رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ليس لدى الوزير من يؤنبه


العنوان قد يكون هو الأنسب لحكاية الخذلان ومرارته، الخيبة وحسراتها، والأيام أو الأسابيع التى يهدرها وزير التربية والتعليم فى كلام فارغ. بالضبط، كما كان عنوان «ليس لدى الكولونيل من يكاتبه» هو الأنسب لرواية جابرييل جارثيا ماركيز، التى عشنا فيها مأساة ذلك الكولونيل (العقيد) المتقاعد الذى ظل طوال خمسة عشر عامًا، بعد تسريحه من الخدمة، لا يفعل شيئًا غير الذهاب إلى مكتب البريد أملًا فى وصول رسالة، لم تصل أبدًا تخبره بزيادة معاشه!.
لا رابط بين العنوانين، الشخصيتين، الحالتين، أو الحكايتين، غير أن ذلك الكولونيل الذى لم يجد من يكاتبه، أفضل حالًا، فى تصورى، من الوزير الذى لم يجد، إلى الآن، من يؤنبه على كثرة كلامه الذى يشوه به فعله، ويُلفت نظره إلى أنه كلما أراد إزالة آثار الـ«طرطشات» التى تخرج من فمه، يزيدها بللًا. مع أن ذلك حدث كثيرًا، وتكرر، وليس متوقعًا أن يتوقف أو يتوب بعد تلك الـ«طرطشات» التى رأيناها بالصوت والصورة، خلال جلسة أو «دردشة» مع أعضاء لجنة المشروعات الصغيرة بمجلس النواب، والتى جاء توضيحه لها، أو تراجعه الضمنى عنها، ليحيلها إلى «معجنة» عنوانها «مجانية التعليم»!.
«نفسى حد يحاسب اللى كتب إنى قلت كده».
هكذا، طالب الوزير بمساءلة من قام بترويج ما وصفها بـ«شائعة إلغاء مجانية التعليم»، خلال مداخلة تليفونية مع برنامج «الحياة اليوم»، مساء الأحد. ولا أجد سببًا يمنع الوزير من تحقيق «اللى فى نفسه»، لأنه لو استدعى، إلى مكتبه، كل أو بعض أعضاء الإدارة العامة للشئون القانونية، واستشار أصغرهم لعرف أن كل ما عليه هو تقديم بلاغات ضد من زعم أنهم قاموا باجتزاء بعض الجمل من كلامه، أو نسبوا إليه تصريحات لم يقلها!.
لم نكن طرفًا فى هذا التلاسن أو تلك «المعجنة». فقط رأينا أن كلام الوزير كله لم يكن أكثر من «عك فى عك». وحين توقفنا عن قوله «مجانية التعليم تحدد قدرتنا على الحركة، اللى كتب الكلام ده عام ١٩٥٢ ما كنش يعرف إن مصر حايبقى فيها هذا العدد من السكان»، اكتفينا بالإشارة إلى أن «اللى كتب الكلام ده»، لم يكتبه «سنة ١٩٥٢»، أو سنة ١٩٥٦ فى أول دستور بعد ثورة ٢٣ يوليو، بل سنة ١٩٢٣ فى أول دستور مصرى. وعليه، كان لافتًا أن الوزير كرر فى البرنامج المشار إليه أن «مجانية التعليم موجودة منذ عام ١٩٥٢»!
كان لافتًا، أيضًا، فى رده، توضيحه، تراجعه أو استدراكه، أنه تجاهل تبرير، تفسير أو شرح علاقة ثمن تذكرة حفلة عمرو دياب بالتعليم أو بتطويره. صحيح أننا لم نتوقف عند ذلك القياس الخاطئ (أو الفاسد)، وصحيح أننا طلبنا منك أن تتجاهله، تدعه، أو تـ«سيبك منه». لكن كان على الوزير، الذى زعم أن «الحديث عن إلغاء مجانية التعليم لم يحدث إطلاقًا»، أن يفك الارتباط بين تلك العبارات التى قالها بهذا التتابع: «حفلة عمرو دياب وصلت لـ٢٠ ألف جنيه للتذكرة، وإحنا مش لاقيين فلوس نطور بيها التعليم، ولمّا نتكلم عن مجانية التعليم، الناس ممكن تحدفنا بالطوب».
هل «التداعى الحر»، مثلًا، هو الذى جعل عمرو دياب يخطر على باله؟!
الهلالى الشربينى.. دينا الشربينى.. عمرو دياب. ومع أن دينا لا علاقة لها بوزير التربية والتعليم السابق. ومع أنها من مواليد برج الحوت، والثانى من مواليد «الثور»، إلا أننا وجدناها فرصة لـ«نعك» نحن أيضًا. وبجملة «العك»، نشير بالمرة إلى أن عمرو دياب له حفلة بالقاهرة الجديدة، يوم ٣٠ نوفمبر الجارى. وأن الشركة المنظمة للحفل طرحت فئتين للتذاكر بأسعار ٣٥٠ و٥٥٠ جنيهًا. ولا تعتقد أن التذاكر مدعومة أو تم تخفيض أسعارها نكاية فى الوزير، فقد كانت تلك تقريبًا هى أسعار تذاكر حفلة أغسطس الماضى بالساحل الشمالى. وإياك أن تتهم الوزير بالمبالغة أو الكذب، فربما كان سبب الفجوة بين هذه الأرقام والرقم الذى أعلنه، هو حضوره «حفلة دبى»، التى أحياها الهضبة فى ديسمبر الماضى، ووصلت فيها أسعار التذاكر إلى ١٠ آلاف درهم إماراتى، أى ما يعادل ٥٠ ألف جنيه مصرى!.
.. وأخيرًا، لا أعتقد أننا ظلمنا الوزير، حين قلنا، ونقول مجددًا، إنه يتمتع بقدر لا بأس به من «الغباء السياسى». وتكفينا شرف محاولة لفت نظره إلى أنه كلما تكلم يظلم نفسه، وينتقص من قيمة ما تبذله الوزارة من جهود واضحة ومُقدَّرة. لكن يبدو أن الوزير ليس لديه من يؤنبه، مع أنه فى أمسّ الحاجة إليه!.