رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سفير جنوب السودان: «إعلان القاهرة» أوصلنا للسلام الذى نعيشه الآن

جريدة الدستور

علاقاتنا مع مصر أزلية ونتمنى الارتقاء بها إلى «التعاون الاستراتيجى المشترك»

نتواصل مع مصر للمشاركة فى مشروعات الكهرباء.. ونسعى لتدشين ملاحة نهرية مشتركة

بدأنا دمج المعارضة المسلحة فى الجيش.. ومن حق مشار العودة للبلاد وممارسة حقوقه


وصف جوزيف مومو، سفير جنوب السودان فى القاهرة، علاقات البلدين بـ«الأزلية»، مشيرًا إلى أن القاهرة دعمت جوبا فى العديد من المجالات، على رأسها التعليم والصحة، بجانب وجود عدد كبير من الشركات والمستثمرين المصريين هناك.
وقال «مومو»، فى حواره مع «الدستور»، إن اتفاق توحيد «الحركة الشعبية لتحرير السودان» الذى وقع فى مصر، وعرف باسم «إعلان القاهرة»، أسهم فى توحيد القوى السياسية فى البلاد، كاشفًا عن أنه سيتم تأسيس حكومة وحدة وطنية فى يونيو المقبل.
ووصف الانفصال الاجتماعى مع السودان بـ«المستحيل»، خاصة مع الروابط المشتركة بين البلدين، ومشاركتهما أطول حدود فى المنطقة، بجانب كون المواطنين الموجودين على الحدود بين البلدين أكثر من نظرائهم فى الداخل، لافتًا إلى نجاح الدولتين فى حل ما يزيد على ٨٠٪ من الخلافات الحدودية.



■ ما آخر التطورات فى مسألة اتفاق السلام بين الأطراف المتنازعة فى جنوب السودان؟
- نستطيع القول إن جنوب السودان يعيش حالة من الاستقرار، وهناك لجان تتولى تطبيق الاتفاق وشرح مفاهيمه للمواطن الجنوب سودانى، والإجراءات المتخذة بهذا الصدد تسبق المواعيد المحددة لإتمامه.
ومن المقرر فى يونيو ٢٠١٩ أن نشهد تأسيس حكومة وحدة وطنية فى جنوب السودان، لأننا فى مرحلة استيعاب لقوى المعارضة، وعلى ذلك يجرى تجهيز آليات العمل واقتسام المناصب الوزارية طوال الفترة الانتقالية المقررة فى الاتفاقية والتى تبلغ مدتها ٣٦ شهرًا.
وأحب أن أوضح أن البحث عن السلام فى جنوب السودان، كان مطروحًا طيلة السنوات الماضية على طاولة الحوار، حتى إنه طرح بعد ٣ أيام فقط من اندلاع القتال فى ٢٠١٣، وحينها أعلن الرئيس سيلفا كير أن ما يحدث هو مشكلة سياسية، لذا يحتاج بالأساس لحل سياسى، وهو ما لقى دعمًا من مصر التى لعبت دورًا واضحًا فى دعم الاستقرار والأمن بجنوب السودان.
■ بصراحة.. هل لديكم تخوف من عودة رياك مشار إلى العاصمة جوبا؟
- رياك مشار مواطن جنوبى والرئيس سيلفاكير اتفق معه على التخلى عن العنف، لذا فله الحق فى أن يمارس حقوقه السياسية بالطرق السلمية، خاصة أن العنف فى جنوب السودان لن يؤدى أبدًا إلى الاستقرار، كما أن الشعب تشتت فى بقاع العالم بسبب الحرب، وانتقل كثيرون للإقامة فى دول الجوار وفى مصر أيضًا بسببها. لذا فمن حق «مشار» ممارسة حقوقه والترشح لرئاسة الدولة التى لن تمنع أيًا من مواطنيها من العودة إليها.
■ هل تشهد الفترة المقبلة توحيد قوات المعارضة مع الجيش الشعبى؟
- توحيد قوات المعارضة مع الجيش بدأ بالفعل، وهناك مجموعات تابعة للمعارضة التى وافقت على اتفاق السلام يجرى استيعابها حاليًا فى الجيش، حسب رتبها وحسب حجم قواتها، وقريبًا سيكون هناك جيش واحد فى جنوب السودان.
■ شهد نوفمبر ٢٠١٧ توقيع «إعلان القاهرة» بهدف توحيد القوى السياسية.. ما الجديد فى هذا الشأن؟
- المسألة بدأت إثر محاولات من تنزانيا وجنوب إفريقيا وإثيوبيا لتوحيد فصائل «الحركة الشعبية فى جنوب السودان»، واستيعاب الخلاف بين مجموعاتها من أجل تسهيل اتفاقات عملية السلام.
وسبق «إعلان القاهرة» توقيع اتفاقية بهذا الخصوص فى تنزانيا إلا أن بنودها لم تنفذ، إلى أن قامت مصر بجمع الأطراف من جديد لتوقيع مذكرة تفاهم أثمرت عن إتمام السلام الذى نعيشه اليوم، ولعبت مصر دورا واضحا بهذا الخصوص خاصة فى مسألة الدفع نحو الاستقرار وتوحيد الكلمة، من أجل دعم جهود التنمية فى جنوب السودان.
■ هل هناك أى تحركات منكم لإلغاء العقوبات الدولية وحظر السلاح المفروض عليكم؟
- بالتأكيد فى الوقت الحالى لا يوجد ما يبرر استمرار هذه العقوبات، خاصة عقب توقيع اتفاقية السلام، وتساوى جميع الأطراف فى جنوب السودان أمام القانون، وأعتقد أن دول العالم تلجأ إلى استيراد السلاح من أجل الدفاع عن نفسها، وهو ما ينطبق علينا بالضرورة، لأننا دولة لها حق دستورى فى الحكم والسيادة من أجل حماية المواطنين وممتلكاتهم.
■ ما آخر تطورات اتفاق ترسيم الحدود مع دولة السودان؟
- أثناء الحرب مع السودان لم تكن جميع الأمور واضحة، لكن بعد إحلال السلام فى ٢٠٠٥، وجد الجميع أنه لا بد من النظر إلى القواسم المشتركة بين الشعبين، فنحن مرتبطون ارتباطا مباشرا مع السودان، وحتى لو كان هناك انفصال سياسى فإن الانفصال الاجتماعى مستحيل، كما أننا نتشارك فى أطول حدود بالمنطقة، والمواطنون الموجودون على الحدود بين البلدين أكثر من نظرائهم فى الداخل.
الأمم المتحدة من جانبها تحاول تشجيع كافة الأطراف على أن يكون هناك «تسوية سلمية»، والحمد لله أكثر من ٨٠٪ من مسائل الحدود حلت بالفعل، والنسبة البسيطة المتبقية يمكن حلها بعد تطور العلاقات خلال الفترة الأخيره بين حكومتى السودان وجنوب السودان. ورغم وجود خلافات على بعض المناطق، التى يرى كل طرف أنه الأحق بها، إلا أن التقارب فى العلاقات ووجود ملفات مشتركة لدى رئيسى البلدين يجعل وجهات النظر تتقارب.
■ فى حالة عدم الاتفاق.. هل سيكون حسم مصير هذه المناطق متروكًا لـ«استفتاء شعبى»؟
- من الممكن أن يحدث هذا، وهناك مناطق بالفعل جرى فيها استفتاء مثل «أبيى» فى ٢٠٠٥، حيث حدد مواطنوها مصيرهم بالبقاء ضمن السودان أو الانضمام إلى جنوب السودان، وذلك عن طريق المواطنين أنفسهم دون مساعدة او تدخل من حكومتى البلدين، وجاءت النتائج لصالح جنوب السودان بنسبة ٩٩٪ تقريبًا، تحت رقابة ومتابعة من الاتحاد الإفريقى، الذى وصف الاستفتاء بالقانونى.
ورغم ذلك، يجب العمل على تحقيق تفاهم بين الأطراف، وهذا ما نتطلع إليه فى كل «القضايا العالقة»، عن طريق إقامة علاقات مشتركة تقوم على الاحترام المتبادل بين الطرفين، وأن يكون هناك تعاون لصالح مواطنيهما.
■ بجانب ملفات الصراعات والسلام والعقوبات.. ما أبرز التحديات الأخرى التى تواجهكم؟
- عندما استقل جنوب السودان لم يكن يمتلك أى بنية تحتية، لا طرق ولا كبارى، ولا حتى مؤسسات حكم، لذا بدأنا ومازلنا نبدأ بناء البلد من الصفر، وذلك عن طريق تحديد أولوياتنا والبدء فى تنفيذها على الفور، بداية من التعليم الذى يتصدر هذه الأولويات، لأن عن طريقه يمكننا الاستفادة من خبرات الشباب المتعلم وتوظيف إمكانياته فى بناء البلد، ثم تأتى بعده ملفات السكن والصحة والزراعة.
وجنوب السودان من أغنى دول المنطقة، فهى تملك ثروة بترولية ومعدنية تتمثل فى الذهب والحديد، بالإضافة إلى العديد من الموارد الطبيعية الأخرى، كما أن ٨٠٪ من أراضيها صالحة للزراعة، لكن المشكلة التى تواجهنا هى نقص الخبرات اللازمة لبناء دولتنا، لذا نتطلع للتعاون مع دولة كبيرة بحجم مصر، كى تشاركنا بخبراتها فى إنشاء المدن وتدشين البنية التحتية.
■ بذكرك التعاون مع مصر.. كيف تقيم علاقات مصر وجنوب السودان؟
- فى البداية أنتهز هذه الفرصة كى أنقل تحيات الرئيس سيلفا كير مَيارديت لشقيقه الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس جمهورية مصر العربية، وإشادته بنجاح منتدى شباب العالم الأخير الذى أقيم فى مدينة شرم الشيخ، وما تضمنه من مناقشات وجلسات لخدمة المجتمع العالمى.
وعلاقاتنا مع مصر أزلية وقديمة منذ استقلال جنوب السودان، وملتزمون بضرورة تعميقها وتعزيزها خلال الفترة المقبلة، ونأمل أن ترقى من العلاقات الدبلوماسية إلى علاقات تعاون مشترك بين البلدين فى جميع المجالات. ويمكن القول إن علاقاتنا فى أفضل حالاتها، لأنها تستند على رغبة مشتركة وإرادة سياسية لجعلها نموذجًا يحتذى به فى العالمين العربى والإفريقى.
■ فى ظل هذه الرغبة.. ما أهم مجالات التعاون بين البلدين؟
- لأننا دولة وليدة نحتاج إلى عدد كبير من المشروعات فى جميع المجالات، خاصة فى البنية التحتية والزراعة والصحة والتعليم، كما أننا نمتلك العديد من آبار البترول ومناجم الثروات المعدنية وعلى رأسها الذهب، وهى أمور تجعلنا دولة جاذبة للاستثمار.
والاستثمارات المصرية موجودة فى جنوب السودان بشكل كبير، وتدعم التعاون بين البلدين، ومن الشركات المصرية فى جنوب السودان «أوراسكوم»، ونعمل فى الوقت الحالى على إتاحة الفرص الاستثمارية أمام المستثمرين ورجال الأعمال المصريين، والحكومة لديها رغبة كبيرة فى تذليل كافة العقبات أمامهم. ومصر قدمت لنا الدعم فى العديد من القطاعات، مثل التعليم والصحة وشركات الأدوية، بجانب وجود رحلات جوية منتظمة بين البلدين يومى الإثنين والجمعة من كل أسبوع.
■ هل يمكن أن تمتد مشروعات الربط الكهربى والسكك الحديدية بين مصر والسودان إليكم؟
- نحن حاليًا فى عملية بحث جادة عن الشركات التى يمكن أن توفر الكهرباء، وكما ذكرت جنوب السودان دولة وليدة تحتاج إلى بنية تحتية، ونعلم أن مصر لديها خبرات كبيرة فى مجال الكهرباء، وحققت أرقاما قياسية وغير مسبوقة، لذا وزارة الكهرباء والسدود فى جنوب السودان على اتصال بالحكومة المصرية فى هذا الصدد.
ونناقش كذلك مشروعات الربط عن طريق وسائل النقل، وهناك مشروعان قيد الدراسة، الأول خط سكك حديدية يمتد من مدينة «عبره» السودانية إلى «واو»، وهو خط قديم نناقش السودان حاليًا فى إعادته من جديد، والثانى مشروع الملاحة النهرى من مدينة «كُوسْتِي» إلى جنوب السودان. وفى السياق ذاته تدرس لجنة فنية لدينا مذكرة قدمناها إلى مصر بشأن تطوير النيل، لتدشين ملاحة نهرية بين البلدان الثلاثة.
■ بذكرك نهر النيل.. ما موقف جنوب السودان من «سد النهضة» الإثيوبى؟
- فى البداية نؤكد أن المياه هى شريان الحياة للدول، ويجب ألا تكون مصدر خلاف بل «مصدر بركة وتعاون». نحن على اطلاع كامل بالأزمة ونؤكد أننا لن نكون سببًا فى أن يعانى أى مصرى من أزمة مياه، وهو ما شدد عليه الرئيس سلفا كير لدى لقائه شقيقه الرئيس عبدالفتاح السيسى، بقوله: «لو وصلنا كوب واحد من المياه سنشرب نصفه ونعطى نصفه الآخر إلى مصر».
■هل لديكم إحصائيات عن عدد جالية جنوب السودان فى مصر؟
- لا يوجد أى رقم محدد سوى ما تذكره بعض الإحصائيات من أنه يتراوح بين ٣٠ و٤٠ ألفا، ونحاول بقدر الإمكان مع السلطات المصرية ضبط عملية الدخول والخروج حتى نصل إلى الأرقام الحقيقية.