى تجديد فهمها للدين أرسل الله لها من يقوم بهذا الأمر، ثم كيف يستقيم قول قطب بغياب الإسلام منذ قرون والرسول هو خاتم النبيين، ذلك أنه عندما يطمس على الحق يرسل الله للبشرية رسولًا يُعيد الحق لها مصداقًا لقوله «وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا»، وطالما أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، هو خاتم النبيين، إذن يجب أن يظل الحق قائمًا لا يغيب عن الأمة أبدًا، ولو كان كلام سيد قطب يخصه هو وحده ويؤمن به وحده لما التفتنا إليه، ولكنه هو ما عليه الإخوان كلهم، يؤمنون به، ويحاربون الأمة من أجله، ولا يعرفون غيره، وصدق حسن البنا وهو كذوب حينما قال: «ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين».