رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مؤتمر شرم الشيخ.. صيحة تحذير للحفاظ على التنوع البيولوجي

جريدة الدستور

الجهد المتميز لمصر في مجال صون الحياة الطبيعية، وإدماج البعد البيئي في صناعة القرار، وما تزخر به من محميات طبيعية، وما تتميز به أرضها من ثروات معدنية وتكوينات جيولوجية تكشف أسرار الطبيعة، بالإضافة إلى براعة مصر في مجال سياحة المؤتمرات، هي أسباب جعلت مصر جديرة باستضافة ورئاسة مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي (مؤتمر الأطراف الرابع عشر للتنوع البيولوجي)، والذي يعقد للمرة الأولى في إفريقيا والمنطقة العربية، وتنطلق فعالياته غدا الثلاثاء بمدينة شرم الشيخ برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، تحت شعار (الاستثمار في التنوع البيولوجي من أجل صحة ورفاهية الإنسان وحماية الكوكب)، وذلك بمشاركة المنظمات الدولية المعنية وممثلي ١٩٦ دولة، و٢٥٠ شركة لبحث الاستثمار في الموارد الطبيعية.

ويحتضن المؤتمر الذي سيستمر حتى يوم ٢٩ نوفمبر الحالي في يوم انعقاده الثاني اجتماعا وزاريا رفيع المستوى برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء؛ لمناقشة السياسات والتوجهات الاستراتيجية بشأن أولويات التنوع البيولوجي في القارة الأفريقية، والتركيز على استعادة التنوع البيولوجي الطبيعي والنظم البيئية (الأيكولوجية) لمعالجة تدهور الأراضي وتغير المناخ والهجرة.

وبحسب ما أعلنته الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة، فإن المؤتمر الذي ترأسه مصر كأول دولة عربية وأفريقية من أكبر مؤتمرات الأمم المتحدة، إذ يشارك في أعماله وزراء الإسكان والصحة والبترول والصناعة من مختلف دول العالم، لمناقشه القواعد اللازمة لصون التنوع البيولوجي، واتباع القواعد والمعايير العالمية عند استخراج المعادن والبترول من باطن الأرض ومن البحار والمحيطات، وكذلك البنية التحتية وعند استخدام النباتات في العقاقير الطبية، وعند إقامة أي مصنع في مناطق ذات حساسية بيئية وتأثيرات ذلك على صحه الإنسان.

وقالت الوزيرة إن المؤتمر الذي يحظى برعاية رئيس الجمهورية سيكون منصة تطلق منها مصر مبادرة تدعو لدمج 3 اتفاقيات دولية خاصة بالبيئة في كيان واحد، وهي اتفاقيات التنوع البيولوجي، والتغيرات المناخية، والتصحر، لارتباطها وتأثيرها المشترك والمتداخل في حياة الشعوب، مما يعزز الاستفادة منها، خاصة وأن كلا منها تختص بجزء حيوي يؤثر في اختصاص الاتفاقيات الأخرى.

ويتزامن عقد مؤتمر شرم الشيخ مع مرور 25 عاما على دخول اتفاقية التنوع البيولوجي حيز التنفيذ، كما يتزامن مع تسليط الضوء على الإنجازات التي تم إحرازها في تحقيق أهداف الاتفاقية على المستويين الوطني والعالم، ويحظى موضوع (التنوع البيولوجي) باهتمام عالمي.

والتنوع البيولوجي، هو مصطلح يطلق على تنوع الحياة على الأرض والأنماط الطبيعية التي تشكلها، والتنوع الذي يشاهده البشر حاليا هو ثمرة مليارات السنين من التطور الذي تشكل نتيجة للعمليات الطبيعية، والتأثير الحادث بفعل البشر مما يشكل شبكة بيئية من الحياة يعد الإنسان جزءا لا يتجزأ منها ويعتمد عليها بصورة كاملة، ويتضمن التنوع البيولوجي الاختلافات الوراثية داخل كل نوع من الكائنات الحية، إلى جانب تنوع الأنظمة البيئية الموجودة في الصحارى والغابات والأراضي الرطبة والجبال والبحيرات والأنهار والمسطحات الزراعية.

وفي كل نظام بيئي، تشكل المخلوقات الحية بما فيهم البشر، مجتمعا يخصها، يتفاعلون فيما بينهم في ساحته وفيما يحيط بهم من الهواء والماء والتربة، مكونا مجموعة من صور الحياة وتفاعلاتها التي جعلت من الأرض مكانا صالحا لسكن البشر على نحو منقطع النظير، ويوفر التنوع البيولوجي عددا كبيرا من السلع والخدمات التي تمد الإنسان بأسباب المعيشة في حياته، وترجع أهميته بين مكونات كوكب الأرض في اعتماد السلع والخدمات الأساسية التي ينعم بها كوكب الأرض وسكانه عليه من حيث تنوع وتباين الأنواع والتجمعات الحية والنظم البيئية، ويعتمد توافر الغذاء والماء والطاقة وهي اللبنات الأساسية التي يقوم عليها أمن أي بلد في العالم على صحة الأنظمة البيئية وقوتها وتنوعها، وعلى الحياة التي تسكنها.

وكشف تقرير للأمم المتحدة صدر مؤخرا عن تقاعس الحكومات عن تنفيذ الأهداف التي وردت في خطة دولية للتنوع البيولوجي لحماية الحيوانات والنباتات بحلول عام ٢٠٢٠، والتي تهدف أيضا إلى زيادة الإمدادات الغذائية وإبطاء التغير المناخي، إذ مازالت أنواع نادرة كثيرة من الكائنات الحية تواجه خطر الانقراض بشكل متزايد، حيث يتم إزالة الغابات بمعدل ينذر بالخطر، كما يستمر الإفراط في صيد الأسماك بالرغم من حملة الأمم المتحدة التي تم الاتفاق عليها في عام 2010 لوقف الاتجاهات الضارة بالطبيعة.

وذكر التقرير أن التنوع البيولوجي عالميا يواجه العديد من الضغوط مثل النمو السكاني والزحف العمراني والتلوث البيئي وتغير المناخ، وبالرغم من أن غزو الأنواع الغريبة لا يعد العامل الأهم في تدهور حالة التنوع البيولوجي مقارنة بتغير المناخ وتغير استخدامات الأراضي، إلا أنه دون شك أحد العوامل الرئيسة التي لا يمكن تجاهلها خاصة في ظل التوسع المستمر في التجارة الدولية وفي حركة النقل البري والبحري.

ويأتي هذا الافتقار إلى القدر الكافي من الاهتمام رغم التعهدات الدولية بحماية التنوع البيولوجي، ففي أكتوبر عام 2010، التقى زعماء العالم في إيتشي في اليابان، ووضعوا الخطة الإستراتيجية للتنوع البيولوجي( 2011-2020 )، التي تضمنت 20 هدفا طموحا، مثل خفض خسارة الموائل الطبيعية العالمية إلى النصف، وإنهاء الصيد الجائر، واتفق الموقعون على تلبيتها بحلول عام 2020، كما تأتي حماية التنوع البيولوجي على وجه التحديد ضمن أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.

ويتفق صناع السياسات إلى حد كبير على أهمية منع ارتفاع درجة الحرارة العالمية عن تجاوز درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة، وهو هدف اتفاق باريس للمناخ، غير أن قلة من زعماء العالَم لم يبدوا أي إحساس بإلحاح الحاجة إلى وقف خسارة التنوع البيولوجي.

وقال بروليو دو سوزا دياس الأمين التنفيذي لاتفاقية التنوع البيولوجي، إن ثلث المناطق المحمية في العالم تتعرض للتدهور بسبب الأنشطة البشرية رغم الحاجة الملحة لإنشاء المزيد منها أكثر من أي وقت مضى، حيث تعد المناطق المحمية مناطق جيدة الإدارة لإنقاذ الأنواع النادرة من الانقراض حتى لا تتفاقم خسائر التنوع البيولوجي.

صيحة تحذير للعالم سيطلقها مؤتمر شرم الشيخ بسبب الأنشطة البشرية التي أسهمت فس انحدار كبير فس التنوع البيولوجي أسرع من أي لحظة مضت في التاريخ، وعدم إدراك العديد من صناع السياسات حتى الآن بأن خسارة التنوع الأحيائي تشكل تهديدا لا يقل جسامة عن ارتفاع مستويات سطح البحر وأحداث الطقس القاسية المتزايدة، وأن المستقبل المستدام الذي يريده البشر يعتمد على إنهاء هذه الحالة من عدم الاكتراث.